هـــل هــو خـــبر مـــدســوس ؟!
لكن الخبر الذي أبرزته كل الصحف السودانيَّة تقريباً، لا يخلو من غرابة، وفي أغلب الظَّن هو خبر إمَّا مدسوس أو فيه جوانب لا تزال تتغطَّى برداء السرِّيَّة مما يصعُب فهمُه واستيعابُه بالكامل، وذلك لعدَّة أسباب منها ما يلي:
1/ لم تتغيَّر التوجُّهات السياسيَّة اليوغنديَّة تجاه السُّودان على الإطلاق خلال الثلاث والعشرين سنة الماضية، وتناصب كمبالا السودان العداء بشكل سافر لم تُخفِهِ يوماً، وعلى ضوء ذلك استضافت الحركات الدارفوريَّة المتمرِّدة ووفَّرت لها الإيواء والدعم والجوازات والسِّلاح وكلَّ أشكال الدعم العسكري والسياسي، وظلَّت كمبالا تُنسِّق كلَّ الأعمال العدائيَّة ضد السُّودان وتلعب رأس الرمح في المخطَّطات الخارجيَّة التي تقودها دول غربيَّة مُتَّخذةً كمبالا وكيلاً وسمسارًا لها في المنطقة، ولم تكن السلطات اليوغنديَّة غائبة ولا نائمة ولا مُستغفَلة في انتظام كل نشاطات المعارضة السودانيَّة المسلَّحة منذ سنوات على أرضها، حتى توقيع ما يسمَّى بميثاق الفجر الجديد الذي كان تحت رعايتها وبين أحضانها.
2/ لم يحدث أيُّ سياق معلوم أو تطوُّر في علاقة السُّودان وأوغندا، يجعل حكومة كمبالا تنتبه إلى خطورة ما تقوم به الحركات المسلَّحة والمعارضة السودانيَّة المسلَّحة الموجودة على أراضيها بتنسيق تفاهُم مع حكومة دولة الجنوب، وليس هناك من مبرِّر ظاهر يجعلُها دون ثمن مقبوض أو مدفوع أو موعود به لمنع المتمرِّدين السُّودانيين من عقد اجتماعاتهم على الأراضي اليوغنديَّة! وليس هناك أيَّة معلومات عن النتائج السيِّئة التي ستعود على يوغندا من استضافتها لهذه الاجتماعات!
3/ ظلَّت هناك ملفَّات مُعقَّدة في علاقات السسودان بيوغندا، لم تُطوَ ولم تحدث فيها أية تسويات نهائيَّة، تجعل تطبيع العلاقة ممكناً، فوجود المعارضة السودانيَّة المسلَّحة في كمبالا كان يُبرَّر من قِبل اليوغنديين بأنَّه رد بُني على مزاعم واهية وغير دقيقة بدعم السودان لحركة جيش الرب بقيادة جوزيف كوني قبل وبعد انفصال الجنوب! وكانت يوغندا خلال الحرب في الجنوب تتورَّط بشكل مباشر في الحرب بجانب قوات الجيش الشعبي يومها وتوغَّلت قواتُها أكثر من مرة في الأراضي السودانيَّة في ذلك الوقت أكثر من مرتين في حرب مفتوحة ومُعلَنة..
4/ ظلت يوغندا من أكثر الدول تشدُّداً في موضوع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة واستهدافها للسودان، فقد أيَّدت قرار المحكمة وأعلنت على لسان أكثر من مسؤول فيها من أعلى قمَّة السُّلطة، أنَّها على استعداد لتسليم الرئيس البشير إلى المحكمة في حال مشاركته في القمَّة الإفريقيَّة التي عُقدت على أراضيها في «2009»، وألمحت حتى لعبور طائرة الرئيس أجواءها في زيارته لدول الوسط والجنوب الإفريقي..
من هذه الأسباب مجتمعة يُصبح من العسير التصديق بسرعة أنَّ يوغندا تخشى على نفسها من نتائج سيئة ستُجَرُّ عليها بسبب وجود جماعات المعارضة السودانيَّة المسلَّحة وحركات دارفور على أراضيها أو عقدهم لاجتماعاتهم في عاصمتها!
كما يصعُب تصديق أنَّ مجرَّد الاجتماعات وليس أمّهات الكبائر التي ارتكبتها أوغندا في حق السُّودان من قبل، هو ما يدفعُها لهذا الموقف بكل ما فيه من مغازٍ ودلالات لا تُخطئها عين… كما أنَّه ليس من الممكن أن يحدث تحوُّل دراماتيكي بهذه السُّرعة في مواقف دولة لديها موقف متجذِّر ومتأصِّل وحادّ من ما هو كائن في السودان، وظلَّ الرئيس اليوغندي يتحدَّث باستمرار عن أفكار وأيدولوجيا متناولاً تركيبة السودان الاجتماعيَّة عبر التاريخ وسيطرة ما يسمِّيه الهُوِيَّة الثقافيَّة العربيَّة والإسلاميَّة ويعتبرُها السبب الرئيس في نشوء وبروز كل مشكلات السودان! ويدعو للتخلص منها وطرد العرب والمسلمين منه وضرورة سيطرة العنصر الإفريقي عليه ولذا فهو يدعم هذه الحركات التي تعمل على ذات الهدف وتتلاقى معه في أفكاره وتوجُّهاته السياسيَّة والفكريَّة كأحد أهم عناصر السلَّة الأمريكيَّة في إفريقيا!
صحيفة الإنتباهة
الصادق الرزيقي