رأي ومقالات

الكرنكى : إذا فهمت أن (الصديق) هو (الإنسان الكامل) لا يمكنك إذن العثور عليه

ليست هذه أول حكاية.. ولن تكون آخر حكاية.. صديق مخدوع شرب (مقلباً) من (صديقه).. مَن هم أصدقاؤك الحقيقيون؟… وما هو تعريف الصديق أو الصاحب؟… فقد خذل الكثير من الأصدقاء الكثير من توقعات أصدقائهم. سبب ذلك الخذلان أن المخذولين قد وضعوا مواصفات (الإنسان الكامل) لتتطابق مع مواصفات (الصديق)، وحينما لم يستوفِ الصديق تلك المقاييس، صدمهم الإحباط. إذا فهمت أن (الصديق) هو (الإنسان الكامل) لا يمكنك إذن العثور عليه في هذه الحياة الدنيا. لهذا يقول الشاعر الحكيم النابغة.. (ولست بمُستَبقٍ أخاً لا تلمُّه على شَعَثٍ… أيُّ الرجال المهذَّبُ)…
إذا فهمت أن (الصديق) هو (الإنسان الكامل).. كما طاف بذهن عبد الكريم الجيلي، ستنخذل على مرأى من ضميرك ومن الناس. تقبَّل صديقك على حاله، لأن المشاعر لا يمكن تنصيفها بـ (البرجل)… ودعه على سجيّته أو عش وحيداً فرداً… ذلك وأنت لست بالأحد الصمد!.
لقد خذل الكثير من الأصدقاء توقعات أصدقائهم.. لأن توقعات المخذولين كانت مثل توقعات (ابن زيدون) الذي كان تعريفه للصديق (مَن يبعثر شعث نفسه ليجمعك)… أي مَن يحترق لأجلك… أي مَن يحرق نفسه على الطريقة البوذية لأجلك.. لكن الشاعر الحكيم بشَّار أكثر حكمة من ابن زيدون.. الشاعر الحكيم يقول.. إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك… لم تلقَ الذي لا تعاتبه… فعِشْ واحداً.. أو صِلْ أخاك… فإنه مقارف ذنبٍ مرةً ومُجانِبُه… إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت… وأىُّ الناس تصفو مشاربُه؟… أليس ذلك أيضاً أعقل من أبي حيَّان التوحيدي الذي قام بتأليف كتاب (الصداقة والصديق)… وكاد أن يجنَّ من وحشته ووحدته. كان أبو حيان رقيقاً جارحاً كأمواس الحلاقة.. فكرهه الناس لنفاذ بصره في أحوالهم… ومحمد مهدي الجواهري كان له قصة رائعة من الصداقة… ولي صاحبٌ تفرَّست فيه كلَّ خيرٍ.. فلم تخُنِّي الفراسة…
قال عبد الله المقفع… ولي صاحب رأس ما عظَّمُه في عيني.. صِغر الدنيا في عينه…
قال عبد الله بن المعتز… لي صاحبٌ إن غبتُ يأكلني… وإذا رآني في النَّدىِّ سجد… كم قد هممت بأن أعاتبه يوماً.. فما وجد العتاب أحدْ… النَّدىُّ تعني (المجلس)… وقال… ومحا المشيبُ خطوط زينته… ورمى قوام قناته بأوَدْ… وطواهُ خلانُ الصفاء… كما يُطوى رداء البيع حينَ يُرَدْ…
وقد تعب المثقَّب العبدي من هكذا صداقات غير واضحة… غير حيَّة… غير ميتة… فقال… فإما أن تكون أخي بحقٍّ فأعرف منك غثِّي من سميني… وإلا فاطَّرحني واتَّخذني عدوَّاً… أتَّقيكَ وتتَّقيني… وإنِّي لو تخالفني شمالي خلافك… ما وصلتُ بها يميني… إذاً لقطعتها ولقلت بيني… كذلك أجتوى مَن يجتويني… وما أدري إذا يمَّمتُ أمراً أريدُ الخير… أيُّهما يليني… أألخير الذي أنا أبتغيه… أم الشَّرُ الذي هو يبتغيني… وآخر خاب أمله من تلك الكثرة المائجة من الأصدقاء، وهو يراهم يتبخرون فجأة عند الأزمات… وما أكثر الإخوان حين تعدُّهم… ولكنَّهم في النائبات قليلُ!.
الحكيم (رالف امرسون) لا يكترث بالأصدقاء المزيَّفين… سعدوا أم غضبوا… لأن ابتسامتهم بلا جذور… وغضبهم سطحي بلا جذور.. هكذا قال…
في لحظات الخذلان ينصرف الإنسان بكُليَّته… يتمنى أن يهبه الله دين الإنسان الأول… دين توحيدي… بلا مجتمع ولا ناس… ولا (إخوان)… ولا أصدقاء ولا خوازيق… بلا (إخوان مسلمين) أو (إخوان هندوس)…
قال التجاني يوسف بشير حزيناً شاحباً في فراش الموت، وقد هرب (الأصدقاء) باستثناء واحد، وهم يحمدون الله على سلامتهم من مرض السُّل… آثرتني نُعْمَي… يديك… على حين تجنَّي على هواي الرِّفاقُ… في لحظة الفراق الأبدي… شعر التجاني بالمعنى الحقيقي لعبارة (خربانة أُمْ بناياً قش)!… لكن لا تغضب لنفسك قط… لا تقتص من الأصدقاء المزيَّفين… حتى لا تحيد عن السمو والوفاء… والإخلاص والعطاء والحلم وأحسن الأخلاق… مَن يفعل الخير لا يعدم جوازيه… لا يذهب العُرف بين اللهِ والناسِ…
اشتُهرت فروسيَّة خالد رضي الله عنه فسمِّي (سيف الله)… واشتُهرت صداقة إبراهيم صلى الله عليه وسلم الودودة بين الناس فسمِّي (خليل الله)… جعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم من نفسه صديقاً للجميع… وقال شاعر المدائح أحمد ود تميم عن ذلك المقام الإبراهيمي (نال الخُلَّة والمطلوب)…
تذكَّر… صديقك ليس (الإنسان الكامل)… رويدك، لا تسفحنَّ الخيال… ببيداءَ ليس بها سامرُ…!.

عبد المحمود نور الدائم الكرنكى
smc

‫2 تعليقات

  1. الحب …الصداقة …كلمتان ظلمتا ظلما فادحا من بني آدم، وكم باسمهما ارتكبت فظائع:o 😮 😮

  2. سلام عليكم
    الصدق والصديق بعد الإسلام لافائدة منه إلا في إخوة الإيمان..
    {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} [الزخرف]