فدوى موسى

اشيريشيا

اشيريشيا
دائماً ما تهامزني صديقتي المهاجرة ساخرة بأن معدلا ت التلوث في حياتنا السودانية عالية جداً، وأن الدول العظمى بعيدة كل البعد عن مثل تلوثنا هذا.. ودائماً ما كنت أخارج نفسي منها بأن حياتنا مصابة بلوثة السياسة، حيث كل المواطنين مصابون بفيروس السياسة وحبها فنضحك على ذلك ونغلق الباب على ذاك وابتلع فكرتها، حيث إنها دائماً رافضة لكل تفاصيل حياتنا السودانية خاصة تلك التي تجانبنا عن الدول التي ظلت صديقتي تنتقل بينها.. ولكن ما أن شاع أمر تلوث الخضروات في تلك الدول ببكتريا «اي كولاي» وهذا اسمها العلمي، وهي معروفة بـ «اشيريشيا كولاي»، إلا تجرأت وكتبت لها رسالة شامتة «جهد العاجز».. أقول فيها «عزيزتي.. أحزنني جداً مرض الخيار في دولتكم.. دولة المهجر.. وأنا من جانبي أدين واستنكر ما قامت به اي كولاي»، لترد عليّ غاضبة «برضو ما زي تلوثكم».. والحق أن هؤلاء القوم يتعاملون مع التلوث بحسم ونحن يغلبنا حسم ملوثات السياسة.

أطعمة في العراء:

دائماً ما أقول لنفسي وأنا أرى كثيراً من المأكولات مطروحة في المواقف والشوارع بشكل فاضح يخدش حياء النظافة والحفظ..إن هؤلاء القوم إما أن لهم بطوناً عتيقة تستطيع أن تهزم كل ملوث وتهضمه بلا أي تأثير.. أو أنهم متبلدون في أجهزة الهضم الخاصة بهم.. واستغرب لهؤلاء وهم يستمتعون بوجبة يشاركهم فيها جيش من الذباب الذي يطنطن سعادة كلما وجد «فَرَقة» في المواعين أو الأيدي.. متى نؤمن لنا غذاء سليماً ونظيفاً بعيداً عن فضح الصحون وكشف مستورها».. الأمر الذي يؤكد أن مناعة آكلي هذه الأطعمة في حالة إجهاد وحرب استنزاف ربما تدخلها في حالة استهداف وتصفية للأعضاء الداخلية عضواً تلو الآخر.. ومن لم تقتله «الحروب الجد جد»، قتلته جيوش التلوث وأطعمة العراء.. وربما أنه لو جاءت إلينا موجات أكبر من مسببات التلوث، لكانت النتائج وخيمة.. وربنا يسترنا ويستر أجهزتنا الهضمية.

الكول والمرين:

أخافتني صديقتي من هذا الثنائي إن قادتني الأقدار إلى جهة الغرب من بلادي.. وصادف أن كنت نزولاً بين ظهور أهلنا هناك وجاءت الصواني بما لذ وطاب وجييء بهذا الثنائي، وما بين التحذير المطوي في الداخل وما بين «أن تعز» من أكرمك بالعزومة، كان لابد من «غمسة غمستين» في صحن الكول وصحن المرين ومن ثم الحذر، لأن الوجبة غير مألوفة أو معتادة.. ومر الأمر بسلام.. إلا أن لهذا «الكول» رائحة نفاذة تباعد بينك وبين أن تؤالفه.. أما المرين فسألت المستضيفة فقالت «مادة هاضمة»، فلم ألح في معرفة المزيد، ويحضرني هنا التعليق الذي قاله أحد الأجانب في أحد المطارات عندما انكسرت «برطمانية» الفسيخ التي تحملها إحداهن قائلاً «ما هذا الشيء الذي فاحت رائحته».. قالت له «فسيخ».. قال لها «بيعملوا بيه إيه؟».. قالت «بياكلوه».. فرد «طيب ومال بتخلصوا منه كيف؟».

أكل المناسبات:

دائماً ما كانت تعف عن أكل المناسبات لاعتقاد جازم بأنه الأكثر عرضة للتلوث.. ولا أدري هل نصادقها بعض الاعتقاد أم أننا «نديها كوزين موية» إذا ما أمّنا على كلامها.. ولكن دعونا نقول إن أمر الذبائح للمناسبات هو المدخل لجلب التلوث، حيث لابد أن تكون هناك دماء وبقايا ونفايات لأحشاء الذبيحة.. ودائماً ما تروح نداءات الذبح بالمسالخ أدارج الرياح، حيث يرى البعض أن المسالخ «المساطب»، لا يسهل الوصول إليها نظراً لعدم توفرها على المستوى الجغرافي القريب.. ولكن يرى البعض أنه يمكن الاستعاضة عن الذبح بشراء اللحوم من المجازر مباشرة.. المهم أن باب التلوث للوجبات الخاصة بالمناسبات وارد.

آخر الكلام:

ترى ماذا يأكل الذين يعيشون في مناطق الالتهاب والنزاعات؟.. هل يهمهم التلوث أو جودة الطعام.. مقابل توافره بأي محتوى كان..

مع محبتي للجميع..

سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]