مارسوا الدلع وكلوا القرع
كان أقصى درجات الدلع على أيام طفولتنا، «شرب الشاي مع القرع»،.. تحتج على تكليفك بالذهاب الى بيت الجيران في منتصف نهار صيفي قائظ، لأن جزمتك الوحيدة مغسولة (بعد ان شكا الجيران من رائحتها) ولن تتحمل قدماك حرارة التراب فتسمع: إنقرع وسيب الدلع وشراب الشاي مع القرع.. شخصيا أحب طبيخ القرع بالكسرة السودانية المُرّة.. تعجنهما وتضيف إلى الخلطة بعض الملح والشمار (الكمون الأخضر) والشطة والسلطة الخضراء.. ثم تأكل والأنف «يصبصب» والعرق المالح ينساب من جبهتك الى عينيك من دون ان تكون قادرا على مسحه، لأن اليد اليمنى ملوثة بالشطة، واليسرى ممسكة ببصلة حمراء، تتحالف مع الشطة وتنتج مواد تصلح لتفريق المظاهرات التي يسيرها الخونة والعملاء، أعداء الوحدة الوطنية! ولكنني لا أستمتع بطبيخ القرع إلا عند زيارتي للسودان، فعيالي يتوقفون عن الأكل إذا ما قمنا انا وأمهم بعجن أي أكلة بالطريقة السودانية ويتهموننا بأننا «قرف».. عدم احترام القرع متفش أيضا بين جيل كامل من السودانيين من مواليد الأعوام الغبراء.. أعتقد ان معظم بنات المدن ما دون الثلاثين لا يعرفن كيف يطبخ القرع، بل انهن يقابلن كلمة «قرع» بكلمة «يع» تعبيرا عن الامتعاض.
نرجع الى القرع الذي كان في أيامنا نوعا من التحلية، وهو لم يعد يحظى بالاحترام والتقدير في المطبخ السوداني المعاصر، وأبشر محبيه بأن يكثروا منه، وأن يكشحوا بالشطة من ظلوا يستخفون به، إذا مدوا أيديهم الى صحن القرع بعد ان يقرأوا كلماتي التالية: في العدد الأخير من مجلة كيمستري آند إندستري (الكيمياء والصناعة) تقرير محقق وموثوق به عن نتائج دراسة أجراها فريق من الباحثين في جامعة إيست تشاينا نورمال في الصين، مفادها أن القرع يحتوي على مركبات تساعد على تنشيط وإعادة إحياء خلايا البانكرياس مما يؤدي الى زيادة خلايا بيتا المنتجة للإنسولين، بدرجة ان بعض المصابين بالسكري قد لا يحتاجون بعدها الى حقن الإنسولين (وأرجو ألا يحملني مصاب بالسكري مسؤولية دخوله في كوما – غيبوبة – بالإكثار من أكل القرع، وإهمال تعاطي الدواء).. ومكمن الخطورة في خوض العوام من أمثالي او حتى المتخصصين في أمور الصحة والدواء، على صفحات الجرائد، هو أن هناك كثيرين يعتقدون أن كل ما يقرؤونه في أمور المرض والعلاج صحيح ويناسب ويطابق حالاتهم المرضية.. وليس معنى هذا ان كلامي عن القرع تخاريف، ولكن أعني ألا يتوقف مصاب بالسكري عن تعاطي الانسولين حتى لو أكل القرع ست مرات في اليوم واستخدمه بدلا من الصابون للاستحمام من دون مشورة طبيبه.. تناول من القرع ما تشاء ولو بدأ جسمك في الاكتفاء الذاتي من الإنسولين فالطبيب سيوقف عنك الدواء).. ومن الثابت أيضا عند علماء التغذية ان القرع يحوي مضادات الأكسدة.
عندما يريد الأمريكاني أن يدلع حبيبته فإنه يناديها بمبكِن nikpmup يعني قرعة، بعبارة أخرى هم يعتقدون ان القرع شيء في منتهى الجمال والحلاوة.. ولكن إذا أردت ان تفسخ خطوبتك أو تخلعك زوجتك السودانية فخاطبها بكلمة يا «قرعة» وسيكون ردها: أنا لو فعلا مش قرعة ما ارتبطت بحيوان زيك ما عنده مستوى!! ولكنك تستطيع ان تحيل غضبتها الى ابتسامة رضا لو همهمت: الموزة حلاتها.. وقد أفهم تشبيهات شعرائنا الشعبيين للنهد بالرمان والعين بالفنجان ولكن لا أفهم وجه الشبه بين الفتاة الحلوة والموز.. فالموز جسم مقوس، ولكن بلا تضاريس،.. صَبَّة! إذ ليس فيه انحناءات ونتوءات (التي هي من مواصفات المرأة الجميلة).. والانسان عموما يصبح مثل الموزة فقط بعد ان يتجاوز الثمانين.. المهم عليكم بالقرع حتى ولو كنتم غير مصابين بالسكري فمضادات الأكسدة فيه تقي الجسم ضد الجزئيات الحرة (فري راديكالز) التي تسبب أمراضا مستعصية من فصيلة السرطان «وانت طالع».
عودا حميدا ،، يا أستاذنا العظيم،،
لا عجب ،، أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،،يحب القرع ويحض على أكله لفوائده الجمة.
ويتفنن الغرب والشرق بصنع أنواع الحلوى منه وإنشاء محلات لصنع الحلويات تحت إسمه .