رأي ومقالات

الطيب مصطفى : ماذا بعد زيارة البشير لجوبا؟!

[JUSTIFY]دعونا نتجاوز عن كثير من تحفظاتنا على بعض ثقوب المشهد السياسي ونبارك زيارة الرئيس البشير لجوبا وكل ما تمخَّضت عنه من تطبيع ودفء في العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان سيَّما بعد أن رأيتُ في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان البشير وسلفا كير ما أدهشني وجعلني أخرج بانطباع مختلف تماماً عمَّا كنتُ أعتقد وهذا اعتراف مني ربما يكون له تأثير كبير في قراءتي للمشهد السياسي أو قل في نظرتي للعلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان.
لقد رأينا في سلفا كير لأول مرة شخصاً مختلفاً تبدو عليه كثير من مظاهر رجل الدولة فقد كان واثقاً من نفسه قوياً في طرحه متحلياً بكثير من الشجاعة الأدبيَّة والإبانة بل كان الرجل متمكِّناً لدرجة أنه كان يسخر ويتهكَّم مما يُثار من مزاعم ويَضحك ويُضحك الحضور مع سرعة بديهة وتسلسل واستطراد وإحاطة بالملفات التي تم التداول حولها.

لماذا اهتممْتُ بهذا الجانب واعتبرتُه ذا تأثير على المشهد السياسي؟! لأنَّ الناس ــ كل الناس تقريباً ــ كانوا يعلمون عن صراع محتدم بين عدد من مراكز القوى أهمها تيار السودان الجديد بقيادة أولاد قرنق المدعومين من أمريكا وتحديداً باقان أموم كما أن عدداً من جنرالات الجيش الشعبي كانوا يشكِّلون جبهة معارضة لسلفا كير إضافة إلى رياك مشار المنافس في منصب الرئيس.

خلال المؤتمر الصحفي كان صوت باقان ودينق ألور وغيرهما من الصقور خافتاً بينما بدا سلفا كير مسيطراً على الأوضاع بشكل لا ينتطح عليه عنزان وبدا دينق ألور بوجه عابس وكأنه يجر أثواب الخيبة بينما ضاع باقان في زحام ذلك المحفل المحضور.
صحيح أن الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة في جنوب السودان سيئة للغاية لكن تأكَّد أن الكاسب الأكبر من الاتفاق الأخير كان هو سلفا كير الذي يعتبر اتفاق النفط من المكاسب الكبرى التي ستُسهم كثيراً في تخفيف الضائقة الاقتصادية كما أن فتح الحدود وتدفق التجارة من السودان سيكون له تأثير اقتصادي واجتماعي لا يقل بأي حال عن تدفق البترول مما يصب في مصلحة الرجل الذي سيخوض معركة مؤتمر الحركة الشعبية الذي سينعقد خلال الشهر أو الأشهر القادمة.

سأتجاوز عن كل جلايط حكومتنا التي تجيد التراجع والتنازل عما تعتبره ثوابت وتلين وتغيِّر من سياستها بعد أن تفقد الكثير مما كان من الممكن كسبه في وقت مبكر وما قصة الاتفاق حول رسوم نقل البترول التي وافقت عليها بعد تمنع كان الأجدى ألا يحدث طالما أنها ستوافق في نهاية الأمر إلا دليل على مشكلة القرار السياسي في بلادنا هذه المأزومة.
أعني هنا تحديداً مشكلة فك الارتباط التي كانت من الثوابت ولكنها تحولت إلى متغيِّر وهذا دأب حكومة الإنقاذ منذ نيفاشا التي أحلَّت المحرمات الوطنية وأحالت انتصاراتنا السامقة في ميادين القتال إلى هزائم سياسية في مائدة التفاوض ونقلت المعارك من مدن الجنوب الكبرى التي كانت محرمة على الجيش الشعبي إلى الشمال الذي تعصف به الحروب التي يشنها عملاء دولة الجنوب في قطاع الشمال والحركات الدارفورية المسلحة المنضوية جميعها في الجبهة الثورية السودانية.
قارنوا بربِّكم بين حال دولة الجنوب اليوم المستمتعة بالبترول وبالحدود التجارية المفتوحة وبضمانات كبح جماح الحركات المتمردة على سلفا كير وبين حالنا نحن الذين تُحتل أرضنا في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأجزاء متفرقة من ولايات دارفور.

أيهما في وضع أفضل دولة السودان أم دولة جنوب السودان؟! دعونا نصدق سلفا كير الذي أكَّد أنه لن يدعم قطاع الشمال والحركات الدارفورية المسلحة بل إنه قال صراحة في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس البشير إنه طلب من الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم ومن رئيس الأركان قطع أية صلة بين الحركة ومن كانوا أعضاء فيها من السودان.
لا أريد أن أغوص في الإجابة عن السؤال.. هل كان تسليح قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة طوال الأشهر الماضية يتم بدون علم وإرادة سلفا كير؟! بالطبع أرجِّح أن ذلك كان يتم بإرادته وقراره ولكن دعونا نزعم أنه قرر الآن بعد أن أشبعهم وملأ مستودعاتهم بالسلاح واطمأنَّ إليهم وإلى مستقبلهم.. قرَّر أن يتفرَّغ لبناء دولته خاصة بعد أن ضمن مورداً سهلاً وجواراً اقتصادياً وتجارياً واجتماعياً آمناً.

لن أتوقف كثيراً في محطة صواريخ الكاتيوشا التي ضربت عاصمة جنوب كردفان ولا في احتلال قوات مناوي قبل ذلك بيومين لبعض مناطق دارفور لكني فقط أريد أن أعقد المقارنة بين حال دولة السودان العريقة ودولة جنوب السودان الوليدة غداة زيارة البشير لجوبا وأسأل هل شهدت أيٌّ من مدن الجنوب يوم تلك الزيارة أي هجوم أو احتلال لأرض جنوبية؟!
ثمة سؤال آخر.. دعونا نفترض أن سلفا كير سيصدُق هذه المرة وسيفي بتعهداته ويوقف أي دعم للحركات المرتبطة بجنوب السودان سواء قطاع الشمال أو الحركات الدارفورية المسلحة وسيكبح جماح تيار السودان الجديد بقيادة باقان وبعض جنرالات الجيش الشعبي فماذا سيفعل مع موسيفيني… العدو اللدود الذي ظل يحيك المؤامرات ويرعى تحالفات قوى المعارضة المسلحة وأحزاب الغفلة التي وقَّعت ميثاق الفجر الجديد لا لتسقط النظام إنما لإسقاط الدولة السودانية وإعادة هيكلتها بل وصوملتها؟!
ماذا تراه سيفعل مع موسيفيني؟! هل منكم من يصدق أن سلفا كير مستعد لاستعداء يوغندا أو جيشها ورئيسها من أجل السودان بما يجعله يرفض تزويد موسيفيني للحركات المسلحة وقطاع الشمال عبر الأراضي الجنوبية؟! إلى أي مدى يمكن لسلفا كير أن يقف مع السودان في مواجهة من لا يزالون ينتسبون للحركة التي تحكم جنوب السودان؟!
صحيح ما قاله د. أمين حسن عمر أن سلفا كير يقود التيار الواقعي داخل الحركة الشعبية وأن ذلك التيار حقق انتصاراً على تيار السودان الجديد لكن ما لم يقله أمين أن تيار السودان الجديد يعمل الآن داخل الأراضي السودانية ويحقق انتصارات عسكرية على الأرض وأخطر من ذلك فإنه يحقق انتصارات سياسية جراء عجزنا عن حسمه عسكرياً فهل من عودة إلى صيف العبور وإلى ملاحم (الميل 40) ليس في أحراش الجنوب إنما في دار الإسلام (دار مملكتي تقلي والفونج الإسلاميتين)؟!

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة [/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. فى ذات الوقت تم قصف كادقلى…الايعنى ذلك لك شيئا….وما ان غادر البشير حتى حل ضيفا على جوبا مسؤل رفيع فى وزارة الحرب الاسرائيليه…وانبعث صوت امبيكى مجددا فى دورانه الخبيث لتبدأ خزية التفاوض مع زمرة عرمان….لااحد يحبذ الاقتتال والذى قال الله فيه كره لكم…كل الذى نوده ان تكون خطوات الحكومة محسوبه بدقه…ومبنيه على المصالح العليا لشعب السودان…فكل السلطان الى زوال ويبقى الوطن الذى نأمل ان تعلوا مصالحه فوق الافراد والاحزاب..وان نفرط فى التفاؤل