نادية عثمان مختار

مابين (عقدة الخواجة) و(عقدة المصري)!!


مابين (عقدة الخواجة) و(عقدة المصري)!!
هنا في السودان تتردد مائة مليون مرة قبل أن تمد يدك لعامل ما- عزيزي القارئ- في أي مطعم أو مؤسسة أو دائرة حكومية لتعطيه ما يسمى (بالبقشيش) أو ما تجود به يد الكرم الإنساني لشخص تفانى في خدمتك وقدمها (خمسة نجوم)، وبأسرع ما يمكن، وترددك ما هو إلا خوفاً من ردة فعله، لو انه رفض الإكرامية!!
وفي مصر الشقيقة أجدني أتصبب عرقا لو أن ما في حقيبة يدي لا يكفي للبقشيش حيث اشعر بعين من خدمني تزجرني وكأن صاحبها يقول (خلي عندك نظر وشوية من الأحمر بقى)!!
للحقيقة كنت ومازلت أتساءل وسؤالي هنا موجه لفقهاء الدين حول شرعية البقشيش وهل يدخل في باب الحرمانية ويعد رشوة؟!
تعريف الرشوة هو (دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسؤول قضاؤها بدونه)!!

وحكم الرشوة (من كبائر الذنوب)
وإذا قارنت بين تعريف الرشوة وتلك الأموال القليلة التي نعطيها أحيانا لعامل يتقاضى راتبا ضئيلا لا يسد رمقه ورمق أسرته، ويعتمد اعتمادا كبيرا على هذا البقشيش لموازنة أمور حياته فهل يكون لذلك علاقة بمفهوم (الرشوة) ؟!
ويبقى الأمر في نهاية المطاف هو النية التي يعطي بها أحدهم ذلك المال فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى!!
في السابق لم يكن لثقافة البقشيش كبير وجود في بلادنا، ولكن الآن انتشرت هذه الثقافة بشكل كبير رغم انه يظل أقل مما هو حادث في جارتنا مصر!!
في المحلات المنتشرة على امتداد شارع المطار تزايدت المطاعم المملوكة لمستثمرين مصريين وزادت العمالة المصرية بشكل كبير في كل أوجه الخدمات الحياتية في بلادنا، فالعامل الذي يقدم لك الطعام بشكل شهي مصري، والمهندس الذي يبني جميل العمارات الشاهقة مصري، ومبلط المحارة والنقاش وعامل السراميك ومهندس الديكور مصري؛ حيث نافس المصريون الشركات التركية التي كانت قد انتشرت قبل الوجود المصري في السودان بكثير!
وللحقيقة نجد أن البعض من أهلنا في السودان يثق ثقة عمياء في أداء العامل المصري تأكيدا لمقولة (ايده تتلف في حرير) كتعبير عن جودة أدائه وإتقانه لعمله الموكل إليه وتنفيذه بحذافيره دون أخطاء!!
لا اعتقد أنها (عقدة المصري) على نسق (عقدة الخواجة) ولكن ربما لأن مصر وشعبها هم الأقرب إلينا وجدانيا وجغرافيا وتاريخيا!
ولكن يبقى أن حال بعض أبناء السودان مع مصر وشعبها ينطبق عليه المثل القائل (لا بدورك ولا بحمل بلاك) فبعضنا يحمل درجة الأستاذية في مادة الرفض لكل ما هو مصري بحسبان أن المصريين يعاملون السودان وشعبه على انه الحديقة الخلفية لهم، ويعاملون الجالية السودانية في بلادهم معاملة غير كريمة وفي الخاطر صورة (عثمان السفرجي) و(إدريس البواب) وغيرهم من أصحاب المهن الهامشية!!
ولكني دوما ما أسأل نفسي: هل استعبد المصريون السودانيين وغصبوهم على أداء تلك المهن التي جوهرها الشرف وظاهرها الوضاعة؟!
و
للحديث بقية إن بقي في العمر بقية!!

نادية عثمان مختار
مفاهيم – صحيفة الأخبار – 2011/6/16
[email]nadiaosman2000@hotmail.com[/email]