جعفر عباس

يربونك وتربيهم


[ALIGN=CENTER]يربونك وتربيهم [/ALIGN] كثيرا ما يعاتبني أكبر أبنائي عندما يلمس مني لينا تجاه إخوته الذين يصغرونه سنا: ليه كنت «تَف«، أي فظا معي، وصرت تفوت لهؤلاء الجرابيع غلطات وليس مجرد هفوات؟ سؤاله وعتابه في محله، وردي عليه في كل مرة، هو أنني كنت أيضا في حاجة الى من يربيني في تلك المرحلة التي صار لي فيها ولد! أعني أنني كنت بلا خبرة وبالتالي كنت أقلد أساليب تربوية عرفتها بالملاحظة او القراءة، وكنت أحيانا أجرب أساليب خاصة بي، وربما كنت «تَف« وبي بعض الغلاظة بسبب عامل الوراثة، أي التمسك بنهج الآباء في التربية وهو نهج يهدف الى تنشئة العيال مبرأين من كل عيب وبالتالي فلا مجال كبيرا للعفو والتغاضي عن

الهفوات.. حقيقة الأمر هي انني لم أكن تف وغليظا وقاسيا بأي درجة ولكن الأمور نسبية، نعم ضربت ولدي البكر أكثر من مرة ولكن لم يحدث قط ان ضربته او غيره من عيالي اكثر من ضربة واحدة في الموقف الواحد، أي أنني لست من نوعية الآباء الذين يكيلون لعيالهم الضربة تلو الأخرى عند الغضب.. في قاموسي فإنه إذا كان لابد من الضرب فضربة واحدة تكفي وتكون الضربة في موقع من الجسم لا يسبب له أذى بل ألما وقتيا.. كل الأمهات والآباء يرتكبون أخطاء كثيرة مع الطفل الأول، إما بعقابه في كل كبيرة وصغيرة حتى ينشأ «كاملا«، وإما بالتدليل حد الإفساد.. وهناك بالطبع نوع من الوالدين اللذين يظلان يمارسان القسوة او التدليل المفرط مع كل العيال على اختلاف أعمارهم. وتعود بي الذاكرة الى الوراء، واكتشف انني تعلمت من عيالي أساليب تربوية وقيما إيجابية كنت أجهلها أو أعرف عنها ولا أمارسها او اتقيد بها.. منها حق العيال في الحصول على تبرير لقرار ما اتخذه كأب: لماذا تطلب منا النوم مبكرا ونحن في إجازة من المدرسة؟ هذا السؤال يفتح النقاش حول جدوى السهر، وما إذا كان السهر غاية في حد ذاتها، أم مرتبطا بأمر معين: متابعة مباراة كرة قدم مهمة مثلا تبدأ في ساعة متأخرة نسبيا من الليل! عندها قد اكتشف انه من الظلم فعلا أن أطالبهم بلزوم السرير بينما هم سيسعدون بمتابعة المباراة.. ولماذا كل ما طلبنا منك ان تشتري لنا شيئا تحول لون وجهك من اسمر الى بمبي؟ مثل هذا السؤال جعلني أضع أموري المالية على بلاطة أمام عيالي: تعالوا.. دخلي الشهري كذا وكذا والتزاماتي في حدود كذا وكذا، بل أطلعهم على كشف الحساب الذي يأتيني من البنك.. وكانت النتيجة إيجابية: بابا أنا عايز الشيء الفلاني بس نخليها شهر شهرين لغاية ما موقفك المالي يتحسن لي ولد على أعتاب الدراسة الجامعية وسألني قبل أشهر وعيناه مغرورقتان بالدموع: لو نجحت، في أي جامعة ستسجلني؟ قلت له: في أفضل جامعة تقبل بك.. ولكنه طالبني بإجابة «جدية«.. باختصار كنت قد تورطت في مشروع بناء بيت في السودان وكان يعرف ان تلك الحماقة نشفت رصيدي المصرفي، الذي كان يعرف ما به وما عليه، ومن ثم خشي ان اضطر الى إلحاقه بجامعة «أي كلام« بسبب ظروفي المالية فاحتضنته واخرجت من حقيبة يدي مستندا: وديعة بنكية باسمي واسمه: هذه يا ولدي مصاريفك الدراسية لعامين في الجامعة وإذا كان في العمر بقية فسأدخر نفقات بقية الأعوام.

زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. نعم أبوالجعافر تربيهم ويربونك ليت كل الاباء مثلك وليت سمعك من قال لولده اخير الواحد كان يربي دقنو من يربيك

  2. ربنا يحفظهم ليك ويخليك ليهم يا استاذ ابو الجعافر ورغم اننى لست من اندكم لكنى كنت ولا زلت ازعم ان اخواننا الرطانه عموما لديهم حنيه لا تخفى على عين فهم كما بالتعبير الدارجى (معصورين) على اهلهم وعلى ابنائهم وهذا شئ جميل جدا فانا اعرف اسر يخجل فيها الوالد ان يقول لابنه ياولدى ؟؟؟ ويعتبر ان ابداء العاطفه للابناء هو نوع من الضعف او العيب او هكذا يعتبر . هذا عن التعبير دعك من ان يحضنه او يقبلة وما الى ذلك .

    الشخصية السودانية شخصية غريبة جدا ومن اهم سماتها هى عدم المقدرة على التعبير عن العواطف والخجل من ذلك بعكس اخواننا فى مصر او الشام مثلا.
    وتحضرنى هنا قصة طريفة حيث كنت فى طريقى الى ماليزياللدراسة وكالعادة يكون فى الطائرة عدة ازواج من العرسان من عدة جنسيات فتلاحظ ان العرسان الشوام او اللبنانيين اخر سعادة وبهجة واحضان ولمسات تشعرك بانهم حقيقة عرسان وسعيدين فيما تجد السودانيين اجارك الله البوز مترين او الزوج يشخر وبينهمامسافة امان كافية لانفجار لغم بينهما . 😎

    ارجو يا استاذ ابو الجعافر ان تكتب عن هذا الموضوع الهام جدا ولك التقدير .

    قارئك وابنك المتابع جدا محمد.

  3. الأخ جافر سباح الهير

    والله انت مدرسة ، ورغم أن كتاباتك من المبكيات دائما ، الا أنني أضحك منها ، ولا أدري السبب ، ولكن ربما أنها كتابات تعبر ما في دواخلي ، وحقا أشعر وكأنني قد كتبت الموضوع ..
    عفوا أخشي أن تطالبني بمبلغ مالي نظير ( الضحك) المفقود في هذا الزمن ، لأنني مفلس دائما واستعصي علي العلاج ..
    الله يخلي ليك أولادك الحلوين ، والعقوبات التي تتجاوز الحد تأتي بنتائج سلبية ، حدث لي مع أبني البكر ، تعرض للضرب المبرح منذ أيامه الأولي ، وحقيقة أن العقوبات القاسية التي توقع علي الابناء كثيرا ما تكون تعبيرا لأمور أخري غير الخطأ المرتكب من الابن ، (يعني الواحد يجي البيت زهجان ) واذا وجدنا أي خطأ ولو كان يسيرا ، كثيرا كثيرا ما ننهال عليهم بعقوبات غير مناسبة اذا نظرنا اليها من زاوية الخطأ المرتكب .. وحقيقة نحتاج الي من يعلمنا كيف نربي أولادنا …

    شكرا علي موضوعك الممتع …

    هالد

  4. الاستاذ ابو الجعافر
    السلام عليكم ورحمة الله
    اولا انا من المعجبين جدا بى كتاباتك,وبى اسلوبك البسيط الوافى
    حفظك الله واطال فى عمرك( )