صلاح شكوكو

همسة في أُذن البدري


همسة في أُذن البدري
حينما سمعتك أول مرة وأنت تتحدث عن الإحترافبة حسبتك أول المطبقين لها، وبك تفائل أهل المريخ قبل غيرهم فإفترشوا لك الأرض وردا وحُبا، بل أنهم فعلوا كل هذا وفتحوا لك قلوبهم وهم يدركون أنك قادم مهزوم ومأزوم بين أهلك وفي بيتك النادي الأهلي حين كنت مدربا، بعد هزيمة مذلة تجرعها النادي الأهلي من نادي الإسماعيلي إنتهت بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، وقد مهرت حينها إدارة النادي الأهلي صك إستقالتك بعبارة موجزة مفادها (تدهور عام وإهتزاز في مستوى الأهلي تحت قيادتك).

حدث لك ذلك يوم أن أجتمع رجالات نادي القرن (حسن حمدي رئيس النادي ومحمود الخطيب نائب رئيس النادي في معية الكابتن طارق سليم عضو لجنة الكره وسيد عبد الحفيظ المنسق العام للجنة الكره)، وإرتأوا رحيلك على عجل مؤكدين أن شأنك مع الأهلي قد إنتهى بالفشل التام، بعد أن هتفت جماهير الأهلي لك قائلة (كفاية يالبدري) .

رغم ذلك إستقبلك أهل المريخ بالورود والرياحين، لأنهم مجبولون بطبعهم على إكرام الناس ليس لأنهم مريخيو الهوى فقط، بل لأنهم قبل هذا وذاك سودانيون، لهم في المكارم الف بيت وباب.. لكنك وللأسف الشديد خلعت قميص المؤسسية الذي ظللت تنادي به، وتنكرت للأحضان الدافئة التي إستقبلت، وتعاملت معهم بنمطيّة التعامل المصري الذي يتصور السودان في مرحلة ثالثة تتأتى بعد مرحلة الصعايدة .

والحقيقة أننا في السودان مفتونون بأخلاق الصعايدة وحميتهم (رغم إدراكنا أن معظم صعيد مصر يموج في المسيحية) لكننا نكن للجوار والأخلاق شأوا عاليا، ولو تعلم أخي كنهنا ما تجرأت على فعل هذا الفاصل البائس، الذي يدلل على أنك قبل غيرك في حاجة ماسة الى أن تعرض كتابك أمام نفسك وتقرأ ذاتك بحياد، وبعد ذلك لابد لك أن تمر على أهل الإختصاص تستفتيهم حول علم التعامل الإنساني.

أيليق بك وأنت تتشدق بالمؤسسية والإحترافية، أن تبعث برسالة شفهيَة يحملها غيرك الى النادي الذي ظللت تعمل فيه ردحا من الزمان وقد كان آخر أوانك بينهم مؤتمر صحفي قبل سفرك بقليل؟ وقد كانت كل الأبواب مشرعة أمامك للحديث؟ ولايليق بك أن تتحدث عن متأخرات مالية لتحاول أن تحشد ظروفا واهية لصناعة موقف تستتر خلفه، ولتعلم أن (مصطفى يونس) كان قد صنع موقفا مماثلا من قبل حينما تحدث بلسان مقسوم.

فحتى لو سلمنا جدلا أن هناك مثل هذا أبهذه الطريقة يكون شكل المغادرة؟ بل أيكون هذا هو رد الجميل عندك للنادي الذي فتح لك الأبواب حينما أغلقت في وجهك كل المنافذ، وشيعك أهلك بالهتاف وطالبوك بالتنحي قبل أن يقولوها لمبارك؟ أخشى أن تكون قد نسيت كل ذلك لأنك حينها ستكون بذاكرة مثقوبة وفهم قاصر، لكنني مستيقن من أنك لن تنسى أنك كتب حينها إستقالة مُكرهة وسلمتها لمجلس إدارة النادي الأهلي ولم تهمس لأحد ليقولها نيابة عنك، رغم صلة القربي وخصوصية المكان.

أيليق بك وأنت الذي وجد الإهتمام والمساندة من أعلى قمم الإدارة في هذا النادي، بقيادة الوالي الخلوق الذي أعطى ولم يستبقى شيئا وذلك فيما يشبه الدلال؟ إن طريقتك ومسلكك الغريب أخي لا يمكن أن يوصف في أحسن الأحوال إلا بأنه يحوي قدرا كبيرا من عدم التقدير واللياقة والكياسة مع عدم الإحترافية، حيث قللت من رصيدك عند الناس حينما أردت أن تتاجر بقميص يوسف.

قد تكون زوجتك مريضة، (شفاها الله) وهذا شأن عارض يعترى الناس كلهم، لكنه لا يطيح بصواب الناس وعقولهم، فيفقدهم بوصلة التصرف السليم، فلو إقتنعنا جدلا بكل هذا الأمر، فكيف تبرر إغلاق هاتفك بعد إصطناع هذه الحالة الواهية بهذا القدر من الإثارة السينمائية؟ حتى وقر في ظن الناس جميعا أنك تعاملت بعدم مسؤولية مع الشعب السوداني كله وليس نادي المريخ، حتى وقر عند الناس أنك تلقيت عروضا وتاهت عن ناظريك أبهى العروض.

وها أنت تحزم حقائب العودة.. فتعود حاسر الرأس منكسر الخاطر.. لكن حدثني بربك عن لون هذه العودة الكسيفة، وحاول أن تتذكر عندما جئت أول مرة، كيف كان الترحاب بك يغلف اللحظة؟، بغض النظر عن ظروفك التي كنت فيها وهذا شأن سوداني خالص، لكنك هذه المرة تأتي وأنت تتطأطي الرأس لا تقوى على تصويب النظر، ولن تجد عند الناس ذلكم الترحاب الرحيب، بل ستجد أنهم يستقبلونك بحروف ممهورة على عقد مكتوب، والوصل بينك وبينهم معدوم، أما قلوبهم فقد تركوها تخفق خلفهم، وأجزم أنك ربما تسمع بعض هتاف لك، لكنك لن تقرأ في عيونهم ذلكم الإحترام والتقدير الذي كان.

إن أخوف ما أخاف منه أن لا تكون أخي حسام قد فهمت الشعب السوداني كما ينبغي.. فكثيرون تغلب عندهم المادة على كثير من القيم الإنسانية النبيلة، وكثيرون يحسبون أيامهم بلغة الكسب والخسارة، وأنت أول من يدرك إدراك يقين أن صاحبك النحاس لم يكن يملك مؤهلات تجعل المريح يحتفظ به ليوم واحد، لكن أهل المريخ إرتأوا أن يكرموك متجاوزين إدراكهم في صاحبك، لكنني أخشى أن يكون ظنك قد صوّر لك أن السودانيين (شعبٌ طيّب) وفق الفهم المصري .

أنا أقصد كلمة طيّب بمعناها المصري وليس بمعناها اللغوي المعروف، ذلك أن كلمة طيّب عندكم ترادف معنى (السذاجة) وهنا تكمن المفارقة العجيبة بين شعبين يشربان من نيل واحد يفهمان المعاني على نحو مختلف، ونحمد الله أننا الأقرب للمنبع.

أما الكابتن عماد النحاس مدير الكرة ففي ظني أنه ظل (تمامة عدد) وقد كان دوره يبدأ وينتهي في تحديد لون الفميص الذي سيرتديه المريخ في المران القادم، وهو يدور أصلا بين الأحمر والأصفر، ولو صمت الرجل لإستدرك اللاعبون دون حاجة الى إخطار أن اللون القادم للتمرين هو اللون الآخر الذي يختلف عن لون اللحظة، وبذا يكون عماد النحاس هو أحد ضحايا التمثلية الهزلية التي قمت بها أخي البدري والتي كشفت بجلاء أشياء يبدو أنك كانت تجهلها، وأولها أن الصمت في كثير من الأحوال لايكون ضعفا ولكن يكون نوعا من الحكمة.. ودعني أهديك هذا البيت من الشِعر الذي يقول :-

الصدق في أقوالنا أقوى لنا .. والكذب في أفعالنا أفعى لنا
…………….. صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
[email]shococo@hotmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. كلام ممزوج بمداد الوطنية ولا أدرى كيف فاتني هذا المقال في حينه ؟؟
    لم أقرا هذا الكلام وأنا هلالابي حد السكين لكنني إنفعلت مع كل كلمة فيه
    الشكر لهذا الصحفي القامة والتحية له وهو يستخدم عبارات لم نعتادها عند تجار الكمة وصانعي الفتنة

    شكرا لك أستاذ شكوكو