نادية عثمان مختار

باقان أموم وبكاؤه على الزعيم (2/3) !!


باقان أموم وبكاؤه على الزعيم (2/3) !!
انتظرت طويلا اتصال القائد باقان اموم كما وعدني ليخبرني حقيقة أمر اختفاء وسقوط طائرة الزعيم جون قرنق، وعندما لم يتصل لم أطق صبرا فهاتفته مرة أخرى، فقال لي إنه ومن معه كونوا لجنة لإدارة الأزمة لمتابعة التفاصيل، وانه بالفعل قد تم فقد الاتصال بطائرة الزعيم لكن الأمور لم تتضح بعد، ولا يعرفون مصير الزعيم جون قرنق، ووعدني بالاتصال بعد وضوح الرؤية !!
أكملنا رحلة شرم الشيخ وعدنا لبيوتنا، وكان خبر فقدان الطائرة قد عم القرى والحضر وقتها، ولكن مازال مصير الدكتور جون غير معروف وما بين إدارة الأزمة التي لم أكن أعلم ستنتهي على ماذا وإدارتي لأقراص هاتفي لمعرفة ما يحدث في الوطن الحبيب من أحداث جسام قطعت (الجزيرة) قول كل خطيب، وجاءتنا بالخبر المفجع الحزين فنصبت سرادقا للعزاء في قلبي، وبكيت وطني الذي لم أكن اعلم ماذا سيكون مصيره، وحال شعبه شمالا وجنوبا بعد ذلك، إلا أن الجزيرة ومواقع الانترنت وعلى رأسها موقع (سودانيز اون لاين) واصلت سرد الأحداث وعم الارتباك والخوف أوصال الوطن وقلبه، وقام الجنوبيون بثورة غضب مفاجئة في يوم أسماه البعض بيوم(الاثنين الأسود) الذي راح فيه من راح من الأبرياء في الشمال، وتضررت الممتلكات نتيجة (غفلة) الحكومة في الخرطوم، واستهانتها بخطب عظيم كموت رجل عمّده أهله رسولا للسلام، واستبشر به الكثيرون من أهل الشمال خيرا ووحدة وسلاما مستداما، إلا أنه رحل سريعا في ظروف لم تكشف السنوات غموضها، ولم يدرك الناس سر تفاصيلها حتى اليوم سوى بعض تكهنات واستنتاجات، وكأن صندوق تلك الطائرة (الأسود) كان متآمرا هو الآخر لإخفاء الحقائق وعدم اطلاع الشعب شمالا وجنوبا عليها حتى اليوم ..!!
بعد يوم من سريان الخبر المؤلم كانتشار النار في الهشيم رن جرس الهاتف فوجدت المتصل هو القائد باقان اموم ولأنني كنت أعرف من أحاديث كثيرة بيننا كيف كان يحب اموما زعيمه وقائده وشيخه جون قرنق كان الرد ثقيلا على قلبي، إذ كيف أعزيه بعد واحد وعشرين يوما من مباركتي له بدخول القائد منصورا لقصر الرئاسة وتحقيقهم لحلم المساواة الذي طالما حدثني عن أحلامهم بتحقيقه في كل الحوارات الصحفية العديدة جدا، التي قمت بإجرائها معه منذ كان متمردا في غابات أحراش الجنوب وحتى دخوله الوزارة وزيرا في تشكيلة حكومة الجنوب الرسمية !!
بصوت باك ملؤه الحزن كله والحسرة قال لي أموم (فقدنا الزعيم يا نادية) !! عبارة لم ولن أنساها !!
باقان اموم واحد من أهم مصادري الصحفية في صفوف الحركة الشعبية منذ ان كانت الحرب في أوجها بين الشمال والجنوب وحينما كانت صحيفة (الشرق الأوسط) التي عملت بها مع أستاذي زين العابدين أحمد تهتم للشأن السوداني وتخصص له المساحات الضخمة والمانشيتات العريضة في الصفحة الأولى لأهم الصحف العربية، وكذلك كان الأمر بالنسبة لجريدة الخرطوم التي كانت محسوبة في ذاك الوقت الصحيفة الوحيدة التي تحكي حال المعارضين في التجمع الوطني الديمقراطي وتهتم بأخباره بين القاهرة وأسمرا ونيروبي في زمان كان للتجمع الوطني الديمقراطي (شنة ورنة) تهابه الحكومة وتعمل له ألف حساب وتسعى للحوار معه والتصالح حتى جاء اتفاق القاهرة فكان هو الطريق المؤدي بالمعارضين الى الخرطوم أو ربما كان هو القشة التي قصمت ظهر بعير المعارضة وأناخته أرضا كما رأى البعض حينها بحسبان أن اتفاق القاهرة لم يحقق للمعارضة أي شيء يذكر سوى بعض الوزارات الهامشية عديمة الجدوى !!
كما كان اموم أحد أهم مصادري الصحفية في الحركة وقتها؛ وفقني الله لنيل ثقته الكاملة فكان شخصي الضعيف أهم مصادره الإعلامية لنقل ما يدور من أحداث في الغابة، وقتها والرسائل التي تريد الحركة توجيهها للحكومة والرأي العام السوداني ومن خلال حواراتي الصحفية استطعت أن استنطق الرجل في العديد من القضايا والأمور التي لم يتعامل فيها معي بدبلوماسية زائفة وإنما بكامل الشفافية والوضوح ..!!
و
غدا نختتم الحديث عن أموم المحارب المتمرد والسياسي والإنسان .
نادية عثمان مختار
مفاهيم – صحيفة الأخبار – 2011/7/19
[email]nadiaosman2000@hotmail.com[/email]