تحقيقات وتقارير

الحجاز ليهو عكاز


يستعمل السودانيون أنواعاً مختلفة من العصي والعكاكيز تختلف في حجمها ووزنها وشكلها وطريقة استعمالها، وما يجمع بينها كلها أنها مصنوعة من خشب أشجار «الأكاشيا» الشوكية التي تنتج الصمغ العربي على امتداد حزام السافنا، وأفضل العصي والعكاكيز ما يُصنع من شجرة السيال والسلم ويليها السنط والطلح وحتى شجرة الكتر واللعوت تعطي أنواعاً من العكاكيز المرغوبة والمطلوبة للصغار والكبار.
وللعصا استعمالات كثيرة كما قال سيدنا موسى عليه السلام «هي عصاي أتوكأ عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى»، فليست وظيفة العصا أن تكون«بدل دركسون» لتوجيه الحمار أو الثور والجمل والأغنام، ولكن يمكن استعمالها في الدفاع عن النفس، وفي هذه الحالة يسمونها «العكاز»، والبعض يعمل على تقويتها بإضافة «الضبة»، وهي لبّاس من جلد ذنب الثور القوي يكسو العكاز أو جزءًا منه حتى لا يتشقق ويكون آلة قوية للدفاع عن النفس عند الدخول في المشاكل.
وكثيرون يعرفون أن منطقة الجعليين تُشتهر بأنواع العكاكيز «أم ضبة» والعصاية «السرهيت»، وهناك عصاية غليظة جداً في شمال السودان تتأثر بالثقافة المصرية ويسمونها «النبوت»، وهي غليظة يحملها «البلطجية» أو «البلاطجة» و«الشبيحة» لزوم القتال العنيف.. وفي أرض الجعليين حتى بعض النساء لديهنَّ نوع من العكاكيز للدفاع عن النفس.
ثم إن هناك عصا «حنكوشة» صغيرة الحجم والوزن تُستعمل فقط إما لقيادة المركوبات مثل «الحمير أو الحصين» والبعض يُطلقون عليها اسم «الحدّاثة» لاستعمالها أثناء الحديث لرسم الخطوط والمربعات على الأرض لتساعد المتحدِّث على التركيز من ناحية ولتشتيت أفكار الطرف الآخر ولإعطاء نوع من الأهمية والسلطوية يساعد على «قيادة دفة الأمور» لصالح المتحدِّث، ومثل هذه العصا الحنكوشة يسميها البعض «عصاة العز» فهي لا تساعد على القتال لأنها تنكسر أمام أول ضربة وهي بهذا مجرد عصاة افتخار، وقد تسمع من أحدهم وهو يصف شخصاً آخر بأنه «عصا» وهذا يعني أن ذلك الشخص يظهر فقط عند الأمور السهلة ويغيب عند النوائب وبالتالي فهو عصا ليست للقتال، ولكن يمكن للاستفادة منه لأغراض الوجاهة، وقد ظهرت عصاية البسطونة وكذلك العصي الصينية الصنع مؤخراً. وأهلنا من مشايخ الطرق الصوفية لديهم أنماط وأشكال من العصي حتى إنه يمكنك في بعض الأحيان أن تتعرف على طريقة الرجل من شكل عصاه وحجمها.. وحتى أئمة المساجد فلديهم العصا أم «جنكول» و هي عصا طويلة تنتهي في الغالب بشكل مثلث.
ونخلص من المقدمة الطويلة جداً حول العصي والعكاكيز أن أهلنا السودانيين كلهم وبدون فرز سواء كانوا في المدينة وفي القرية يحتفظون على أقل تقدير بعصاية أو ثلاثة عصي في كل دار لاستعمالها للأغراض التي ذكرناها سابقاً، ولكن دائماً ننسى أن هذه العصي والتي يبلغ عددها حوالى ستين مليون عصاية وعكاز والتي يتم استبدالها كل عامين تقريباً يتم الحصول عليها من غابات وأشجار الطلح والسلم والسنط والكتر واللعوت والسيال أو بقية الثلاثين نوعاً من أشجار الأكاشيا التي وجَّه السيد رئيس الجمهورية بزراعة «15%» من كل مشروع زراعي مطري و«10%» من كل مشروع مروي بالغابات المنتجة وخصوصاً أشجار الطلح والهشاب وإذا علمنا أن وزن العكاز يمكن أن يكون في حدود واحد كيلو جرام في الحد الأدنى فهذا يعني أن ستين مليون عكاز وزنها يصل إلى ستين مليون كيلوجرام من الحطب أي بطريقة أخرى ستين ألف طن وهذه تعادل ثلاثمائة ألف شجرة بالتمام والكمال نقطعها كل عامين لتوفير عكاكيز الشعب السوداني ليستعملها في أغراض «الشّكل» و«القتال» و«فرتكة» الدلاليك والحفلات أو الدخول بها في حلقات الصراع حجّازين..
ومؤخراً صار أهلنا «الصينيون» يصنعون لنا عكاكيز من الحديد الخفيف ويستعملها أهل الراحات والوجاهات.. وسعر العصاية زهيد جداً «ثلاثة جنيهات» على أنها قابلة للكسر وهي لا تُسعمل لأغراض القتال و«المضاربة» ولكنها «للونسة ساكت» وهي عبارة عن عصاة عز.
وطبعاً ليس جديداً أن نذكركم بأن أهلكم في الصين يصنعون لكم الطواقي والعمم «المفلفلة» والجلاليب العادية والأنصارية والعراريق والسراويل القصيرة والطويلة وحتى النعلات الملونة والشباشب وحتى جلاليب وشالات الجرتق» ولم يبقَ لهم غير أن «يحننونا» في الأيدي.. تُرى متى يمكن توطين هذه الصناعات البسيطة جداً عندنا بالداخل.. متى نلبس مما نصنع؟..

صحيفة الانتباهة


تعليق واحد

  1. بالأمس حدثتنا عن ( البنابر) و اليوم حدثتنا عن (العكاكيز) حديثا لا يسمن و لا يغنى عن جوع. حديث العلم به لا يفيد و الجهل به لا يضر . إن كان الدافع لمثل هذه الكتابات هو عدم ترك العمود فارغا فو الله هو أهون علينامما قرأنا . و على الرغم من فراغ الموضوع خصوصا موضوع البنابر إلا أن فيه من التزييف للحقائق ما لا يخطئه القارئ . مثلا كل أسرة تمتلك خمسة بنابر, و البنمبر يجدد كل كم كدة ما عارف .
    يا من تحصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة الخرطوم و ليس من أي جامعة أخرى ! أري أن تنصرف الى ما ينفع الناس لا الى ما يذهب جفاء.