تعليم الأبناء بالخارج.. ضياع للموروثات السودانية

[JUSTIFY][SIZE=5]ابتهال وفوزية شقيقتان نشأتا في المملكة العربية السعودية، لأمٍ وأب عملا في التعليم لفترةٍ في السودان، ثم حملتهما رياح الغربة بحثاً عن عملٍ إلى المملكة العربية السعودية.. الشقيقتان التحقتا بالمدارس السعودية منذ مرحلة الرياض وحتى المرحلة الثانوية، بعدها انتقلتا للالتحاق بالجامعات السودانية، لأنّ القوانين السعودية تقفُ مانعاً أمام التحاقهما بالجامعات السعودية. ونحن جلوساً أمام شاشة التلفاز الذي كان يبثُ نشرة الأخبار قبل أيام عن الاشتباكات العسكرية الدائرة بولاية النيل الأزرق، جاءت ذكر مدينة «الكُرمك»، فتساءلت «ابتهال» عن هذه المدينة، وهل توجد مدينة سودانية بهذا الاسم!!

وهو ما فتح الباب واسعاً أمام توجيه أسئلةٍ أخرى للشقيقتين، تفاجأنا بجهلهما بمدنٍ مثل الدامر، الأبيض، سنجة، القضارف، المُجلد، أبيي…إلخ، كما كشفتا جهلهما أيضاً بشخصياتٍ سودانية تاريخية مثل الأزهري، الإمام المهدي، علي عبداللطيف وغيرهم.

سبب هذا الجهل الكبير لهاتين الشقيقتين «ابتهال» و«فوزية» هو التحاقهما بالمدارس السعودية، ونشأتهما هناك، هذا إضافة إلى أنّ أولياء أمرهما، بالرغم من علاقتهما بالتعليم، إلا أنّهما لم يضعا لهذه القضية أهميتها التي تستحقها. وهو ما يُخرّجُ أجيالاً عديدة ليس لديها أية علاقةٍ بتاريخ بلدها ولا ثقافته. مثل هذه الأجيال بهذه الذاكرة «المفقودة» و«المشوّهة» لن تُفيد البلاد في شيء، لأنّها لا تحس بانتماء له. بل على العكس تماماً، فإنّ الشقيقتين «ابتهال» و«فوزية» وغيرهما الكثير من أبناء المغتربين الذين نشأوا في بلاد غريبةٍ على السودان، ولم تجتهد أسرهم في ربطهم ببلادهم، الغريب في هذه الأجيال أنّها تعرف الكثير الكثير عن تاريخ تلك البلاد!!

وتقول أستاذة بدرية إبراهيم: دراسة أبناء المغتربين السودانيين في المدارس الأجنبية أو غير السودانية يجعلهم إضافة لبعدهم الجغرافي عن وطنهم بعيدين عن معرفة وطنهم والمعلومات التي تتعلق به سواء من الناحية التاريخية أو جغرافيته ونجد الكثيرين منهم عندما يأتون إلى الوطن للدراسة الجامعية يجهلون الكثير من المعلومات التي يجب عليهم معرفتها عن وطنهم وفي رأيي يجب على أولياء أمورهم في دول المهجر تعريفهم بوطنهم في شكل جرعات من المعلومات حتى ولو كانت في شكل حصص أسبوعية في أماكن تجمعاتهم في الاستراحات وغيرها أو تخصيص مكان مناسب كمدرسة أو معهد لتدريس المنهج السوداني من كتب التاريخ والجغرافيا حتى ولو كانت هذه الحصص من غير امتحان وتدرس بطريقة سهلة وبسيطة كتحفيز لهم لمعرفة وطنهم.

و قال الخبير الاجتماعي والتربوي الأستاذ محمد أحمد عبد الحميد ما يمكن أن يقال عن تعليم الطلاب في الخارج إن الأطفال في سن الدراسة والذين مع أسرهم في الخارج إن أكبر مشكلة يواجهها الوالد هي تعليم الأبناء بمستوى تعليمي رفيع يتوافق مع المعايير الدولية والجودة الشاملة للمنهج ،ولهذا يرى كثير من الأسر أن تعليم أبنائهم في دول المهجر يأخذ نصيباً وافياً من المعايير الدولية، وهذه إحدى الإيجابيات للتعليم في الخارج غير أن هذه الإيجابية تشكل خطراً عليهم من حرمانهم من هويتهم الوطنية والثقافة القطرية القادمين منها وبالتالي تخرج التلميذ من الثقافة الأسرية الى مجتمع يجهل تاريخ وجغرافية وثقافة وطنه، ورأت حكومة السودان منذ منتصف السبعينات أن تلتفت لهذه الإشكالية وإنشاء مدارس في أغلب الدول العربية ولكن الإشكالية التي تواجه إدارة التعليم أن هنالك عدداً كبيراً من الطلاب والطالبات في الخارج لا تستوعبهم هذه المدارس نسبة لتباعد الأماكن التي يقيمون بها، مما يعرض أبناؤنا لإشكاليات عديدة أقلها عدم الاحتكاك الكامل بالثقافة السودانية مما ينتج عنه خلل واضح في الثقافة الوطنية والسلوك اليومي وعدم اكتراثه للعديد من العادات السودانية بجانب إحداث الخلل في اللهجة والنطق مما يجعلهم عرضة للسخرية من قبل رصفائهم، وعند العودة الى السودان يواجهون عدداً من الإشكاليات منها تراجع في الدراسة فبدلاً من أن يدرس التلميذ مرحلة الأساس ثمانية أعوام حسب مرسوم وزارة التربية والتعليم لا تستطيع تلك الأسر أن تكمل المقرر مما يجعلها تضطر لتمديد سن التمدرس بالنسبة لتلاميذ الأساس بجانب جهلهم لأبسط مقومات وطنه بل لا يعرف شيئاً عن الثقافة السودانية، وأعتقد أنها إحدى الإشكاليات التي لم تحظ لنقاش مباشر. وقال إن الحل يأتي عبر ثلاثة أعمدة أساسية لا بد من فتح مدارس في الخارج وتوفير أساتذة أكفاء وعلى وزارة التربية والتعليم وضع حلول ناجعة متمثلة في الاختيار الدقيق للكفاءات العلمية ومزيد من التوسع في الكميات المستوعبة للتلاميذ في تلك الدول ورفع القيود مع مراعاة الظروف الاستثنائية للطلاب مطالباً الدولة بتطبيق مجانية التعليم في الخارج لأن تلك دول تقدم تعليماً عالي الجودة، اضافة نتيجة لأخطاء الدولة المتمثلة في وزارة التربية والتعليم في انها جعلت التعليم في الخارج مصدر جباية ومصدرا لتغذية الايرادات مما جعل التلاميذ السودانيون في الدول العربية يتجهون الى المدارس الوطنية في تلك الدول لأنها تقدم تعليماً عالي الجودة ودراسات شبه مجانية…

صحيفة الإنتباهة
سارة إبراهيم عباس [/SIZE][/JUSTIFY]

Exit mobile version