حرامية ولكن ليس مية في المية (100%)
اللص أو الحرامي من أكثر الناس تعرضاً للظلم، أتكلم بالطبع عن اللص الذي يعتدي على ممتلكات الغير للاستيلاء ولو على جزء منها، ففي كل مجتمع مهن عديدة، بعضها في واقع الأمر اللصوصية بعينها، ولكن ممتهنيها ينعمون بالمكانة والوجاهة… بعض أنواع اللصوصية يسميها المجتمع «تجارة وشطارة» فالذي يبيع سيارة عيوبها أكثر من مزاياها بأضعاف ما تستحقه من ثمن يستولي على مال الغير بغير وجه حق، وهو إذن «حرامي»، والمحامي الذي يتقاضى الأتعاب عن قضية يعرف أنها ميئوس منها تماماً «حرامي قانوني»، والطبيب الخصوصي الذي تلجأ إليه شاكياً من تساقط الشعر – مثلاً – فيرغمك على غشيان أقسام أشعة إكس والموجات الصوتية والمختبرات التابعة له لفحص اللعاب والدم والبول، «حرامي» أيضاً، والسمسار يمارس «الحرامية» عدة مرات في سياق إبرامه لهذه الصفقة أو تلك، والحكومة «أكبر حرامي» لأنها تستولي على مداخيلك ومدخراتك بمساعدة الشرطة والقضاء وجماعة الضرائب بذرائع مختلفة.
في مدينة عدن اليمنية تابع شاب – قبل سنوات – تحركات سائق إحدى الحافلات الذي كان يتعاطى بعض الشاي في انتظار أن تمتلئ الحافلة بالركاب، وما أن امتلأت الحافلة بالخلق حتى سبق ذلك الشاب السائق إلى مقعد القيادة وانطلق بالحافلة، ولأنه كان يعرف أنه «حرامي» في نظر المجتمع فقد كان الاضطراب بادياً عليه، ومع ذلك فإنه لم يتردد في إنزال بعض الركاب في المواقع المحددة لنزولهم، ولكن هؤلاء البعض كانوا من ناكري الجميل، فلأن الشاب نسي أن يحصّل منهم قيمة التذاكر، فقد أبلغوا الشرطة بشكوكهم فيه، فسقط المسكين في قبضة ما يسمى «العدالة» التي أشبعته «عدلا» وشتماً حتى قبل تقديمه إلى المحكمة، وتم الزج به في السجن بضع سنوات، كان يعتزم توصيل جميع الركاب إلى وجهاتهم قبل «التصرف» في الحافلة، ولكن هذا لن يشفع له كثيراً لأنه حرامي «صغير». وفي الأردن سرق شاب سيارة، وافتضح أمره، وطاردته الشرطة، فترجل من السيارة واختبأ في مدخل شقة سكنية، ولكن صاحب الشقة حسبه «حراميا» فأطلق عليه النار فسقط صاحبنا قتيلاً، وهكذا مات شاب بريء ، نعم بريء لأنه قتل لجريمة لم يرتكبها، فقد مات أو قتل باعتبار أنه حاول السطو على الشقة في حين أنه لجأ إليها هربا من الشرطة، ولنا أن نتساءل، لو أن مختلساً معروفاً دخل تلك الشقة ولم يكتفِ بالاختباء في مدخلها، بل قال لصاحبها: بصراحة أنا اختلست 987 ألف دينار! هل كان سيلاقي ذاك المصير نفسه؟
أما في مصر فإن «الوضع» أفضل نسبيا، فقد عثرت دار الكتب المصرية على خزينة قديمة، وعند فتحها اتضح أنها تحوي آلاف القطع النقدية الذهبية ذات القيمة التاريخية، وبعد جرد محتويات الخزينة تم إغلاقها، ولكن تعذر فتحها مرة أخرى، ولم يعد من سبيل أمام إدارة الكتب إلا أن تقترح على وزير الثقافة الاستعانة بلص خزائن مخضرم، فالخزينة الأثرية صنعت قبل عام الفيل، وفشل مهندسو «آخر الزمان» في فتحها، وهكذا برهنت إدارة الكتب على احترامها للتخصص والكفاءة،.. وبما أنني نصبت نفسي محامياً عن الحرامية، فإنني أهيب بلصوص الخزائن في مصر عدم فتح تلك الخزينة إلا نظير عمولة معينة: «فيفتي – فيفتي» على الأقل، أو بعد الحصول على تعهد من وزارة الداخلية بعدم التعرض لهم إذا فتحوا خزائن أخرى في أماكن أخرى، أو بعد أن تسمح لهم السلطات بتكوين نقابة تدافع عن حقوقهم، كما هو الحال بالنسبة إلى المافيا الإيطالية التي تحظى باحترام واهتمام الدوائر الرسمية، وبعد تكوين النقابة بإمكانهم الانضمام إلى الاتحاد العالمي للمصارف توسيعاً لنشاطهم وتعميماً للفائدة.
حكايتك مع الحرامية شنو يا أبو الجعافر ؟