فدوى موسى

مـــــجنـــون!


مـــــجنـــون!
في صمت تام ينفرد بحياته عن كل المنظومة، ينعتونه بالصامت.. الكاتم.. (القتيت).. لكنه لا يعير كل هذه الأوصاف اهتماماً.. ليس ترفعاً.. بل لأن الشعرة الرقيقة بينه وبينها مقطوعة من زمن بعيد.. ففي اليوم الذي عرف أنه وحيد في إقطاعية الاستمرار والبحث عن مكان بين الناس.. فارقهم بصمته والتزامه النظرة الشاردة.. يحاولون الاستراق والإرهاف فحدود كلماته أطراف الشفتين.. من بعدها تأملات تطول وتقصر على موجات الموضوع المطروح.. أمه تعتصر كل صبرها لحظات رجاء أن يفهم أنها ترتكز عليه محوراً وعموداً بعد أن عانت ما عانت أن لا يخرج من مستوى الحياة العادية.. رغم أنه يعرف مجهودها معه ومن أجله إلا أنه أحياناً يلومها مع نفسه الصامتة في التباس ما بين اليقين والشك «لماذا.. جاءت بي إلى الحياة؟».. ولا يجرؤ أن يقول لها ذلك صراحة.. إلا أنها تلتقط المعنى ودون الخاطر.. تقفز منها الدمعات فتجلس إليه في حزن «يا وليدي.. سنة الحياة».. فينظر إليها شارداً وتفهم ذلك على أنه سؤال مفاده «هل كان هناك داعٍ ملح أن تضيف لرهق الكون إنساناً لا يستطيع استيعاب الحاصل..».. قفزت الدمعات وكأنها تقول «يا وليدي استغفر الله».. وما بين كل تلك الاحتشادات والتوهم.. ينفجر ضاحكاً في هستيريا موجية.. فتبكي أمه وتحضن الألم ولسان حالها «بالله عليك لا تكن مجنوناً.. أنا احتاجك عاقلاً..».. وتتحسس قلبها فلا تجده.. وتتحسس عقلها فلا تجده.. فتنفجر هي الأخرى ضاحكة في هيستيريا ولسانها يلهج «مجنون.. مجنون»!

الجن أنواع

أستاذي الجليل يحادثني أن الجنون أنواع.. فمنها الجن الصاخب الذي يخرج صاحبه إلى الميادين والطرقات ويجعله يأتي بكل ما هو فارق عن الواقع.. ومنه الجن الهاديء وذاكرتي تحتشد بتفاصيل ذلك المجنون الهاديء الذي لا يتكلم لكنه يجيد الاحتكاك والالتحام في الأماكن الضيقة لتراه.. فتسأل نفسك ما بال هذا الرجل ترك كل المجالات الواسعة والمساحات الممتدة وحصر نفسه وأنفاسه في الضيّق من المكان.. «إنه الجن الصامت».. أما المجنون الواعي ذاك الذي وجد فرصة يخاطب فيها المصلين (فشبكهم): «أيها المصلون قالوا ليكم أكان دايرين تخشوا الجنة ما تأكلوا اللحوم دي تب لأنها تساعد في النيل من الأمة الإسلامية باستهدافها لمقدراتنا الكبيرة.. وإن كنتم من حجاج بيت الله الحرام لهذا العام عليكم بالحج أولاً للساحة الخضراء التي تتلبس حالة الحرم المكي..».. ليجعل المصلين يتساءلون «من هذا الرجل المجنون ودا السمح ليهو يتكلم منو».. وهذا من جنون التشبه.. وما زال أستاذي يحدثني عن الجنون حتى ظننت أنه يريد أن يوصل إليّ رسالته أن معظمنا إما مجنون هاديء أو مجنون صاخب أو مجنون كاتم صوت.

آخر الكلام:

شفاكم الله.. العقل نعمة.. متعكم الله بكامل قواكم العقلية وجعلكم مواطنين صالحين «وفي السلك»..

مع محبتي للجميع..

سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]