وكفى بالموت واعظا
لم يكن في إستصحاب الرجل عندها تصور للقدر، وهنا تكمن غياب الفطنة لأن قدرية الحياة تتلخص عند معرفتنا بأن المفارقة للدنيا أمر مبسوط يجابه الناس في هذه الفانية حيث تمترس الرجل خلف اللون وأطلق رشاشاته الطائشة في وجه الجميع لينسف الخيرية في الناس لمجرد تصور خاطيء أفضى الى نتيجة خاطئة، حيث إرتقى هذا التصور عنده ليغلف الخير بلون أسود.. فطارد الحميّة الواهية بمطية التعصب الأعمى فتواري الخير في قلوب الناس .
والغريب أن الموت داهم من كان الخير مصوب إليه (له الرحمة والمغفرة) ليفوز المصوبون بثواب التصويب، ويحول الموت بين بين بعض القائلين ومبتغاهم بالتسويف.. لنتعلم جميعا أن النوايا لا يعلمها إلا علام الغيوب والقلوب .
لقد غيب الموت (ود الجنيد) الذي رحل من دنياواتنا في يوم مضروب موفوت منذ مولده ومسطر في علم الله وأزله، لكننا في غمرة سجالاتنا الواهية خلطنا الحابل بالنابل وضيعنا حتى فرص الخيرية بين الناس بسبب الترصد والتمترس الذي تحكّم في الناس وأنساهم الخيرية التي فيهم .
والبرير شخص جاء من رحم الرياضة والممارسة عندنا خيارا وإختيارا ليرتقي عليّه السلم والمراقي، فكان حريا به أن يرتقي المراقي في رد راق، مثل ظن أهل الحميّة أنهم كيان يمكن أن يستغنى عن الآخرين حتى نسوا في غمرة السجال أنهم جزء من الناس لا يقوى عودهم إلا بالخيرية التي فيهم، فإن ضاعت ضاعوا في إمتحان الحياة كلها.
أما الحقيقة الأخرى في أن كل ناد يحاول أن يحتكر الفوز والنصر ويحرم الآخرين حقهم في التطلع والفوز، وهذه آنانية تعكس الجهل بماهية التنافس الشفيف الشريف الذي يجعل للنصر مذاقا وللهزيمة مذاقا آخر .
لكن الأدهى، بل الأمر أن يصدر مثل هذا من رجل توافق الناس على تنصيبه رئيسا فوق هاماتهم، وجاء كخيار من خيارهم، حيث كانت الخيرية فيه تقتضى الكياسة والرشاد، وهكذا خيب الرجل ظن الناس في مكمن الخير.. وليته فعل ذلك في أمر آخر غير هذا الموطن، لأن المروءة تقتضي قدرا هائلا من الحكمة التي كان من المفترض أن تكافيء الخير بالخير حتى لو كان فيه ما يرجح سواه ، مما يعني أنه تعامل مع الأمر على محمل المتعصبين والمعصوبين فكانت قوله خصما من رصيد محبته في الناس .
صحيح أن كثيرين سيكون قد أعجبهم مثل هذا القول وربما سيكون البعض قد هتف له والبعض قد هاتفه وكاتفه وربما أوصلوا صوتهم له ، لكن كل هؤلاء سيكونون من أهل اللحظة العابرة التي لا تدوم، ويبقى الذين صمتوا وهؤلاء هم أهل القول الأصوب، هؤلاء الذين تآكل رصيده في دواخلهم ، وربما حزنوا أن يكون رئيسهم على هذه الشاكله من الإندفاع اللا مبرر .
أما (ود الجنيد) فقد تسرب من بين أيدينا من دنياواتنا الفانية الى عالم آخر تشيعه القلوب الصادقة بحسن الدعاء له، وسيجزي الله الناس على النوايا والكلمات الصادقة التي قيلت ، ووقتها ستكون لكل كلمة في ميزان قسط لا عدل بعده .
رفعت الأقلام .. وجف المداد برحيل الرجل الخلوق.. وأصبحت الكلمات التي قيلت فيه هائمة بين الناس وكل كلمة توصم صاحبها وتذكر القائلين والمبادرين والباذلين بصدق النوايا ، وتقدح في القادحين بمثل ذلك لآن ما مضى لن يعود.
فلو أدركنا أن الموت كأس دائر بين الناس ما إنبرى شخص يخوّن الناس بالظن فيفسد الخير، كما لن ينبري أحد للدخول ف ثنايا القلوب لرؤية ما فيها تجسسا وتحسسا..
لقد فعلت العصبية فينا ما يكفي حتى جاءت على أهل الحل والعقد وكادت أن تفسد خيرهم.. والمشكلة هنا أنها فعلت ذلك في من كنا نظنهم بقاماتهم أكبر من أن تحتويهم وتستغرقهم هذه الإحتوائية المقيتة التي سوّدت الممارسة وأفرغتها من جمالات قيمها وشعاراتها النبيلة.
ثم ماذا لو تصورنا أنفسنا في مقامات في مقامات ود الجنيد (له الرحمة) والناس حوله يتخاصمون في تخوين الخير والزمان يتسرب من بين أيديهم ، ترى كم مرة كان الواحد منا سيموت في اليوم الواحد؟؟ ثم ما الذي سيضيرنا لو أننا بسطنا قلوبنا قبل ألسنتنا للناس وأخرجنا كلمة خير رددنا بها على خيرية الناس؟.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم (كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور) .
وهكذا كتب الله الموت على كل نفس، فهو نهاية كل حي، وما ذكر الموت في قوم إلا تملكتهم الخشية وأخذتهم الرهبة، وسالت منهم الدمعة، وهو قضاء الله عز وجل وقدره على عباده، فهل نقبل أن تشيعنا في يوم مماتنا كلمات التخوين والترصد والغل أم أن نرتق ظننا بكلمة خير تتوج موازننا يوم العرض العظيم؟
رحم الله (ود الجنيد) وجعل مثواه الجنة .. وكفى بالموت واعطا ..
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغت رؤوسن شوامخ
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)[email]shococo@hotmail.com[/email]
[B][SIZE=4]كلام من درر .. وحم بليغة ياليت البرير يفهما
ويعلم أنه مخطيء
شكرا أستاذنا صلاح شكوكو[/SIZE][/B]
..