جعفر عباس

عاد الخواجة فشبعت نوما


[ALIGN=CENTER]عاد الخواجة فشبعت نوما [/ALIGN] خلال الأشهر القليلة الماضية صرت أنام نوما متواصلا مريحا لا كوابيس فيه ولا أباليس، فقد غادر ابني البكر بيت العائلة قبل 11 سنة، ملتحقا بجامعة في نيوزيلندا، ثم “مسخها” وأكمل دراسته فوق الجامعية في نيوزيلندا (وكل هذا على حساب جيبي وأعصابي)، وفوق الإجهاد النفسي الذي عانيته بسبب بعده عن البيت فقد عانيت صعوبات مالية جمة، ليس لأن نفقات الدراسة كانت فوق طاقتي، وليس لأنه مبذر متلاف، فهو مثل أبيه غير معنيّ بمسائل الأناقة والوجاهة، ومتخلف لا يجاري الموضة، ورغم انه عاش في بلد الخواجات ومنحوه جنسيتهم وجواز سفرهم، فإنه لم يلبس قرطا في أذنه ولم يقص شعره قصّات عصرية شبابية..

ما عرضني للإنهاك المادي هي أمه التي هي في نفس الوقت زوجتي الأولى!! فلأنها مثلي غير مقتنعة بأن الأرض كروية ولأن نيوزيلندا وفي كل الأطالس تقع عند حافة الكون، وبالتحديد في آخر نقطة شرقية في صفحات الأطالس، فقد كانت أمه دائمة القلق عليه، وتعتقد ان نيوزيلندا قد تنزلق وتسقط في هاوية إذا اجتاحها وباء الانفلونزا وعطس بضعة آلاف من سكانها في نفس الوقت، وهكذا، وكلما اشتاقت اليه رفعت سماعة التلفون، وبما انها كانت في حالة شوق دائم اليه، فقد كانت في حالة اتصال هاتفي معه على الدوام، وكي يتسنى لها ذلك، أرغمته على اقتناء هاتف نقال، وكان الولد الخواجة يراسلنا يوميا عبر البريد الالكتروني، ولكن أم الجعافر كانت تصر على سماع “صوته”، فلأنها متخلفة تكنولوجيا فقد كانت تحسب ان بيل جيتس يتآمر عليها ويفبرك رسائل الكترونية باسم ولدها كي يبعدها عن التلفون! ورغم انني كنت دائم التشاجر معها كلما جاءتنا فاتورة التلفون وأقول لها: لو انك سافرت اليه ثلاث مرات في السنة، فإن ذلك سيكلفنا أقل من عُشر (1/10) المكالمات الهاتفية.. رغم ذلك كنت اتصل به مرارا من وراء ظهرها لأنني أيضا كنت اشتاق إلى صوته، ولكن أطول مكالمة بيني وبينه لم تكن تتجاوز الدقيقتين، في حين ان أمه كانت تسأله: كم بطانية عندك؟ هل تأكل سلطة وفاكهة؟ أوع من الإمساك! إيّاك وبنات الحرام! لا تغادر غرفتك بعد السادسة مساء! هل عندك نقود كافية! إياك أن تنام ببنطلون الجينز!.. ثم تعطيه تقريرا عن الأحوال الجوية والنتائج المدرسية لعيال الأهل والجيران.. ويحاول المسكين حصر الحديث في دائرة أضيق ويسألها: شنو أخبار أبوي؟ فتنفتح شهيتها: خلاص، خَرّف، وكل ما يشوف التلفون يصيح: “الفاتورا”.. تورا بورا! بعد التخرج التحق الولد الخواجة بوظيفة في السعودية ورغم أنه كان يأتينا نحو ست مرات في السنة ورغم ان الاتصال الهاتفي به لم يعد مرهقا، فإن كونه “بعيد” عنا لسنوات متصلة كان يرهقني عاطفيا.. وبحمد الله عثر مؤخرا على وظيفة في دولة قطر والتأم شمل العائلة ولهذا صرت أنام قرير العين! اللهم رد غربتنا جميعا بعد أن صرنا غرباء حتى في ديارنا، وأعد عيالنا الذين يدرسون في الخارج سالمين جسما وعقلا، اللهم ألهم القائمين على أمورنا أن يصلحوا حال جامعاتنا حتى لا نضطر الى إرسال عيالنا الى بلاد تعاملهم كالمجذومين! واصلح حال مستشفياتنا حتى لا نطلب علاج البواسير في بلاد هي سبب البواسير الذي يعانيه الشرق الأوسط!

زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد