رأي ومقالات

نجوى مداوي : نيفاشيون لا إسلاميون ..!!

[JUSTIFY]ما كنا نريد الحديث عن اتفاق نيفاشا إلا بالقدر الذي يبين استغلال وجودها اليوم المخططات التآمرية على السودان عقيدة ودستورًا وحكمًا، قصدنا من ذلك تسليط الضوء على هذا الدور باعتبارها مظلة قانونية بحكم الدستور يمكن أن يفرض من خلال الالتزام بها الكثير من الإجراءات في الحكم، والدستور، والقضايا الداخلية العالقة، لتجعل أشواق السودانيين التي امتدت لتأريخ طويل في العمل الإسلامي من أجل الاحتكام إلى شريعة الله من الأماني المستحيلة.. وليس ترها عندما نقول إن نيفاشا انتهت كاتفاقية بانتهاء الاستفتاء في جنوب السودان وتقرير المصير، وانتهت بانتهاء المدى الزمني الذي جاء نصًا فيها ست سنوات من تأريخ التوقيع ونيفاشا انتهت كذلك؛ لأن الطرف الموقع مع حكومة السودان فيها لم يعد موجودًا. وبذلك تصبح برتكولات نيفاشا من المواثيق غير الملزمة (اليوم) على الشعب السوداني. حتى في مسألة القضايا العالقة مثل قضية أبيي كان المأمل وفق الجدول الزمني في الاتفاقية أن يقوم استفتاء متزامن في أبيي مع استفتاء الجنوب وبصورة منفصلة لولا التعقيدات التي صاحبت قضية أبيي.. وإن نظرتنا لهذه التعقيدات يكتنفها الكثير من الريب للدور الذي يعلمه الجميع للمبعوث الأمريكي (جون دان فورث) في ما قدمه من مقترح للتوزيع السكاني باثنياته والتقسيم السياسي والإداري في المنطقة والتي اعتمدها المفاوضون من الجانبين وأصبحت المبادئ التي أخذ بها في قضية أبيي في المسألة السياسية والاجتماعية ولا نستبعد ما لهذا الدور من تأثيرات لاحقة أدت إلى الاختناقات التي أخرت معالجة قضية أبيي. (مبادئ الاتفاق بشأن أبيي ص 73 البند 1 تقرأ مع الهامش). ولا نزيد في مسألة أبيي أكثر من هذا ولكن ما يهمنا هنا مسألتين داخليتين تلقيان بظلالهما على كل سوداني تلكما هي استمرار توصيفنا لتمرد قطاع الشمال للحركة الشعبية وربطه بتوصيفات نيفاشا في مسألة جنوب كردفان والنيل الأزرق، والمسألة الثانية هي قضية الدستور القومي الدائم.

إن الإصرار على معالجة الإشكال الأمني في جنوب كردفان والنيل الأزرق على أنها قضايا عالقة من اتفاق السلام الشامل إنما هو إصرار على الإبقاء على النزاع بالتوصيف الذي يسير على نسق المخطط التآمري المستمر الذي يهدف إلى تقسيم السودان. وفي ذلك أن الحديث على اعتماد المشاورة الشعبية كأساس للحل في (الواقع الحالي) إنما هو تجهيل للناس بنصوص الاتفاقية التي كانت إيجابية في الترتيبات التي جاءت في هاتين الولايتين ولصالح وحدة السودان على خلاف ما توقعه الآخرون، ولو تعمقنا في هذا التحليل لوجدنا أن هذا هو سبب تمرد قطاع الشمال للحركة الشعبية بعد الانتخابات. ولكن لنرى ما تقوله الاتفاقية في مسألة المشاورة الشعبية، تقول في (البند 3 ـ 1) من الاتفاق لحل نزاع جنوب كردفان والنيل الأزرق الآتي:( على أن المشاورة الشعبية حق ديمقراطي وآلية لتأكيد وجهة نظر مواطني الولايتين جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق بشأن اتفاقية السلام الشامل الذي تم التوصل إليه بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان) انتهى.. وتقول أيضًا في البند (3ـ 2): (تخضع الاتفاقية الشاملة للإرادة الشعبية في الولايتين عن طريق ممثليهم المنتخبين بصورة ديمقراطية في المجالس التشريعية) وكذلك البند (3ـ3) يتحدث عن قيام لجان برلمانية في المجلسين لتقديم تقريرهما بحلول العام الرابع للاتفاقية للمجلسين.. والبند (3ـ4) يتحدث عن لجنة مستقلة لتقويم تنفيذ الاتفاقية في الولايتين حتى يتم تصحيح المسار.. أما البند (3ـ5) فيقول نصًا: (عندما يعتمد الشعب هذا الاتفاق من خلال المجلس التشريعي لأي من الولايتين ويرى أنه يحقق تطلعاته عندئذ يصبح الاتفاق تسوية نهائية للنزاع السياسي في تلك الولاية) انتهى.. هذه هي البنود الأساسية للمشاورة الشعبية كما جاءت في الاتفاقية ص ـ 80 النسخة العربية. ولا نشك أن هذه البنود جاءت هكذا في ذلك الوقت على خلفية قراءة خاطئة لواقع الحال القائم من (مجموعة تقسيم السودان) فيما ستؤول إليها المشاورة الشعبية من خلال المجالس التشريعية في الولايتين ولعله كان أمل الدخول بالولايتين في نفق الجنوب لينتهي بطلب تقرير المصير. ولعل البند (3 ـ 6) يفسر لنا ذلك الظن حيث تحدث عن قيام تفاوض مع الحكومة القومية مع أي من المجلسين في حال رأى قصورًا. وحدد القصور الواجب النظر في (الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية). ولكن تبين أن شعب الولايتين قد خيب آمال كل المتآمرين على وحدة السودان بتجاوزهم لهذا المخطط على الرغم مما مارسته الحركة الشعبية في الولايتين من محاولات لمصادرة هذه الإرادة الشعبية أيامها. وجاءتهم خيبة الأمل هذه، من خلال المجالس التشريعية المنتخبة التي تمارس العمل السياسي بتفويض انتخابي يعلمه الجميع وهو واقع يؤكد أنه لم يعد هناك نزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بالصورة التي تصلح فيها نيفاشا أساسًا للتوصيف.. أما إذا كانت هناك قضايا جديدة تتعلق بحياة المواطن أو المسائل الأمنية في أي من الولايتين فإنه واجب وطني والتزام أخلاقي أن تسعى الدولة في حلها مثلها ومثل أي مشكلات مشابهة في السودان دون توصيف هذا الإشكال توصيفًا يرتبط بنزاع مع الحركة الشعبية كما في نيفاشا، وأن أي محاولة للرجوع إلى مربع التعريف القديم للإشكال الأمني في جنوب كردفان والنيل الأزرق يجعلنا ننظر إليه بريبة بالغة؛ لأنه لا يعدو إلا أن يكون محاولة لتكريس التآمر على تقسيم السودان.. وأن محاولات النفخ في جلباب الحركة الشعبية قطاع الشمال ليتفاوض في هذه القضايا، هو تجاوز للإرادة الشعبية التي عنتها الاتفاقية.. لأن البرتكول في زمنه لم يعطِ الحركة الشعبية هذا الحق بل إن قطاع الشمال الذي تمرد على النظام لا يعطي نفسه الأهلية في ذلك؛ لأن مفوض هذا القطاع لا ينتمي لأي من الولايتين إذا نظرنا للأمر بذلك المنظار الضيق. وإذا نظرنا بعقلية لهذه المسألة نجد أن مخرجات الانتخابات السابقة في المجالس التشريعية والمجلس الوطني من هذه المناطق هو تأكيد على التمسك بوحدة السودان الحالي والمثابرة على الحلول القومية التي تنتهجها الدولة اليوم. فهل بعد هذا يكون تمرد الحركة الشعبية قطاع الشمال على خلفية نزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ؟؟.

أما في مسألة الدستور والحكم فإن الأمر يحتاج إلى توضيحات هادئة أولاً للتأثيرات الحالية في بقاء الدستور الانتقالي كإطار فاعل في هذه المسألة وفي مسألة الدين والدولة. لا ينكر أحد أن هذه الاتفاقية قد خرجت من تحت فوهة البندقية، ولا ينكر أحد أن أماني السودانيين يومها كان ضرورة إيقاف نزيف الدم بسبب قضية الجنوب.. ولكن نعلم أنه عندما تكون هناك بندقية فإن خيارات المناورة تكون ضيقة جدًا ولكن أيضًا نرى أن حديثًا كتب في أكثر من مائتين وخمسين صفحة عربية هي حجم الاتفاقية مكتوبة يمكن أن تعطينا خيارات أفضل في قضية الدين والدولة تهيء لنا مخرجًا إلى نظام حكم يعبر عن وجداننا بعد انتهاء عهد الاتفاقية.. فلو كانت الاتفاقية قد انتهت بانفصال الجنوب فإن ذلك كان الخيار الأوحد الذي سعى له المفاوض الآخر مع الأيادي الداعمة له.. لا نقول إن السودان لم يتأثر بذلك الحدث فلقد كان ثمنًا باهظًا في نظر الكثير من السودانيين.. إلا أن ما تدور حوله الاتفاقية في حال كانت الوحدة هي الخيار في مسألة الدستور ونظام الحكم فإنه أبلغ أثرًا وأكثر ضررًا على هوية السودان الاجتماعية والثقافية ولعلنا بهذا المفهوم نقول إن الانفصال كان هو الخيار الأفضل لديننا ودولتنا طالما الاتفاقية كانت هناك ولأن ما سيأتي بعد ذلك مقيد في حال إذا كانت الوحدة هي الخيار. لكن نرى أن هذا الأثر ما زال يتهددنا ما دمنا قد تركنا هذه الاتفاقية تصاحبنا حتى بعد انقضاء أجلها (ست سنوات أو الانفصال).. وحتى لا يكون حديثنا هذا مردودًا فإننا نستفتي نصوص الاتفاقية في هذا؛ لأنه في الجزء (أ) تحت عنوان المبادئ المتفق عليها في البند( 1ـ5ـ 1) تشير الاتفاقية إلى قيام نظام ديمقراطي للحكم يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنس واللغة والمساواة بين الجنسين. وهو مبدأ مستمر في حال لو حدثت الوحدة. أما في مسألة حقوق الإنسان والحريات الأساسية فلقد استغرب الكثيرون من المحاصرة القانونية التي عاناها المجتمع السوداني المحافظ في الفترة الفائتة من قبل قوانين الأمم المتحدة في المرأة والطفل حتى كادت تتهدد كيان الأسرة السودانية بالتفكك.. هذا الاستغراب يفسره لنا نص الاتفاقية في الفصل الثاني (البند 1ـ 6 )الذي يقرأ كالآتي:( (تقر الاتفاقية أنها تقوم على أساس المعاهدات الدولية في الحقوق السياسية والمدنية ورفض التمييز العنصري والاسترقاق والتمييز ضد المرأة وحقوق الطفل) انتهى. وتنص الاتفاقية كذلك على ضرورة سعي السودان إلى التصديق على كافة المعاهدات التي تنص على حقوق الإنسان هذه وأن يتم تضمين ذلك في الدستور. (وهذا ما تم )!! وعندما نقول إن الدستور القادم محكوم بإجراءات نيفاشا (إن لم تلغَ) فإننا نقرأ روح ذلك في الجزء (ج) (ص5) تحت الدين والدولة وتقرأ كالآتي (إقرار بأن السودان بلد متعدد الثقافات متعدد الجنسيات ومتعدد الأعراق ومتعدد الديانات ومتعدد اللغات وتأكيد بأن لا تستخدم الديانة كعامل للفرقة) وفي الجزء (د) ص 7 بند3ـ 1ـ5 (الذي وضع لحماية دستورها): لا يعدل الدستور أو يلغى إلا عن طريق إجراءات خاصة وأغلبيات مؤهلة بقية حماية اتفاق السلام. (لا ينكر علينا أحد أننا ما زلنا نعمل بدستور نيفاشا الانتقالي وفي ذلك فإن أي إطار قانوني لدستور قادم يقوم وفق أحكام هذا الدستور (ما لم يلغَ) وتشير الاتفاقية إلى ذلك صراحة تحت عنوان القانون الأعلى (بند 3ـ 1 ص7) الذي يعرَفه في موضع آخر على أنه الدستور القومي والبند (3ـ1ـ1) يوضح تفاصيل أحكام هذا الدستور وسلطاته وتقر الاتفاقية في هذا أن المراجعة الدستورية لا تتم إلا وفق أحكام الدستور الانتقالي التي تحدثت عن مفوضية تمثيلية في البند (2ـ 12ـ 4ـ 3) بأن تضم ممثلي الأحزاب بما في ذلك الطرفين والقوى السياسية الأخرى والمجتمع المدني لتقوم وفق البند (2ـ 12ـ 5) بإعداد الإطار القانوني للدستور وتتطلع بمراجعة دستورية شاملة تؤكد فيه التعددية السياسية والثقافية.. إلخ. وبعد كيف نعرَف نظام الحكم الذي تشير إليه الاتفاقية بعد ذلك بحكم الدستور؟؟ وهل نتوقع من ماعون بهذا التشكيل ليعبر لنا عن الوجدان الإسلامي؟. لا شك أن الاتفاقية نجحت بوضع السودان في إطار قانوني وفق أحكام الدستور الانتقالي ليصبح دولة علمانية في حال ما إذا تمت الوحدة أما إذا حدث الانفصال فتظل القضايا العالقة والنزاعات المتبقية و(نيفاشا) والتشكيلات السياسية المتآمرة على عقيدة السودان ووحدة أراضيه كفيلة بأن تباعد بين السودانيين وأشواقهم في الحكم والدستور الإسلامي.. وبعد هل نظل نبقى على نيفاشا بل أكثر من ذلك نحاول ابتعاث الروح في الحركة الشعبية في قطاع الشمال لنفاوضه بها.. لا شك أننا نحتاج وبصورة عاجلة إلى توصيف دقيق لقطاع الشمال ويكون أفضل لو يأتينا ذلك من مواطني النيل الأزرق وجنوب كردفان ومن خلال منبر الإرادة الشعبية. إذا حدث ذلك فإنه سيسقط في يد أمريكا مخلب الـتآمر الجديد الذي تغذى فيه لتدفع به إلى مائدة مفاوضات حل النزاعات من أجل الاستعمار الجديد لتملى علينا نيفاشا أخرى ولا شك كذلك أن مثل ذلك التوصيف سيكسر الرابط لحكماء نيفاشا بين هذا الإشكال الأمني ونفق الجنوب. ونحتاج كذلك إلى أن يفهم الناس أنه ما عادت هناك (نيفاشا يناير 2005) بعد انفصال الجنوب وانقضاء عمرها الذي قررته عند التوقيع وبالتالي لم تعد مرجعًا لحل الإشكال في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأن الإصرار على توصيف ذلك بفقه نيفاشا هو المشي في ركب المخطط على تقسيم السودان.. وإننا نحتاج أكثر أن تتفهم قياداتنا بأن بقاءنا نيفاشيون سيحرم السودان من دستور يعبر عن وجدانه المسلم .

صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. اخشوشنوا فان النعم لا تدوم يا اولاد نيفاشا
    اخشوشنوا و اعدموا التمرد و حاسبوا العملاء
    من لطخ يده بدم شعبك لن ينفعك ابدا و حتي
    لو اسكنتوا ابراجا مبرجه او ادخلتو القصر