رأي ومقالات

الطيب مصطفى .. الانتخابات والتحوُّل الديمقراطي وحديث البشير

[JUSTIFY]خلال اجتماع شورى المؤتمر الوطني دعا الرئيس البشير القوى السياسية إلى الاستعداد للانتخابات المقبلة مضيفاً: (نقول للذين يتحدثون عن التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة إن ذلك لا يتم إلا بالدستور) وقال: (إن العيب الوحيد في الدستور الحالي أنه دستور انتقالي) ثم أردف قوله بالعبارة التالية: (عندما تأتي المفوضية لطرح برامج الانتخابات سوف نسمع بأنهم غير جاهزين وفوجئنا بذلك لكن المؤتمر الوطني جاهز اليوم وغداً وفي أي وقت للانتخابات).

كلام من ذهب لكنه يحتاج إلى مناقشة وأثق في أن الرئيس يقبل المناصحة حول هذا الأمر لأنه الأحرص، أو هكذا ينبغي، على أن يسود السلام ويتحاكم الناس والأحزاب والتنظيمات السياسية جميعها إلى الجماهير بدلاً من التحاكم إلى البندقية.
خلال اجتماعات اللجنة السياسية للدستور التي يرأسها حتى الآن د. الحاج آدم نائب الرئيس انصبّ معظم الحديث عن تهيئة المناخ لإعداد الدستور أو بالأحرى لإقناع القوى السياسية والأحزاب المقاطعة بالانخراط في فعاليات إعداد الدستور وتكوَّنت لجنة للتواصل مع القوى المقاطعة برئاسة المشير سوار الدهب أتشرف بعضويتها وقد قابلت اللجنة عدداً من قيادات الأحزاب المقاطعة وكان أهم مطلوبات أولئك الزعماء تهيئة المناخ بما في ذلك إتاحة الحريات بل إن الكثيرين منهم تحدَّثوا عن أنَّ الدستور الحالي ينصُّ على إتاحة حرية العمل السياسي ولكن هناك تضييقاً على الحريات إذ لا تستطيع الأحزاب مخاطبة الجماهير إلا من داخل دُورها بل إنه حتى الحديث في القاعات العامَّة والذي كان مُتاحاً قبل عدة أشهر بات محرَّماً إلا بإذن أشبه بالمستحيل هذا علاوة على الحريات الصحفية التي تعاني من كبت تتحدَّث عنه منظمات حقوق الإنسان الدولية وتشوِّه به سُمعة السودان.

زرتُ وبعض الإخوة من قيادات منبر السلام العادل عدداً من الولايات للتواصل مع الجماهير ولكني للأسف كنتُ سجين دُور المنبر لا أستطيع أن أتحدَّث في الساحات العامَّة… فيما عدا ولاية القضارف التي تشهد انتخابات الوالي الجديد والتي سمحت لنا بالحديث أمام الدار مباشرة!!
كيف نستعد للانتخابات أخي الرئيس ونحن محرومون من التواصل مع الجماهير وهل يُعامَل المؤتمر الوطني كما تُعامَل الأحزاب الأخرى؟!
المؤتمر الوطني يحتكر أجهزة الإعلام وتلفزيون السودان وغيره من الفضائيات… تلفزيون السودان الذي قضيتُ في إدارته أكثر من سبع سنوات ليس متاحاً لي لكنه متاح لأصغر قيادي في المؤتمر الوطني حتى لو تحدَّث في الهوبجي أو قوز المطرق… لقد ظل بعيداً عن مؤتمراتنا الصحفيَّة ولقاءاتنا السياسيَّة وخدماتنا الاجتماعيَّة بما فيها الأيام الصحية التي تفرَّد بها المنبر وظل يقدِّمها في شتى أنحاء السودان!!
بالله عليك أخي الرئيس أليس من حقنا أن نقول من الآن إننا غير جاهزين للانتخابات وأليس من واجب (الوطني) أن يتباهى بأنه جاهز والساحات متاحة له وأجهزة الإعلام والكاميرات منصوبة والمال موفور له والسلطة ومناصبها وثروتها تسوق الإعلام سوقاً أداءً لواجب وظيفة تحتِّم على شاغليها اللهث خلف المسؤول الذي يجمع بين المنصب التنفيذي والحزبي السياسي؟!

قد تتعلل الدولة بالأوضاع الأمنية وهي مقولة لا تصدق إلا إذا عومل الجميع بمن فيهم الحزب الحاكم بمقتضاها ورغم ذلك فإن هذه المقولة يمكن أن تنطلي على الناس في مناطق النزاعات أما غير ذلك فإن الحجة ضعيفة ولا يمكن بأي حال الحديث عن انتخابات وعن تحول ديمقراطي بدون أن تُتاح أبسط مقوِّمات العملية الديمقراطية.
كذلك فإن الحكومة تستطيع أن تتيح الحرية لكل من يعلن التزاماً صارماً بالابتعاد عن الوسائل غير السلمية بما في ذلك إدانة العمل المسلح والحركات المتمردة واتخاذ مواقف قوية في مواجهة حَمَلة السلاح والمتعاونين مع الأعداء مثل تحالف كمبالا ووثيقة الفجر الجديد.. هذا النهج سيُغري مَن ضاقت بهم السبل بالانخراط في العملية الديمقراطية.
الرئيس تحدَّث عن الجاهزية.. بربِّكم كيف يخوض حزب سياسي انتخابات وينافس الحزب الحاكم بدُوره التي تنتشر حتى في القرى… إذا أراد حزب سياسي أن ينشئ داراً واحدة في كلٍّ من عواصم ولايات السودان الـ (19) فكم يكلفه ذلك من إيجار شهري وأثاث وكهرباء ناهيك عن الصرف الإداري بما فيه من وسائل حركة وندوات سياسية؟!

من مصلحة الحزب الحاكم بل من واجبه وواجب الحكومة أن تؤسس للمناخ الديمقراطي وتشجِّع الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية التي يعلم الجميع ان بديلها هو العنف والثورة وحمل السلاح.
ليت الرئيس يضطلع بهذه المهمة بنفسه وليت د. نافع يقتنع بها قبل أن يعمل على ترسيخها في مجتمعنا السوداني الذي يمور بروح التمرد والثورة التي يغذيها ضيق المعاش والأزمة الاقتصادية الخانقة فوالله إن عُشر مِعشار ما يُصرف في مواجهة التمردات من سلاح وتعبئة قد يكفي لتهيئة المناخ لخلق بيئة ديمقراطية تنزع فتيل التمرُّدات وتشيع الثقافة الديمقراطية بين الناس وتطفئ نار الفتنة.

أجدني أتفق مع مقولة الصادق المهدي حول أهمية الانتقال من دولة الحزب إلى دولة الوطن وإذا كان الرئيس قد تحدَّث عن الدستور فإن أوجب واجبات الدولة أن تستجيب لمطلوبات الأحزاب والقوى السياسية المقاطعة سيَّما في أمر الحريات حتى يشارك الجميع في صياغة الدستور الذي يُفترض أن يحصل على التوافق بين كل أو معظم القوى السياسية خاصة بعد أن حُسمت قضية الهُوية وحُسم الجدل حول المرجعيَّة الإسلاميَّة جراء خروج الجنوب من حضن الوطن فهل يستجيب الرئيس ويُتيح الحريات ويمكِّن الأحزاب من الممارسة الديمقراطيَّة من خلال توفير الدعم لها إقامةً للعدل الذي لا تقوم الشريعة إلا به؟

الطيب مصطفى
صحيفة الانتباهة [/JUSTIFY]