رأي ومقالات

دروس في الفتنة لم تستوعب..

[JUSTIFY](محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)هكذا وصف المولى عز وجل النبي الكريم ومن تبعه من المؤمنين، والوصف جاء دقيقاً جداً، ودقة هذا الوصف تتجلى في قوله بالشدة والرحمة، فالوصفان لا يتناقضان، ولو جاء الوصف قساة على الكفار لما وجدت الرحمة سبيلا فالقسوة والرحمة لا يجتمعان في قلب واحد فهما متضادان ينفي وجود أحدهما الآخر!! وفي السيرة والتاريخ الإسلامي أحداث تم تسجيلها كلها تثبت أن الرحمة هي الصفة التي اتصف بها المسلمون، فيما بينهم، والشدة مع غير المسلمين والشدة هنا لا تعني أن غير المسلم لا ينال حقاً كفلته له المواطنة، فقد عاش في الدولة الإسلامية غير المسلمين، وقد رأى عمر بن الخطاب يهودياً يسأل الناس وكان عجوزاً فأخذه لبيت المال وحدد له راتباً وخادماً وقال أخذنا منه الجزية وهو شاب يعمل انتركه عجوزاً يسأل الناس؟ بعد عودة الرسول عليه الصلا والسلام من الطائف وقد رأى من القوم هناك ما رأى من معاملة سيئة، لم يدع الله عليهم ولو دعا لاستُجيبت دعوته، وقد قال له جبريل عليه السلام حين رأى ما ناله من كفار مكة إن شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، فكان رده عليه الصلاة والسلام لا يا جبريل عسى أن يخرج من ظهورهم من يعبد الله.. بعد الرحلة الشاقة من الطائف وكانت قدماه تدميان وكفار مكة يتربصون به، ما كان منه إلا أن أرسل زيداً إلى أحد أكبر عتاة الكفار وطلب منه أن يجيره، فما كان من ذلك الكافر أن قبل الاستجارة وأتى بأبنائه العشرة وهم من عتاة فرسان قريش، فساروا صفين يتوسطهما رسول الإنسانية عليه أفضل الصلاة وأجمل التسليم وكان الكافر يسير أمام الركب يحذر أهل مكة من المساس بمحمد الذي استجار به!! هذا الأسلوب بقي منهجاً إلى يومنا هذا فالمواطن الأجنبي يتمتع بحماية الدولة التي هو فيها ما لم يقم بأمر يخالف سياسة الدولة، ويمس بأخلاقياتها وإن حدث ذلك فهناك إجراءات قانونية تُتخذ ضده من قبل الدولة وحسب قوانينها والتي أقلها الطرد من البلاد، كل هذا يتم تحت القانون ولا يملك أياً كان أن يملك القانون وينفذه بيده دونما أية مساءلة قانونية!!

الفتنة الكبرى والتي أدت إلى الاحتراب بين المسلمين، أدارها الإمام علي كرم الله وجهه بحكمة بالغة وضرب مثلاً عالياً في إدارة الفتنة، وقد ضرب الصحابة كذلك الذين نأوا بأنفسهم عن الخلاف وكان معاوية قد اتصل بهم وكانت الردود ما يلي: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رد على معاوية قائلاً «إن الرأي الذي أطمعك فيّ، هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه، وإني ما تخلفت عن علي لطعن مني عليه، فلعمري ما أنا كعلي في الإيمان والهجرة، ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكايته بالمشركين، ولكن حدث أمر لم يكن لي فيه من رسول الله عهد، ففزعت فيه إلى الحيدة فاكفف عنا نفسك. أما سعد بن ابي وقاص فقد جاء رده لمعاوية بهذه الكلمات.
إن هذا أمر كرهنا أوله وكرهنا آخره، أما طلحة والزبير، فلو لزما بيوتهما لكان خيرًا لهما، والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت، وما كنت لاقاتل عليًا، وقد سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول له: انت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي» أما محمد بن مسلمة فقد كتب لمعاوية يقول:

«وأما أنت، فلعمري ما طلبت إلا الدنيا، ولا اتبعت الا الهوى، فإن تنصر عثمان ميتاً فقد خذلته حياً، ولئن كنت أبصرت في الأمر خلاف ما تريد، فما خرجت بذلك من نعمة ولا صرت إلى شك، وإني لأدرى بالصواب منك!! وقد عكست هذه الفتنة مشاهد عظيمة وبطولة أخلاق تجلت في تصرفات الإمام علي كرم الله وجهه! في صفين حيث التقى الجمعان كانت تلك المشاهد التي رواها التاريخ ولم نأخذ العظة والعبرة منها في صراعنا السياسي، بلغ معاوية بجيشه شرقي الفرات واحتل الطريق الوحيد الذي يُفضي إلى النهر وأقام عليه عشرة آلاف فارس ليمنعوا جيش علي عن الماء، ارسل الإمام لمعاوية رسالة يذكِّره فيها بشرف القتال فرفض، انتبهوا حتى القتال له شرف، فأرسل الإمام جيشاً كنس قوات معاوية كنساً عن طريق الماء وصار الأمر كله بيده..!! بعد هذه الهزيمة دار حوار بين معاوية وعمرو بن العاص، سأل عمرو معاوية ما ظنك بالقوم اليوم يا معاوية أن منعوك الماء كما فعلت بالأمس؟ فرد معاوية سائلاً: دعك مما كان يا عمرو، ولكن اتظن عليًا يصنعها؟ وهنا جاءرد عمرو: ما أظن عليًا يستحل منك ما استحللت منه فإنه لم يأت ليفطمك بل جاء لأمر آخر. القرآن دائماً كان رفيقاً للإمام علي كرم الله وجهه فعله ذكر وصف المولى عز وجل «رحماء بينهم» فكان رحيماً وأصدر أوامر عسكرية قوية ولكنها كانت تشع رحمة.. وهي أوامر حري بها أن تدرس في كل الاكاديميات العسكرية، كل أمر فيها بدأ بلا الناهية..!! لا تمنعوا جيش معاوية عن الماء فو الله ما كان الكفار من الفرس والروم يفعلون ذلك. لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم، فإنكم بحمد الله على حجة وترككم اياهم يبدءونكم حجة أخرى عليهم. إذا قاتلتموهم فهزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح ولا تمثلوا بقتيل. إذا وصلتم إلى رحالهم، فلا تهتكوا سترًا، ولا تدخلوا داراً بغير إذن ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً». ولا تقربوا النساء بأذى وإن شتمنكم وشتمن أمراءكم وصلحاءكم.. وجاء تاج الاوامر العسكرية امراً سماوياً واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون» ارأيتم شرف القتال ونبل الخصومة في الإسلام، هل قرأتم في التاريخ أو السيرة أن أصدر الإمام علي فتوى بتكفير من قاتله ولو اصدرها لما اعترض عليه أحد ولكنه كان دائماً مستحضراً الآية الكريمة والصفة التي تحلى بها الرسول الكريم ومن معه أشداء على الكفار رحماء بينهم!! إننا لم نأخذ العبر والدروس في الفتنة، وهكذا فتنّا في كل شيء وكانت الفتنة القاتلة أن فتنّا في اخلاقنا، فما عاد لخصامنا نبل ولا لقتالنا شرف، وغابت الرحمة عن قلوبنا، وغاب ذكر الله عنا فكيف نفلح؟!!

صحيفة الإنتباهة [/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. طبعا ما ذكر في المقال ليس بخافي علينا السيرة النوية وسيرة الصحابة تردد بانتظام وكان الزمن توقف بعدهم ولكن لم تؤخذ العبر والمواعظ اصبحت تاريخ يتاثر بها البعض عند سماع الحديث اما ما يوجه من مشكلات لا يعتبر بالتاريخ وانما الشيطان يملي له ما يهزم ويضعف به خصمه الغاية تبرر الوسيلة ومن الفنته ان يتخذ فقه الضرورة حتي يعتقد انه علي صواب …………الخ