الطاهر ساتي

الزهد والعدل والإيثار… قضايا انصرافية..!!

الزهد والعدل والإيثار… قضايا انصرافية..!!
للرائع عباس عزت كاميرا ذات عدسة ذكية، يوثق بها بعض أوجه الحياة العامة بأخيرة التيار.. رب صورة خير من ألف مقال وخمسمائة تحليل ومائة تقرير، أو هكذا تخاطبني عدسة عزت يوميا، فأستمتع بلغتها ثم بسردها العميق لمشاهد الحياة.. مطلع الأسبوع الفائت، عندما أغلق أهل بري شوارعهم لتنبيه حكومة الخرطوم بأنهم عطشى، قصدهم عباس عزت برفقة رئيس تحرير صحيفتهم لتغطية غضب الأهل ببري، ولم يكتف من هناك بعكس ملامح العطشى والشقاء فحسب، بل عكست عدسته بعض ملامح الهناء أيضا.. ثلاث بنايات شاهقات، ذوات واجهات زجاجية تطل على الشارع، منزل علي كرتي، أو هكذا قالت عدسة عزت.. وفوق قولها مباشرة، يقول رئيس تحرير صحيفته بالخط العريض: حوض سباحة بمنزل كرتي يستفز أهل بري.. وفي اليوم التالي لحديث العدسة والقلم، ينفي كرتي للتيار ذاتها علاقة حوض سباحة منزله بشخير مواسير أهل بري، ويؤكد بأن حوض السباحة لم يكتمل بعد، وكان عليك – يا عباس عزت – أن تصور الحوض في مرحلته هذه – أي وهي في مرحلة الإنشاء عندما صورت العمارات، حتى يعلم أهل بري – وكل أهل السودان – بأن حوض سباحته بريء من تهمة تجفيف مواسير أهل بري، فاعتذر له عزت قائلا (معليش، بعد ما يكتمل، بغطي الافتتاح وأصورو).. أو هكذا كان الخبر(لقد ظلموه، حوض السباحة لم يكتمل)..!!
** فلندع قصة حوض سباحة علي كرتي، المنسق الأسبق – والأول – للدفاع الشعبي، أي الذي كان يخاطب شباب الحركة الإسلامية بقيم التقشف والزهد والإيثار ثم الجود بالنفس والدم في سبيل عقيدتهم ووطنهم، أو هكذا كان يخاطبهم، ولم يكن حوض السباحة – وغيره من دعة الدنيا – يرد في خطاب أمير أو قلب شاب صادق ركل الدنيا وما فيها ثم توسد ثرى قبر زيارته بحاجة إلى (تأشيرة).. نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ومقاعد الصدق عند المليك المقتدر، لقد اصطفاهم الله قبل أن يكتمل تشييد (حوض سباحة منزل أميرهم)، ولذلك لا يخطئ الزمن حين يتأوه قائلا: أما الأخيار، فقد رحلوا.. المهم ندع قصة حوض السباحة، فهي أيضا انصرافية كقصة راتب ومخصصات مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، أو كما وصفها وزير المالية في مؤتمره الصحفي يوم الخميس الفائت.. نعم وزير المالية قال بالنص: (العقد الأسطوري قضية انصرافية، وما مهم محتوى العقد، المهم كيف تحصل عليه الصحفي؟، ويقول لي قدام الناس التوقيع دا توقيعك؟).. أي ليس مهما أن يكون الراتب والمخصصات السنوية لمدير مؤسسة حكومية بالسودان – وليس بأمريكا – مليارا، فالمهم لماذا تمارس الصحافة دورها – قدام الناس – وتعرض للشعب محتوى العقد؟، ثم القضية كلها – على بعضها – انصرافية ، أو هكذا تحليل وزير المالية للقضية..!!
** فلنتفق مع ذاك التحليل.. هي – فعلا – قضية انصرافية.. شنو يعني مليار؟، كتيرة عليهو ؟.. أبداً، يستحقها عن جدارة، هي أقل من دخل معلم بمدرسة أساس، هذا المعلم الذي أمر وزير المالية بتخفيض حافزه، ربما ليتساوى دخله مع دخل مدير سوق الخرطوم.. وشنو يعني بدل لبس اثنين وسبعين مليون؟، شوية خالص.. ويجب زيادة هذا البدل لمائة مليون، ليتمكن المدير من شراء ملابس تواكب موضة الأزياء التي يقدل بها سكان معسكرات “كلمة والسلام بدافور”، والوزير يعرف ملابس أهل تلك المعسكرات منذ أن كان واليا بجنوب دافور، وربما لايزال معجبا بملابسهم تلك، ولذلك يرى بأن بدل لبس مدير سوق الخرطوم – 72 مليون جنيه – قضية انصرافية.. نعم وهو كذلك، فلنتفق معه.. شنو يعني بدل عيدين تسعين مليون؟، بالهناء والشفاء، بالكاد يساوي هذا المبلغ قيمة التورتة والباسطة التي يأكلها أطفال الفقراء بمدارس الخرطوم، ولم يكن موفقا وزير التربية حين صرح بأن الآلاف من الأطفال يدرسون وبطونهم خاوية طوال ساعات النهار، مطالبا الدولة والمجتمع بدعمهم بـ(وجبة فطور).. لم يكن موفقا بهذا التصريح أو ربما سيادته يقصد أهمية دعمهم بالتورتة والباسطة والجاتوه، كنوع من الترف والرفاهية، ولذلك (فيها شنو يعنى لمن بدل عيدين للمدير يكون تسعين مليون؟)، أو هكذا العدل في نهج وزير المالية.. وعليه، كل القضية – كما قصة ذاك الحوض – انصرافية.. وهكذا الحال، فالحديث عن هناء الولاة انصرافي، والحديث عن شقاء الرعية عمالة، فخبرونا – بالله عليكم – ماذا نفعل أثناء ساعات العمل، أي (قدام الناس)..؟؟

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. لك التحية الاستاذ الطاهر ولكل صحفي شجاع شايل هموم البلد.
    1/حقيقة حزنت جدا لعدم التفاعل مع هذا الموضوع الخطير والذي يظهر ان جميع اولي الامر عندنا تركوا الشعارات القديمة ونكبوا علي الدينا.
    2/من اوجهة عدم الاهتمام عدم تنزيل مثل هذا المقال في الصفحة الاولي لموقع النيلين المحترم ، كان من الاجدي تزيل هذا المقال بدل الاهتمام بااخبار اصالة وغيرها .