أبو جهل يستعبطكم (1)
تعود علاقتي بالتلفزيون إلى أواخر السبعينيات عندما ابتعثت الى بريطانيا لدارسة إخراج وإنتاج البرامج التلفزيونية، ولا أقول هذا من باب تأكيد أن لي خبرة في العمل التلفزيوني تزيد على 30 سنة – واقع الأمر هو أنني لم استطع ان أعمل طويلا في مجال التلفزيون بعد الفترة الدراسية في بريطانيا لأن التلفزيون السوداني شأنه شأن التلفزيونات العربية الرسمية كامل الدسم من حيث الركاكة والسخافة والنفاق والدجل والتدليس، وكان رئيسنا وقتها المشير جعفر نميري يقيم في مبنى التلفزيون فترات اطول من التي يقضيها في القصر الجمهوري بل صار يقدم برنامجا اسبوعيا يتلقى فيه اسئلة من مواطنين وهميين ويجيب عنها بكل «صدق وشفافية» – بل تحدثت عن دراستي العمل التلفزيوني للتأكيد أن لي خبرة في ألاعيب محطات التلفزيون تزيد على ثلاثة عقود.. أشعر بالرثاء إزاء الذين يتهافتون على الهاتف للاشتراك في فقرات برامج تلفزيونية، وخاصة النوعية التي تعد المشاهدين بجوائز.. وبعض الناس يعشق الاتصال بالبرامج التلفزيونية لأنه يعشق سماع صوته ورؤية اسمه عبر وعلى الشاشة.. وما لا يعرفه أغلب الناس هو ان الاتصال بقناة تلفزيونية هاتفيا يكلف نحو خمسة أضعاف قيمة الاتصال العادي بالبلد الذي يحتضن تلك القناة.. وأن البرامج التي تقدم جوائز إلى المشاركين بالاتصال الهاتفي تجني من عائد تلك الاتصالات أكثر من عشرين ضعف الجائزة الموعودة… يعني كما يقول المثل المصري هي حكاية بلهاء يسترزقون من المجانين، والبلهاء هم من يعدون ويقدمون برامج المسابقات الركيكة والمجانين هم المتهافتون على الاتصال الهاتفي بتلك البرامج على أمل الفوز بجائزة أو سماع أسمائهم تذاع عبر الأثير.
والله العظيم استمعت وشاهدت مصادفة قبل أيام مذيعا تلفزيونيا عربيا يستخدم من المساحيق ثلاثة أضعاف ما تستخدمه ذوات الأثداء من مقدمات البرامج التي تهدف الى اجتذاب المشاهدين من خلال عروض اللحم الأبيض المتوسط.. كان صاحبنا يتغنج ويتثنى وكأنه «طفلة عربية تنعَّم بالديباج والحلي والحلل».. كل هذا ماشي، فقد صارت القاعدة في العمل التلفزيوني مخاطبة الغرائز، وإزالة الفوارق بين الجنسين.. ما علينا، فقد طرح الرجل (مجازاً .. ولا أتحدث هنا عن الطرح!!) سؤالا على المشاهدين بالصيغة التالية: ما هو البيت الأول من معلقة الشاعر الجاهلي امرؤ القيس الذبياني؟ طبعا أبو جهل هذا ببغاء، عقله في أذنيه ولم يفطن الى ان معد البرنامج يفوقه جهالة، ووجد السؤال بتلك الصيغة وردده نحو أربع مرات، وكما توقعت تماما فقد فشل جميع من حاولوا الإجابة عن السؤال في الإتيان ببيت الشعر الصحيح.. ليس لأن السؤال كان مطروحا بصيغة خاطئة بل لجهلهم بالشعر على إطلاقه، بدليل ان أحدهم ذكر بيتا لنزار قباني.. ولا تثريب على القارئ ان لم يكن يعرف الإجابة، أو حتى لو لم يفطن الى ان في السؤال خطأ، شخصيا أعرف تناتيف من معلقة زهير والنابغة ولبيد ولكنني لا اعرف كلمة من أي قصيدة للحارث بن حلزة اليشكري (بيني وبينكم هناك شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات اسمه النابغة الذبياني و عليه فالاسم الصحيح للشاعر الذي تحدث عنه المذيع الجهلول هو امرؤ القيس الكندي.. وهو بالمناسبة ليس من كندا)
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]
نعم يا ابو الجعافر الجهلاء كثر بين مقدمى البرامج والاهل منهم من يتصل بهم ولكن يا ابو الجعافر نحن دائما نطمس اى شئ ايجابى فى السودان ولو على سبيل الفكاهة هذا البرنامج الذى اشرت اليه للنميرى كان برنامجا صحيحا للتواصل المباشر مع الناس من جانب النميرى حيث كان يقرأ الرسائل بنفسه ويرد عليه وانا لى تجربة معه فى ذالك ارسلت له رسالة وضحت له فيها بعض النقاط التى ذكرها فى حلقة سابقة تعرض فيها لعائلة مشهورة فى السودان بالتدريح وقرأ خطابى له واعتذر قائلا لم اقصد كل العائلة الا المناوئين لحكمه المهم كان برنامجا رائعا فريدا يتابعه معظم الخرطوميين انذاك