تحقيقات وتقارير

المدارس الخاصة.. تجربة تحتاج إلى التقييم والتقويم

[JUSTIFY]إلى عهدٍ قريب كان الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس الخاصة يُعدُّون من ذوي المستويات المتدنية من حيث التحصيل الأكاديمي، بينما أولئك الذين يلتحقون بالمدارس الحكومية هم الأميز أكاديمياً وثقافياً وسلوكياً، ولكن الواقع اليوم يعكس وضعاً مغايراً.

وآلت الغلبة للمدارس الخاصة التي احتكرت، في الغالب، الأساتذة المتميزين والبيئة الملائمة والتحصيل الأكاديمي الأعلى، وأصبح المقتدرون فقط هم الذين يلحقون أبناءهم بالمدارس الخاصة، فيدفعون مبالغ طائلة -قد يصل في بعضها إلى ألاف الدولارات- في سبيل تعليم أبنائهم تعليماً يبشِّر بمستقبل واعد.

في بداية التجربة كانت هنالك نماذج متفرِّدة لمدارس استطاعت أن تجد موطئ قدم في التنافس الأكاديمي مع المدارس الحكومية، ولكن بمرور السنوات وكثرة المدارس تخللت التجربة سلبيات عدة، تعكس في مجملها وضعاً متفاقماً يجدر تنبيه المسؤولين إلى الإسراع في معالجته وتقويمه.

سوء إدارة
كثير من المدارس الخاصة تعاني من سوء الإدارة ونقص الخبرة الإدارية، ففي كثير من الأحيان تدار هذه المدارس بواسطة أشخاص يفتقدون إلى الخبرة الكافية في الإدارة المدرسية ووسائل التربية والتعليم، فتجد فيها اضطراباً في الرؤية والأهداف والسياسات المتبعة ناجماً عن الافتقاد إلى المؤسسية والنظام.

كما تجد في كثير من المدارس الخاصة ضعفاً في رقابة الطلاب من حيث التحصيل الأكاديمي والحضور والانصراف ومتابعة السلوك؛ مما يفضي إلى ضعف الأداء الأكاديمي وتراجع الانضباط الأخلاقي والتسيب وسط الطلاب.

وينعكس ذلك بالتالي على مستوى هذه المدارس التي قد تجد بعضها يبدأ بداية قوية، ثم يبدأ في التراجع إلى أن تسوء سمعته فيحوّل أولياء الأمور أبناءهم إلى مدارس أخرى.

تردٍ مُريع
يفترض في المدارس الخاصة أن تكون مثالاً يُحتذى من حيث توفر المعينات التي تهيئ للأساتذة والطلاب على السواء القيام بالدور المناط بهم، ما دام أولياء الأمور يدفعون مبالغ كبيرة للحصول على تعليم متميِّز، ولكن الواقع في كثير من المدارس الخاصة على النقيض من ذلك؛ فلا يجد الأستاذ ولا الطالب المعينات اللازمة ولا البيئة المهيأة التي تنعكس إيجاباً على الأداء الأكاديمي والتربوي والثقافي لهذه المدارس.

وفي المقابل، تعاني المباني التي اُختيرت لكثير من المدارس الخاصة من ضيق المساحة وضعف التهوية وتردي الأثاثات، مع كثرة عدد الطلاب في الفصل الواحد؛ وبشكل عام: عدم مراعاة المواصفات والشروط المطلوبة لإقامة مدرسة خاصة بشكل نموذجي.

غياب الرضى الوظيفي
يشكو كثير من الأساتذة في المدارس الخاصة من ضعف الرواتب؛ مما يضطرهم للبحث عن مدارس أخرى تقدم عروضاً أفضل، أو الاعتماد على دروس خصوصية تسد الفجوة الكبيرة التي تركتها الرواتب الضعيفة.

ونتيجة لغياب الرضى الوظيفي تنتشر ظاهرة استقالة الأساتذة، أو اتفاق طائفة منهم على إنشاء مدرسة جديدة، لتفقد المدرسة الأولى كثيراً من طلابها الذين ينضمون إلى المدرسة المنشأة حديثاً؛ مما يؤدي إلى عدم استقرار هذه المدارس.

فما هي إلا أيام حتى نسمع بمدرسة جديدة تنشأ ونرى إعلاناتها تملأ الشوارع تتصدرها أسماء الأساتذة المشاهير.

بل إن بعض هذه المدارس يفشل في حي من الأحياء فينتقل ليعمل في حيٍّ آخرَ بعيدٍ عن الحيِّ الأول!

تصديق رغم مخالفة الضوابط
هذه الأوضاع التي تعاني منها المدارس الخاصة تدفع بتساؤلات للقائمين على أمر التعليم: لماذا يتم التصديق لكثير من المدارس على الرغم من افتقادها لأقل المقومات المطلوبة؟ هل الأمر مجرد جباية أو تحصيل رسوم إلى خزينة الدولة؟ أم أن هنالك أهدافاً ومرامي لا نعرفها يرمي إليها القائمون على الأمر؟!

هنالك مدارس خاصة لا تملك العدد الكافي من الفصول لإقامة مدرسة، بل بعضهم يعلن عن قيام مدرستين، واحدة للبنين وأخرى للبنات، ثم يدرِّس البنين والبنات في فصول مختلطة، بحجة أنه سيفصل بين الجنسين مستقبلاً، وتمر السنوات فإذا بالاختلاط يستمر حتى في الفصول المتقدمة! وكل ذلك في غياب تام من رقابة الجهات المسؤولة!

استمرار أم إلغاء؟
يتوقّع في التعليم الخاص أن يكون داعماً ومطوِّراً للتعليم الحكومي؛ مما يؤدي إلى خلق نوع من المنافسة بين الاثنين، ولكن الواقع يشي بغير ذلك.

فكثير من المدارس الحكومية ما زالت تعاني من تردي الأوضاع، حتى إن بعضها يحصِّل رسوماً أسبوعية من الطلاب لشراء الكهرباء والطباشير، وغير ذلك من المقومات الأساسية التي يفترض أن تكون مسؤولية الجهات الحكومية! خاصة مع إعلانها مجانية التعليم الأساسي وإلزاميته وتحصيلها الرسوم والضرائب من المدارس الخاصة.

صفوة القول، إن تجربة المدارس الخاصة تحتاج إلى كثير من التقييم والتقويم والتقنين، حتى يصل المسؤولون إلى قناعة: إما استمرار هذه التجربة وتقويمها، أو إلغاءها لعدم جدوى استمرارها وصعوبة تقويمها.

بقلم: علي صالح طمبل
شبكة الشروق

[/JUSTIFY]