جعفر عباس

أبو جهل يستعبطكم (2)

أبو جهل يستعبطكم (2)
لجوء المحطات التلفزيونية الى استدراج المكالمات الهاتفية من المشاهدين بأسعار فلكية، لا يقتصر فقط على برامج المسابقات، فالمحطات التجارية تدخل في شراكات مع شركات الاتصالات لتقاسم عائد المكالمات الباهظة الثمن على خطوط هاتفية متفق عليها حتى في معظم البرامج.. حتى الرسائل النصية التي ترسلها الى قنوات تلفزيونية للمشاركة في مسابقة ما تكون قيمتها مضروبة في خمسين، وفي بريطانيا وما أدراك ما بريطانيا (التي تسمع البعض يتحدث عن أمانة ونزاهة مواطنيها فتحسبهم يتحدثون عن السلف الصالح!!) المهم في بريطانيا تلك افتضح أمر قناة «آي تي في» «المستقلة» بعد ان كُشف النقاب عن استمرارها في استقبال المكالمات الهاتفية في برنامج للمسابقات، حتى بعد تسلم الإجابة الصحيحة وتحديد الفائز فيها.. وهذا أمر مفهوم لكل من يعرف خبايا العمل التلفزيوني التجاري الذي يقوم على استعباط واستغفال الجمهور، لأنه كلما وصلت مكالمة ارتفع عائد المحطة ونصيبها من قيمة المكالمات ولو قفلوا باب الاشتراك بسبب العثور على «فائز» ستتوقف الحنفية عن صب المال في خزينة القناة.
ثم جاءت فضيحة القناة الخامسة التي تقدم برنامج مسابقات شهير اسمه برين تيزرز sresaet niarb الذي يتألف من أسئلة يفترض أنها ملتوية، وتتطلب إعمال العقل وسرعة البديهة للإجابة عنها على النحو الصحيح.. ولما كان من الوارد ألا ينجح أحد في الإجابة عن هذا اللون من الأسئلة، فقد لجأ معدو البرنامج الى حيلة حقيرة تتمثل في قيامهم هم أنفسهم بالاتصال بالبرنامج تحت أسماء «مزيفة» وتقديم الإجابة الصحيحة.. وما هو أحقر من كل ذلك أنهم كانوا يتلقون الإجابات الصحيحة من مشاهدين، ولكنهم يتجاهلونهم ويعلنون فوز شخصيات وهمية! دعني أسالك: هل أضاءت الجملة الأخيرة هذه مصباحا أو تسببت في رنين أجراس في عقلك؟ تريد الاستعانة بصديق؟ سأكون أنا ذلك الصديق: هل تذكر كم مرة حصلت على كوبونات مسابقات من محلات تجارية وحلمت بامتلاك سيارة ببلاش؟ مائة مرة؟ خمسين؟ طيب خليها ثلاثين.. ويكون الفائز هو كالاشيل فرناديز رودريغيز.. أو بابو شنكار ارخميدس، أو عبدالله محمد أحمد «سعودي مقيم في سيبيريا»!! طبعا هناك جهات تجارية تتعمد ان يفوز بجوائزها بين الحين والآخر أشخاص «حقيقيون»، ولكن الشاهد هو أن غالبية الجهات التي تقدم نفسها كـ«فاعلة خير» وتزعم أنها تفتح لك الطريق الى الثراء (النسبي) السريع، تمارس الاستهبال والاستعباط.. اسأل نفسك ما مصلحة أي منشأة تجارية هدفها الربح في ان تعطيك سيارة بي إم دبليو أو حتى أُف دبليو سي، لأنك اشتريت منها سندويتشا او علبة كبريت؟ هل يعقل ان قناة تلفزيونية تبيع برامجها للفرد بالشيء الفلاني تصاب بالكرم الحميد وتمنحك آلاف الدولارات أو ما يعادلها من سلع من أجل عيونك المعمشة هذه؟
بعبارة أخرى إن القناة البريطانية الخامسة ضبطت متلبسة بجرم إعطاء المشاهدين الانطباع بأن هناك آخرين ينجحون في الإجابة عن الأسئلة من دون ان يدري المشاهدون ان الفائز بالجائزة عضو في فريق البرنامج او شخصية وهمية، وهكذا تنفتح شهيتهم للاتصال الهاتفي الباهظ الكلفة جريا وراء سراب الآلاف.

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد