رأي ومقالات

د. عبد الماجد عبد القادر : قصة أولاد فرحين مع العقرب

[JUSTIFY]أولاد فرحين عددهم عشرة بالتمام والكمال.. وهؤلاء العشرة أولاد لا يتفقون على أمر واحد إلا بعد «تلتلة» ذلك لأن «رأسهم قوي».. ويصعب إقناعهم بسهولة.. ويقال إن أحد أولاد فرحين كان ذات يوم يبحث عن «الجراب» في المخزن.. وبالطبع لأولاد نمرة اتنين وقاردن سيتي نقول إن الجراب هو عبارة عن ماعون أو إناء من جلد الحيوان سواء كان الحيوان خروفًا أو عتودًا.. ويُستعمل لأغراض حفظ الدقيق والسكر والبن وبعض الحاجات الأخرى الخفيفة.. ويستعمله أهلكم العرب ــ في الخلاء ــ ولا يُستعمل في المدن حيث انعدمت الحاجة لأمثاله من الأدوات.. والمهم أن ولد فرحين الكبير وجد الجراب وأدخل يده في داخله ليطمئن إلى أنه غير مقدود.. ولسوء حظه كانت هناك عقرب «لابدة» في قعر الجراب فلدغته في أصبع يده اليمني.. وولد فرحين صار يكورك ويتلوَّى من الألم ونادى إخوته التسعة كلهم فحضروا إليه لنجدته.. وبالطبع قال لهم إن العقرب لدغته وهي تقبع في مؤخرة الجراب.. وجاء الأخ الثاني وهو يتساءل عن نوع العقرب وحجمها وطريقة لدغها لأخيه.. وأدخل يده في الجراب.. والعقرب بالطبع لدغته هو الآخر.. ثم جاء الثالث وأصر على إدخال يده في الجراب فلدغته أيضاً.. وأصر الرابع على التأكد من الأمر ووجود العقرب فلدغته كذلك.. ثم جاء الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر وكلٌّ منهم يُدخل يده في الجراب ليتأكد له أن هناك عقربًا وأنها موجودة وأنها تلدغ.. وانتهى الأمر بأن العقرب لدغت أولاد فرحين العشرة «واحد واحد» ولم تغادر منهم أحداً ولم تترك أياً منهم قبل أن تذيقه ما أذاقته لإخوانه الآخرين.. وما يحدث لنا في السودان من دولة الجنوب لا يختلف كثيراً عن قصة العقرب مع أولاد فرحين.. فقد لُدغنا من الجنوب منذ الأربعينيات ولم نصدق ولُدغنا منهم في تمرد توريت عندما قتلوا أهل الشمال في الجنوب بدم بارد، ولُدغنا منهم طوال فترة الفريق عبود ولم نصدق، ولُدغنا منهم فترة الحكومة الانتقالية الأولى ولم يصدق بعضنا.. ولدغنا منهم في زمن أنانيا واحد وأنانيا أتنين بالتمرد وتدمير المقدرات والتعاون مع اشتاينر الألماني والمنظمات الاستعمارية ولم يصدق بعضنا.. ولُدغنا منهم عندما قام قرنق بتكوين الحركة الشعبية وقال إنها سوف تحرر كل السودان.. ولُدغنا منهم عندما تعاونوا مع المعارضة الحزبية التي أكلوا أموالها ودعمها وتركوها في «السهلة».. ولُدغنا منهم أيام الحكومة العسكرية الانتقالية الثاناية التي سموها «مايو تو» ولُدغنا منهم في الديمقراطية عندما كان الصادق المهدي رئيساً للوزراء وعندما كانوا يقتلون المدنيين ويحتلون المدن ومن بينها الكرمك وقيسان وعندما أسقطوا طائرة الخطوط السودانية بمن فيها من المواطنين.. ولُدغنا منهم عندما تواثقوا مع المعارضة الحزبية لإسقاط نظام الإنقاذ في السودان.. ولُدغنا منهم عندما احتلوا المدن وقطعوا الطرق ودمَّروا المصانع والمزارع وإلى حين أن وقَّعت معهم الحكومة اتفاق السلام «تاع نيفاشا».. ولُدغنا منهم عندما اعتقدنا «أنهم سوف يكونون مع الوحدة ولكنهم كانوا مع الانفصال وصوتوا له بنسبة «99%» ولُدغنا منهم عندما قال قائلهم «باي باي لوسخ الخرطوم، باي باي للإسلام باي باي للعروبة باي باي للمندكورو».. ومع كل ذلك لم نصدِّق أن العقرب تُصر على لدغنا وفي كل مرة نُدخل أيدينا في جراب دولة الحركة الشعبية ونحن نعلم علم اليقين أنها عقرب وأنها سامَّة وأن وراءها الصهاينة والأمريكان والمستعمرين الفرنجة.. ثم لدغتنا الحركة الشعبية وهي تحتل أراضينا من كردفان والنيل الأزرق ودارفور ولدغتنا وهي تحرق آبار النفط.. ولدغتنا وهي تغلق أنابيب البترول تحت شعار «عليّ وعلى أعدائي»..
ومع كل ذلك يزورها رئيسنا أول من أمس إبداءً لحسن النية ومداً لأيادٍ بيضاء ويعلن عن فتح المعابر ليأكلوا ويشربوا ويعلن عن ترحيل البترول لتنفرج أزماتهم ويعلن عن التزام السودان بمنح الجنوبيين «الحريات» الأربع ويعلن عن تنفيذنا المصفوفات التسع ويقول إن كل ذلك عبارة عن مقدمات وإن «بكرة أحلى».
في هذا الوقت.. وهذا الوقت بالذات، وبينما الرئيس البشير يمسك بالمايكرفون أول أمس معلناً ما ذكرناه كانت قوات الجيش الشعبي تقصف مدينة كادوقلي عاصمة جنوب كردفان وتقتل النساء والأطفال والشيوخ وتحرق المنازل والمواشي.. ولا نحتاج بالطبع إلى درس عصر حتى نفهم أن القصف قامت به الفرقة التاسعة التابعة للجيش الشعبي.. وهي أخت الفرقة العاشرة وهي تابعة للجيش الشعبي.. والجيش الشعبي يتبع لحكومة الدينكا في جنوب السودان والجيش الشعبي هدفه الرئيسي هو «تحرير السودان» والفرقة التاسعة والعاشرة كان يجب أن يتم تفكيكها قبل أن نحشو أفواه الجنوبيين بالطعام ونفتح لهم المعابر وقبل أن نفتح لهم أنابيب البترول..
وبهذا نكون نحن في السودان مثل أولاد فرحين العشرة الذين لدغتهم عقرب واحدة وما زالت تلدغهم واحداً تلو الآخر ولا يريدون أن يفهموا ما نقول مع أننا نُشفق عليهم ونخاف عليهم بينما يصفنا بعضهم بالحزب الداعي للحرب ونحن والله فقط نخاف على أولاد فرحين من العقرب التي في الجراب..

صحيفة الإنتباهة [/JUSTIFY]

‫3 تعليقات

  1. نحن أولاد فرحين … وهم أولاد كلب ..لكن أولاد الكلب أشطر من أولاد فرحين.

  2. خوفك في محلو ياود عبدالقادر+++الحركة الشعبية عمرها ماعندها امان ديل ناس لايجيدوا شئ في هذه الحياة غير الغدر ونكث العهود وفي كل مرة حكوماتنا تصر علي ان تذوقنا منهم المر -طيب هم وقت دايرين الحريات الاربع منفصلين مالهم -ولايكون بتجهزوا عشان يحتلونا -وااااارد-الله مخير عليك ياوطني العزيز .

  3. يا دكتور اقعد في الواطه وبطل الشحن العنصري، فالجنوب لن يرحل الى ما وراء السكا رغم انفك وانف الخال الرئاسي وهو باق كجار جنوبي للسودان الفضل، فلنحسن التعامل مع الجار ايا كان وقد كانت الانقاذ الباطشة تتود القذافي وتتغافل عن اهاناته لها حتى دخل خليل ببندقية القذافي الى امدرمان 2008م كما دخلها غازي صلاح الدين بذات البندقية عام 1976م. الفرق الوحيد هو انه لم يجروء ود مقنعة من كيزان الانقاذ ولا جلاوزتها ليرد الصاع صاعين للقذافي بينما تصدى النميري علنا للقذافي ووقف الى جواره كل الشعب السوداني وجمع قرش الكرامة قرشا قرشا لرد منحة القذافي التي اراد بها اذلال شعب السودان. أما العقرب الحقيقية فهي العنصرية الشمالية التي وقعت اتفاقية اديس اببا ثم انقلبت عليها واتفاق جيبوتي مع الامام ثم انقلبت عليه واتفاق القاهرة وابوجا وابشى وانجمينا ونيروبي واخيرا وعود البشير بالحوار وفتح قنوات التواصل المجتمعي والافراج عن السياسيين “الستة” ليهزمه جهاز الامن و”المخابراط” بمصادرة الصحف كالاهرام واقالة النور احمد النور من الصحافة واستدعاءات مراسل الجزيرة للتأديب، ليتضح اخيرا بان كل ذلك ما هو الا كاموفلاج للافراج عن “اولاد الانقاذ” الانقلابيين او التخريبيين حسبما يسميهم كل فريق من فرقاء المؤتمر الوثني، حيث وظف الرئيس توظيفا للدور المكلف به في المسرحية. اما قطاع الشمال وغيره من مظاليم تخوم واطراف السودان الفضل فلن يتوقفوا عن المطالبة بالعدل والمساواة الى ان يتم حل قضية كل المهمشين والمدغمسين خارج مثلث حمدي، فلتصوبوا جهودكم لاقرار العدل والمساواة بدل توزيع الاتهامات بالعنصرية والخيانة والعمالة لكل من قال “آه من ظلم ذوي القربى”