تحقيقات وتقارير

أين تذهب عائدات النفط؟…الطرق خلقت ثورة في التواصل الإنساني والإقتصادي

[ALIGN=JUSTIFY]عاد المغترب السوداني «ابن رفاعة» بعد عقود من الاغتراب.. وفي مطار الخرطوم تحركت به العربة الى أهله في «بحري» وفي الصباح استقل ذات العربة تعرج به شرقاً بدلاً عن الجنوب.. فسأل مرافقيه هل نحن في طريقنا الى بعض «الزيارات»؟.. فقالوا له سنتجه الى رفاعة مباشرة عن طريق شرق النيل.. فلقد اكتمل طريق النيل الشرقي حتى «الجنيد» على مشارف رفاعة.. وبالفعل وفي أقل من «60» دقيقة وسط دهشة المغترب العائد من «أمريكا» دخلوا «رفاعة».. ولأول مرة في حياته يشاهد ابن رفاعة قرى شرق النيل «الجريف شرق» و«أم دوم» و«العيلفون» و«الهلالية» و«كترانج» وغيرها.. فلقد تم ربط هذا الشريط الحيوي من القرى ولأول مرة برفاعة وغداً سيلتقي هذا الشارع بكوبري حنتوب.. لتصبح كل منطقة البطانة مجتمعاً مترابطاً.. وها هو كوبري الحصاحيصا يلثم أطراف رفاعة.. ولعل ما يجري في هذه المنطقة يعتبر بكل المقاييس ثورة.. ثورة في التواصل الإنساني والحيواني والزراعي.. وثورة في المواصلات والتجارة..
وهذا الأمر ليس قاصراً على منطقة شرق النيل. إذ النمو والتقدم يبرز أن في مناطق اخرى من السودان.. فالشاحنات والبصات القادمة من بورتسودان باتت تصل الخرطوم في أقل من «24» ساعة عبر طريق «بورتسودان- هيا- عطبرة- الخرطوم».. وأصبح الدناقلة والمحس يتحاورون لأول مرة مع البديرية والركابية والشايقية عبر طريق «مروي- السليم- دنقلا».. وعبر طريق «أم الطيور- مروي».. وعبر طريق «أم درمان- القبولاب- دنقلا ومروي».. وفي الشرق فإن الطريق الساحلي الذي يربط مصر ببورتسودان يكاد يلامس «الثغر».. وكذلك في أقصى الشمال يمتد طريق «حلفا- قسطل- أسوان».. وشارع السلام أصبح يمتد من «كوستي الى الرنك» وفي طريقه الى ملكال.. والإنقاذ الغربي يستعد للإبحار من النهود الى الضعين الى أم كدادة..
وكذلك فإن شبكة الطرق في المدن تتواصل، فالشمالية والنيل اصبحتا مربوطتين رأساً بميناء بورتسودان عبر جسر «أم الطيور- الدامر».. أما طريق «القضارف- القلابات» فقد امتد داخل العمق الاثيوبي، والآن فإن الراغب في التجارة مع اثيوبيا ما عليه إلا وأن يمتطي الشاحنة ليجد نفسه في «غندر» و«بحيرة تانا» و«بحر دورة» وما وراء ذلك.
أما الخرطوم فهناك ثورة، فها هو جسر «العزوزاب- الدباسين» يلتقي مع الطريق الداخلي، وكذلك جسر الحلفايا.. وجسر «المنشية» وجسر «توتي».. وغيرها من الجسور كثير.. وهذه الثورة في الطرق تتلاقى وتتواصل وتتصافح مع ثورة التعليم العالي التي جاءت بعشرات الآلاف من المهمشين والمغمورين من أبناء الشعب عامة الى ساحات الجامعات ورحاب العلم، ليعمروا مشاريع الكهرباء والمياه والسدود والنهضة الزراعية.. وتلتقي ثورة التعليم العالي مع ثورة التواصل والإتصالات الرخيصة تغطي جنوب السودان وشماله وشرقه وغربه.
إذاً، بات يبرز سودان جديد.. سودان متواصل ومتداخل. وفي إطار هذا السودان المتداخل- وقد لا يراها إلا المحظوظون- ثورة «المطارات»، فهنالك تأهيل وتجديد لشبكة المطارات.. في غرب السودان و شماله وشرقه ووسطه.. وهناك مشروع عملاق لمطار الخرطوم الدولي الجديد.. ولعل في ذلك إجابة وإبانة للسؤال المكرور أين تذهب أموال البترول.. بل وكذلك وفي إطار ثورة الإتصالات والتعليم العالي والبنى التحتية، تبرز ثورة سياسية عمادها الحكم الاتحادي وعنوانها اللا مركزية.. وإعطاء السلطة والصلاحيات للأقاليم والولايات وهذه الثورة السياسية في الطريق لتتكامل مع انتخاب الولاة والبرلمانات الإقليمية.
ولعل ما حدث في ملتقى أهل السودان بكنانة هو جزء أصيل من هذه الثورة.. ولكن ماذا حدث في «كنانة».. كان الحديث في كنانة عن دارفور.. وأبرز الرؤى التي برزت في كنانة كانت الخلاف العميق حول وحدة الإقليم.. وقد صدق الرئيس البشير حينما صرح أنه مع رأي أهل دارفور.. إذا أرادوا إقليماً واحداً فهو مع الإقليم الواحد وإن أرادوا مزيداً من الولايات فهو مع مزيد من الولايات.. ولكن ماذا حدث في المؤتمر.. فوجيء الناس بأن الذين يقفون مع الإقليم الواحد فقط هم الذين رفعوا السلاح ضد الدولة.. وهم للأسف الشديد أقلية.. بل لنحدد أكثر هم يتكلمون زوراً باسم قبيلة واحدة من مجموع تعداد أهل دارفور.. وعلى عكس ما كان متوقعاً كان الإجماع أو الرؤية الغالبة مخالفة، حيث تريد المزيد من اللامركزية في دارفور لإقامة ولاية الضعين وولاية جبل مرة للفور. ولعل الإشكالية الوحيدة التي لم يستطع أن يفتي فيها المؤتمر الى الآن هي إشكالية النازحين في ولاية غرب دارفور.. لأنه وحسب بعض الروايات سكنت بعض القبائل الأخرى في مرابيع وقرى أهل المنطقة من اللاجئين والنازحين، فكيف يتم إبعاد هؤلاء حتى تتم إعادة توطين النازحين. ولكننا مطمئنون لأن ملف هذه القضية أصبح في يد نائب الرئيس الاستاذ علي عثمان محمد طه الذي يرأس لجنة الخيارات والحلول، وبمثل ما أتى بأبوجا لن تكون هذه إشكالية.. ولكن سيظل الهم الأكبر والنزيف الأكبر والصراع المستمر هو البُعد الإسرائيلي والخارجي..

تراجع نفوذ الغرب

نعتقد ان البعد الخارجي سيتلاشى نتيجة لرهق المانحين ونتيجة للأزمة المالية العالمية.. ونتيجة لتصدر الصين.
ألا نرى الآن إنقلاباً كبيراً في الحركة العالمية.. وكيف لا، وقد هرول الرأسماليون وكبار أصحاب رؤوس الأموال ودهاقنة السوق الحر والدول العظمى الى بلد الاشتراكية، الى الصين الشعبية لإيجاد الحلول لأزمتهم المالية.
فإذا كانت الصين قد تصدرت قبل أشهر معدودة في «الرياضة».. فهي تتصدر الآن في الاقتصاد.. وهي متصدرة كذلك في النمو السكاني.. ومعنى ذلك أن البوصلة العالمية بدأت تتجه شرقاً.. ولحكمة يعلمها الله قد سبق السودان الجميع شرقاً بتوجيه بوصلته نحو الصين والهند وباكستان وماليزيا وروسيا. والآن وبعد أيام قليلة سينعقد مؤتمر الحوار «الروسي- الإسلامي» في «جدة» بدعوة كريمة من المملكة العربية السعودية.
ولذلك، نعتقد أن الأثر الداخلي لقضية دارفور سيتلاشى، وأن أزمة دارفور التي أصبحت كالبالون المنتفخ سيصيبها «دبوس» أهل السودان.

إبحث عن إسرائيل

ومع ذلك ستظل إسرائيل موجودة وتمثل تحدياً مصيرياً يجب علينا أن لا نقلل منه ونستهين به، وأن نعد له العدة، لأن إسرائيل تقف موقفاً استراتيجياً ضد المشروع الاسلامي وضد السودان الكبير.. وضد النهضة والقوة حتى لدارفور.. وتريد دارفور ضعيفة وخائرة ومنطقة نزاع مستمر وعبارة عن حرب أهلية دائرة.. تريد دارفور هياكل بشرية ونازحين.. ومن يمالي أو يكابر في ذلك عليه أن يقرأ محاضرة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي «آفي ديختر» التي أفردت لها «الرأي العام» مساحة.. والتي تكلم فيها عن كل أوضاع العالم العربي.. والتي قال فيها إن مخططاته في العراق نجحت نجاحاً منقطع النظير.. بدليل أن «زبانيته» في العراق أضحوا رؤساء العراق.. وأن الأكراد الذين نموا في احضانهم أصبحوا سادة العراق.. ولكن السؤال: ماذا نعمل مع الجبهة الداخلية الإسرائيلية.. ماذا نفعل مع بعض أبناء دارفور الذين أخذوا يغازلون إسرائيل ويتحدثون بأن الإسرائيليين تجسيد لأهل الكتاب.
لعل هذه ستكون معركة صعبة تتطلب وضع استراتيجية عقلانية مدروسة. لذلك.. بمحاولة إعادة الوعي وإفهام بعض أنصار الحركات المسلحة من أصحاب النوايا الحسنة بالحوار والتواصل، أما الآخرون فربما ستطول المعركة معهم ولكننا نقول لهم كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله سبحانه وتعالى.. هذا من ناحية.

التعامل بالمثل

ومن ناحية اخرى، فلقد لفت نظرنا في الأيام السابقة ما قامت به وزارة الخارجية من استدعاء للسفيرين الاثيوبي والكيني.. في أمر السلاح الذي بات يتدفق على جنوب السودان.
ونحن نقول إن هذا أبسط ما يمكن ان تفعله وزارة الخارجية، وهو عمل «روتيني» يمكن ان يقوم به وكيل الوزارة، وهو عمل إستفهامي لإجلاء الحقائق ولتوضيح الأمور.. ولكن الأمر المؤسف هو تناقض وضعية وزير الخارجية مع استدعاء السفيرين.. ونسأل: إذا كان وزير الخارجية نفسه قد صرح قبل ذلك بأن السلاح الذي في «السفينة» ليس قادماً الى جنوب السودان.. فإذا كان السلاح غير قادم الى جنوب السودان، فلماذا يرفض وزير الخارجية التحقيق في الحدث.. وقد يكون هذا السلاح آتياً لضرب جنوب السودان. وعلى أية حال.. وطالما أن حكومة جنوب السودان بعيدة عن الحدث فلماذا رفض الوزير التحقيق في الحادث بعد أن أنكرت حكومة الجنوب والحركة الشعبية صلتهما بالسلاح، وبعد ان أوردت الكثير من وكالات الأنباء خبر هذا السلاح.. إذاً،في مثل هذه الحالة فإن استدعاء السفيرين مناسب.. أما بخصوص السفير الاثيوبي فذلك يعد أيضاً رسالة له، لأن السودان لا يستطيع أيضاً ولا يريد ان يبيع السلاح للمناطق المتوترة في اثيوبيا والجوار الاثيوبي!!
إذاً، سياسة حسن الجوار والتعامل بالمثل كان يجب ان تجعل اثيوبيا تربأ بنفسها من التدخل في البيت السوداني دون أن تستأذن حكامه وقيادته.. خصوصاً وأن الطائرات العابرة للحدود الدولية يجب ان تتصل بالطيران المدني.. ولعل ردود اثيوبيا كانت غير مقنعة ومتضاربة.. ففي الدبلوماسية الداخلية تصر اثيوبيا ان هذا السلاح «درجة ثانية» وأنها في حاجة للعملة الصعبة.. مع ان السودان يبيع لأثيوبيا البترول بأسعار تفضيلية تقديراً للمجاعة التي تضربها.
ولماذا أيضاً تقحم حكومة جنوب السودان «اثيوبيا» في تدريب جيشها.. ونحن نعلم ان هناك المئات من جنود الصف يتدربون في الكلية الحربية الاثيوبية.. وأن هناك أسلحة اثيوبية كثيرة دخلت للجنوب عن طريق النيل الأزرق.. ومع أننا لا نريد ان نتوسع في إبراز هذه الأشياء والمعلومات، ولكننا نقول كلمة لصديق السودان الرئيس الحكيم «ملس زيناوي» ولوزير خارجيته «سيوم مسفن»: لماذا يقومون بدور يمكن ان يقوم به الجيش الوطني في السودان.. خصوصاً وأن المدرسة العسكرية في جنوب السودان جلها خريجة الكلية الحربية ومدرسة الجيش الوطني.. فحتى الفريق سلفا كير والراحل جون قرنق وكل محاربي جيش حركة تحرير السودان مثل جوزيف لاقو وعبدالله شول وكاربينو وغيرهم تخرجوا في الكلية الحربية السودانية.
فإذا كانت أوضاع الحرب كذلك، فكيف لا تكون في أوضاع السلم هي الأولى بأداء مهمات التدريب للجيش الشعبي خصوصاً هم ونحن نقول إننا نريد أن نبني جذور الثقة بين الجنوب والشمال.. وبين جيش الجنوب والجيش القومي ونريد أن نوقد المزيد من الشموع.. ونريد أن تذهب أموال الجنوب والشمال للتنمية.. وإتفاقية السلام حضت على خفض التسليح وحضت على خفض الجيوش.. وحضت على المصالحات.. وحضت على التعافي.. ولم تحض على التشاحن والتباغض وتجميع السلاح. أما إذا كانت الدولة المركزية تريد السلاح فهذا من حقها لأنها تحمي خمسة آلاف كيلومتر من الحدود.. ولأنها تواجه أوضاعاً صعبة في تشاد وافريقيا الوسطى والكنغو، وتواجه انفلاتاً داخلياً للأمن وتواجه قضايا دولية، وعليها ان تكون قوية بقوة الدول التي بجوارها.. وأن يكون سلاحها متوازناً مع سلاح الدول التي في حدودها.. فأن كانت هناك سياسات تسليح قومية فهذا أمر مقبول ومطلوب.. ولكن ان يقوم إقليم من الأقاليم بهذا الأمر منتهكاً اتفاقية السلام وروحها ومتجاوزاً لإتفاقية تقرير المصير والى أن يأتي الاستفتاء.. فلذلك نقول إن ما فعلته وزارة الخارجية أمر صائب ومقبول ومطلوب، وعلى السيد وزير الخارجية ان يعلم أنه عندما أدى القسم أداه وزيراً إتحادياً للدولة السودانية، وليس وزيراً في حكومة الجنوب.. وهو وزير لكل السودان، لا يجب ان يدافع عن سياسات خاطئة لحكومة جنوب السودان.
على أسماعيل العتبانى :smc[/ALIGN]

تعليق واحد

  1. سيد على اسماعيل العتبانى

    شكرا لك على المقال الكبير والرائع

    شكرا