صلاح شكوكو

الناشئون .. لوحة لن تكتمل


الناشئون .. لوحة لن تكتمل
حقق منتخبنا الناشيء المركز الثالث في بطولة العرب لكرة القدم التي إستضافتها المملكة العربية السعودية بعد فوزه على منتخب الجزائر بهدفين لهدف ثم فاز على نظيره العراقي بثلاثة أهداف لهدفين وتعادل مع المغرب بهدف لكل ليحل ثانيا في مجموعته، ويفوز الجمهور السوداني بنجومية الدورة.

قابل منتخبنا كذلك في مباراة النصف النهائي المنتخب السعودي صاحب الأرض وخسر بأربعة اهداف لثلاثة وكان قريبا جدا من تحقيق الفوز بعد سيطرته على اغلب مجريات الشوط الثاني، لكن أخطاءنا المعهودة هي التي أطاحت بالفريق وحرمته من التأهل للمباراة الفاصلة ليقبع في المركز الثالث.

والملاحظ أن هذا المنتخب يمتلك عناصر تتميز بمهارات فنية عالية وروح قتالية جيدة وإصرار كبير على أن يحقق نتائج طيبة، خاصة وأن هذه الدورة تعتبر أول خروج لأغلب هؤلاء الناشئيين خارج السودان، لكن الصورة المؤثرة كانت تلكم المشاعر الفياضة التي تمثلث في البكاء الحار بعد الهزيمة أمام السعودية.

صحيح أن المنتخب كان مؤهلا للفوز بالبطولة، وقد كان الكثيرين يرون أنه من المنتخبات المرشحة للفوز بكأس تلكم الدورة التي إحتضنتها مدينة جدة السعودية، وإعتبره الكثيرون نواةً لمنتخبنا القومي في المستقبل مرورا بالشباب والأولمبي.

ويبقى السؤال المهم.. هل نحن أصحاب نفس طويل لمتابعة هذا الفريق حتى تبلغ الرشد؟ هذا المنتخب الذي أرغم معلق القناة السعودية الرياضية لأن يشيد به حتى أغضبت إشادته كل اصحاب الأعمدة الذين رأوا أن الرجل قد ترك منتخبه الوطني وأخذ يمتدح المنتخب السوداني.

لكن الرجل كان شجاعا حينما ذكر بأنه وقف مع الحقيقة لأن المنتخب السوداني كان يلعب كرة راقية لا تختلف عن الكرة البرازيلية التي نعشقها جميعا وأخذ يسأل منتقديه.. تُعجبون بالبرازيل وتعاتبونني على تعليق خصصته لفريق عربي مسلم إستحق الإشادة؟.

الشاهد عندي أننا قوم تطربنا اللحظة فنتغني بها.. ونهتز لها، لكننا نفتقد الى التخطيط الطويل، وبذلك سيتشتت هذا الفريق الناشيء ويتبعثر في شتات الوطن ودروب الحياة وسينتهى الى الذوبان.

وحتى لو أن كل المسؤولين وعدونا فإن وعدهم لن يعدوا كونه مجرد أشواق وآمال لن تلامس الواقع، وسنتبعثر نحن وهم في دروب التوهان وينسى الناس هذا المنتخب وستصبح مشاركاته التي أطربت السودانيين في جدة مجرد ذكريات في أرفف الزمان .

ولست من المتشائمين في ذلك، لكن تستحضرني ذكرى جميلة قوامها مشاركات لمنتخبات الناشئين التي كانت تزورنا بدولة الإمارات العربية المتحدة في الدورات الدولية بنادي الوحدة الإماراتي والتي كان يشارك فيها السودان بمنتخبات للناشئيين فيها لفيف من اللاعبين والذين تاهوا وذابوا في دروب الحياة ولم يجدوا إلا الإهمال، وتخطفتهم الأندية المتخمة للتخزين.

كثيرون يرون أن هذا المنتخب رغم روعة أداءه بأنه قياسي، لكنني أيضا أعتبره خيارا محدودا لولاية الخرطوم، ذلك أننا نحصر فكرنا الإختياري في الخرطوم ونعتبرها (زبدة) الآداء الرياضي لنضيّق مواعين الإختيار ونختزلها في رقعة جغرافية محددة ونهمل بقية الوطن كله.

لكن الشاهد أن مثل هذه المشاركات هي التي تدفعنا دفعا الى إعداد منتخباتنا للمشاركة ولولاها لكنا تآئهين، وما كنا سنفكر في إنشاء هذه الفرق، لذلك تعتبر هذه المشاركات وقبلها مشاركات نادي الوحده هي المشاركات التي قدمت لنا الدافع القوي لتكوين هذه المنتخبات رغم تحفظاتنا على مواعين إختيارها.

كذلك لابد لنا أن نفهم مسألة مهمة هي أننا لا نملك مدربين متخصصين في تدريب هذه الفئات العمرية التي تتطلب مدربين نوعيين، تمثل الجوانب التربوية عندهم الجانب الأكبر في طريقتهم الأدائية، خاصة وأنهم في مراحل تعليمية تقتضي قدرا هائلا من المرونة التدريبية بصورة متلازمة مع واجباتهم التعليمية.

كذلك لابد لنا أن نتفهم أن هذه المرحلة العمرية هي مرحلة إكتساب المهارات الأدائية مما يستوجب منهجية تدريبية خاصة تتميز بقدر وافر من الدقة والتركيز، مراعين ظروفهم العمرية والتعليمية لخلق لاعبين قادرين على إستيعاب هذه المهارات وهضمها.

لكن مشكلتنا أننا لا نراعي هذه الأشياء ونعتبرها فرقا رياضية مجردة دون النظر الى طبيعتها العمرية، مما يجعل أمرهم مرهون بكثير من العقبات التحصيلية الفنية، مما يحرمهم كذلك من كثير من الإستزادة الفنية التي يمكن أن تكون إضافة حقيقة لقدراتهم.

وتستحضرني هنا فكرة دول غرب أفريقيا التي قامت بإضاءة كل الميادين والساحات مع توفير أدوات الممارسة لأكبر قدر ممكن من الناشئين ووفروا لهم مدربين لمراقبتهم وتكوين عدة فرق يقومون بتصفيتها لإختيار عدة منتخبات، يتم إختيار بعض عناصر منها لإرسالها لمدارس الأندية في أوروبا، وتتم متابعه هذه العناصر للإستعانة بها في الفرق القومية في مراحلها المختلفة .

وقد لفتت نظري إشارة سريعة قرأتها في أحد المواقع مفادها أن رابطة (رابغ) بالسعودية قد تكفلت برعاية هذا المنتخب، وأن عضو مجلس إدارة الإتحاد السوداني لكرة القدم رئيس بعثة منتخب الناشئيين السوداني قد إلتقى الرابطة بهذا الخصوص، لكن هذا الأسلوب لا يمكن أن يكون طريقا لبناء منتخب قومي، ذلك أن هذه المساهمات يجب أن تكون إضافة هامشية ويجب أن لا يعوّل عليها كثيرا لأن مثل هذه المنتخبات ترعاها جهات رسمية بموازنات واضحة ولا يمكن أن يترك أمرها لمثل هذه المبادرات الشخصية التي تكون مطيّة للظروف، مع شكرنا لأهل (رابغ) على هذه المبادرة، وإشادة حارة بالجمهور الرياضي بالمملكة العربية السعودية الذي أثبت أن النيل مازال يجري بالخير في بلادنا، وأن السودانيون مازالوا يعشقون الوطن.
——————-
ملء السنابل تنحني بتواضع … والفارغات رؤوسهن شوامخ
——————- صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو )
[email]shococo@hotmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. [SIZE=5][B]رغم أنني من الذين تابعوا هذا المنتخب بجده
    لكنني الآن متواجد بالخرطوم .. لكنني أتفق مع نظرتك الواقعية وأشيد بطرحك الموضوعي والواقعي

    وربنا يهون
    مع شكري الجزيل[/B][/SIZE]