جعفر عباس

يستمدون الأهمية من هواتفهم


يستمدون الأهمية من هواتفهم
كتبت اكثر من مرة هنا قائلا إنني لا أستخدم الهاتف الا للضرورة القصوى، وليس مرد ذلك الحرص على توفير المال عوضا عن إهداره في كلام جلّه فارغ – فنحن في دولة قطر لا ندفع رسوما نظير المكالمات المحلية من الهواتف الثابتة الأرضية، ومع هذا فإنني لا اتصل بأحد في قطر إلا لأمر ذي بال – ولكن مرده أنني أرى ان الهاتف اصبح أداة للتنصل من روابط الرحم والدم والصداقة والجيرة باللجوء الى النفاق اللاسلكي: كيف أحوالك ..شهرين ما شفناك..حبينا نطمئن عليك!! لو كنت فعلا معنيا بأمري لضحيت بالحلقة التاسعة من المسلسل التركي الركيك وزرتني في بيتي أو دعوتني الى كوب شاي في بيتك.
وكل هذا كوم وان تعطيني رقم هاتفك ثم لا ترد على مكالماتي كوم آخر، ومؤخرا انتشر البريد الصوتي في الهواتف الثابتة والجوالة، واصبح من الوجاهة ان يحول الناس هواتفهم الى البريد الصوتي لاعطاء الانطباع بان صاحب الهاتف «مُهم» ومش فاضي وكثير المشغوليات! حسنا اعترفنا بانك شخص مهم ولا ترد على كل المكالمات ولكن رجاء لا تعطني رقم هاتفك مجددا لأنني سأشطبه من ذاكرة هاتفي الجوال ومفكرتي (عندي مفكرات صغيرة فيها أرقام أشخاص منذ نهاية الحرب العالمية الأولى) وقد عانيت خلال الايام الماضية من اتصالات أجريتها بعدد من الأصدقاء، فاذا بهم جميعا اصبحوا بين سحور وفطور من كبار الشخصيات: هذا الهاتف محول الى البريد الصوتي يرجى إدخال رقم البتاع، او ترك رسالتك، طبعا لا يمكن ان اترك رسالة لأنني لا احب ان أتحدث مع جماد، وقبل بضع سنوات كان لي زميل في المكتب لاحظت انه يقوم بتغيير صوته عند الرد على المكالمات ويقول عن نفسه انه غير موجود وكان صاحبنا يملك عملا خاصا في مجال بائس وكان يقول انه لا يليق برجل الأعمال ان يعطي الانطباع بأنه موجود دائما وبالطبع فقد فشل في العمل التجاري واصبح متخصصا في ذم التجار. (بصراحة عندي عقدة قديمة مع المكالمات المسجلة نشأت عندما ذهبت الى لندن أول مرة وأجريت اتصالا هاتفيا وظل صوت نسائي يقاطعني بانتظام، فشتمتها في محاولة لإسكاتها وفشلت .. وفهمت لاحقا أنني كنت أتشاجر مع شريط تسجيلي).
وللأهمية أشكال أخرى، فقبل عدة سنوات استفز هدوئي في قيادة السيارة شابا، اعترض طريق سيارتي وأرغمني على الوقوف، ثم نزل من سيارته وتهكم على طراز وشكل سيارتي وكانت سيارته جديدة تلمع، بينما كانت سيارتي في نظري من طراز «بوينج»، فقلت له: أتحداك..نخرج كلانا أوراق ملكية سيارتينا ولو لم يتضح ان سيارتك مرهونة بنسبة 85% فسأحول سيارتي الى بيت دجاج، ولأنني أفحمته فقد لجأ الى الحيلة القديمة وهي الإيحاء إلي بانه شخص مهم، فقلت له لو كنت مهما فعلا لما احتجت الى إبلاغ الناس بأهميتك، وهنا طلب مني ان ألقي نظرة على رقم سيارته فسألته: كم دفعت فيه؟ فأعجبه السؤال وقال انه دفع فيه مبلغا من خمس خانات فقلت له: لو كنت مهما فعلا لجاءك الرقم المميز من دون ان تدفع فيه فلسا وأنت على أي حال تستمد أهميتك من طراز ورقم السيارة وعليه فإن مجادلتك عبث لا يليق بشخص «مهم» مثلي..كاد المسكين ان يموت من الغيظ ولكنه انهزم كما مرسي ابن المعلم زناتي! كم هو ممتع ان تمسح الأرض بغرٍ مغرور.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد

  1. مساء الخير يا ابو الجعافر كلامك وجيه بس نحن ماقاعدين ندفع شهريا 33 ريال لكيوتل رسوم للتلفون الارضى تكلمت او لم تتكلم وهل كنت بتتكلم باكثر من ذالك شهريا ام تكلمت من باب انك معفى من الرسوم