الرؤوس المدببة.. الانشقاقات في صفوف التيارات الإسلامية.. الحقيقة والوهم
في السّاحة الإسلاموية، تزداد الانشقاقات التي تتوالد عنها الأحزاب الإسلامية، فتبرز في تاريخ الإسلاميين انشقاقات شكّلت النوّاة لأحزاب منفصلة برؤى (تبدو) مختلفة، وترتبط هذه الانشقاقات باختلافات فكريّة أحيانًا، وتنظيمية في أحيان أخرى، وفي مرات تظهر فيها النزعة الشخصيّة، وتتفق كلّها في تأثيرها على تشكيل الحالة الإسلامية، وسبل فهمها، ويعوزها الباحث والمحلل ومن يريد فهم الإسلام السياسي، وظاهرته. ففي لبنان انشقاقات (فتحي يكن)، والسودان انشقاق الدكتور الترابي، والذي انشق عنه لاحقًا حزب المؤتمر الوطني، وعشرة أحزاب موازيّة، وفي تونس عبد الفتاح مورو، والجورشي، والفاضل البلدي، وفي مصر أحزاب الوسط، والقرضاوي، وأبو الفتوح، وغيرهم، وكذا في العراق آخرون.
نجم عن هذه الانشقاقات كيانات، ربما تختلف بتلطيفٍ للفكرة أو تكثيفها، فهل هو اختلاف في الدرجة أم في النوع؟ كما يبرز المنشقون بشكل شخصي، مثل د. المليجي، والخرباوي، والهلباوي، وآخرون يمضون في تشكيل ذواتهم وشخصياتهم.
الصراعات الداخليّة بين شباب الجماعة، وشيوخها، بين التّجار والمكتب التربوي، بين السّاسة والدعاة، بين التنظيم السري والتنظيم التربوي، قد تكون مغرية، للباحث عن تفاصيل العمل اليومي، ولكنها ليست بفائدة فهم عمل العقل الجمعي لهذه الحركات؟
هذه الجماعات التي تنشق، والشخوص المفارقون لها، كيف يتحدثون، بترمومتر الغضب، أم بلهفة الإصلاح، هل انشقوا ليكملوا طريقهم ممثلين للفكرة، أم انشقوا ليبدأوا حديثًا آخر.
مصر الجماعة الأم، شهدت انشقاقات قديمة، منذ عهد المؤسس الأول حسن البنا، بمنشورات موثقة، تمركزت كلها حول سرية الجماعة والسخط من الديكتاتورية وآلية اتخاذ القرار والنزاع بين الدعوي والسياسي، في خضم هذه الانشقاقات خرج أمثال عبد الستار المليجي وثروت الخرباوي وأخيرًا إسلام الكتاتني، في «المجلة» التقينا بالمليجي وسألناه، عن الانشقاقات التي في الجماعة، وانشقاقه شخصيًا عنها، وبعد أن نفث دخان الذكريات بكل ما فيه، وصل لمنطق وسط بين الدبلوماسية والصراحة، تهزم الثانية الأولى في ساعات الغضب، فقال «كلمة الانشقاق ليست دقيقة تاريخيا ولا واقعيا، لكن الواقع هو ظهور تيار التنظيم الخاص من الأربعينات ومحاولته أن يرث جماعة البنا مدعيا أنه الممثل الشرعي الوحيد لجماعة الإخوان، هنا ردت عليه الجماعة الدعوية الظاهرة بقرارات فصل لمن تزعموا هذا الفكر وأصدرها المرشد الثاني حسن الهضيبي وشكل تنظيما مسلحا آخر ليطاردهم ويقضي على فكرتهم وعهد به إلى يوسف طلعت. ومن يومها ومحاولة التنظيم السري لا تتوقف للاستيلاء على الجماعة ولو بالخديعة والكذب والتقية، لم ينجحوا في الوصول لرأس الهرم الإخواني إلا في عام 1996 ببيعة (كاذبة) و(مضللة) أطلق عليها بيعة المقابر وهي مظاهرة مجهولة الأعضاء تمت في المقابر بعد دفن آخر مرشد دعوي (محمد حامد أبو النصر) وبموجب هذه المظاهرة تولى مصطفى مشهور منصب المرشد، بعد ذلك قام بسحب كل المناصب القيادية من الدعويين وسلمها إلى أنصاره من السريين ولكنه لم يصدر قرارات فصل ولم يحدث انشقاق بالمعنى الصحيح. ولكن معظم المخالفين للفكر السري وجدوا أنفسهم بلا عمل في الجماعة.. بعضهم أعلن واعترض مثلي وبعضهم سكت وبقي مغلوبا على أمره».
كلام المليجي لا يخطئه الحنين والشوق إلى الجماعة المثالية، والأمل يحدوه بأن يؤسس جماعة أخرى، وحديثه لا ينسف أصل الفكرة إلا نادرًا، ولكنه يضع العيب على التطبيق، مثل المليجي كثيرون، ورصدنا أن أكثرهم من «التلمسانيين» أي الذين جنّدهم عمر التلمساني للجماعة، وقصة ذلك كما يرويها المليجي، أن الجماعات الإسلامية «غير الإخوانية» سيطرت على الجامعات المصرية في فترة السبعينات إبان غياب الإخوان في سجون ناصر والسادات، وبعد المصالحة مع السادات، عادت الجماعة ووجدت أنها خسرت «وحدة التمثيل» التي كانت تتمتع بها، فدخلت في حوارات شتى، أرادت عبرها أن تصل لأرضية وسط مع التيارات، واستطاع عمر التلمساني، أن يقدّم وجها مشرقًا للإخوان ملأه بالسعي الدعوي، فانضوى تحت لوائه كثيرون، لم يكن لهم اتصال بيعة بالإخوان، ولكن نجح التلمساني في استقطابهم، هؤلاء لم يتربوا تربية إخوانية، بل تربية إسلامية، واستفاد منهم الإخوان.
التلمسانيون.. يكرهون التنظيم.. ويفترشون الأشواقالفئة التلمسانية، هي أكثر الفئات حنينا للتجربة الإسلامية وخروجًا على الإطار التنظيمي الصارم للإخوان، أشار حسام تمام (ت2011) الذي يمتدحه المليجي في كتابه تحوّلات الحركات الإسلامية، مكتبة مدبولي، 2010، لذلك، موضحًا أن الانشقاقات سببها أن الخيارات الإسلامية أضحت أكثر اتساعًا.
سألنا المليجي، محاولين بصورة غير مباشرة التأصيل لمصطلح «التلمسانيين» الذي نرى ضرورة نحته لفهم أوسع للإسلاميين وانشقاقاتهم، وقلنا له «من هو الأقرب للخروج من الجماعة بعد أبو الفتوح؟ هل يمكن أن نقول التلمسانيين في باب الخروج من جماعة النظام الخاص؟ فقال «هناك المئات مثل عبد المنعم أبو الفتوح ومثلي ولكنهم عاجزون عن اتخاذ قرار المصارحة مع المجتمع بخيبة أملهم في التنظيم فيبقون في صمت إلى يوم لا يعلمه إلا الله.. والتلمسانيون اليوم قلة قليلة لأن التنظيم يخرب أفكار الجماعة منذ عام 1986 ورسميًا من عام 1996 بصورة واضحة الجيل الجديد من الإخوان (40 سنة فأقل لا يعرف حقيقة التاريخ ولم يعد قادرا على التفريق بين الفكر السري التكفيري وبين الفكر الدعوي الإصلاحي.. الكل يعيش في متاهة العمل اليومي ولا فكرة ناضجة لدى أحد من العاملين حول الأسئلة الكبرى.. من نحن وماذا نريد؟ هذا سؤال لو طرح على مائة فرد اليوم ستجد مائة إجابة».
لم تكن أجوبة المليجي المترددة، خائفة، ولكنها كانت تقف محاولةً الحفاظ على وقارها، والتأشير على مواطن الخلل، فالمليجي، الذي خرج بعد مفاصلة شهيرة، أشهر سيفه على المهندس خيرت الشاطر، وواجهه بالحقائق الدامغة، ولم يألُ جهدًا في تصنيف الجماعة وفضح ما يراه مشينًا، ويرى في ذلك جهادا، ولكنّه يؤطر كل سعيه هذا بمفاهيم إسلاموية، ليتحول في لحظة ما، إلى إسلامي غاضب من إسلاميين لا أكثر، يحدوه شوق كبير لعمر التلمساني، ويهرب من مصطفى مشهور، أي صراع بين مرشدين.
حاولت «المجلة» أن تقف بصراحة أكبر، فسألته عن أسباب الانشقاقات؟ وأوضحت السؤال عن سبب انشقاقه، وعما إذا كان يكشف الأسرار؟ فقال: «الانشقاقات تحدث لوجود صراع بين الدعويين والتنظيم الخاص السري حول سياسة تعامل الجماعة مع المجتمع والحكومات».
هنا قرأنا المواقف السياسية، وسألناه، عن الانشقاقات التكتيكية، فقال بغضب شخصي واضح: «لا توجد أي انشقاقات تكتيكية» ولم يشأ التفصيل، ولكنّه عاد ليقول مفجرًا الحديث «ولكن يوجد إخوان مكلفون بالسرية التامة وموجودون في أحزاب أخرى ومؤسسات كعملية تجسس واختراق»، ورجع إلى المحور الأساسي ليضفي على جوابه الإنصاف اللازم ويكسوه بالخبرة في التخاطب الدبلوماسي «والفكر التنظيمي للجماعة في مصر لا يرقى لمستوى التكتيك ولم يمارس ذلك أبدا»، فعدنا بالسؤال: هل يمكن أن يوجه المرشد أحد أتباعه بالانشقاق عن الجماعة لتفريغ شحنة خلاف ما أو للفت الأنظار، فقطع بالجواب الساخر: «لم ولن يحدث لأن المرشد اليوم لا يفكر» وأضاف: «أصلا التفكير ممنوع.. لماذا ينشق هل لتضليل العالم؟ العالم بأجهزته يعرف كل أسرار التنظيم السري، لأن السرية على أفراد الجماعة أكثر من أجهزة الدولة ومن الثابت وجود صفقات بين التنظيم السري والأجهزة المحلية والعالمية لا يدريها أفراد الجماعة».
اذهب إلى القصر رئيسًا وسأذهب إلى السجن حبيسالا ينبغي لمن أراد دراسة الانشقاقات أن يُخطئ انشقاق الترابي البشير، أو مفاصلة الرابع من رمضان، أو كل تاريخ الترابي الذي تولّدت عنه تنظيمات إسلامية بأسماء مختلفة، من الإخوان المسلمين إلى جبهة الميثاق، إلى الجبهة الإسلامية إلى المؤتمر الشعبي العالمي، إلى المؤتمر الوطني، إلى المؤتمر الشعبي، وكلّها حركات انبنت على انشقاقات كبرى، قتلت الضعيف وأعادت استيلاد نفسها، بذكاء.
في يونيو (حزيران) 1989 أعلن المذياع نبأ انقلاب العقيد الشاب عمر حسن أحمد البشير، على النظام الديمقراطي، باسم يشبه الضباط الأحرار، معلنًا انطلاقة جبهة الإنقاذ الوطني، قام النظام الجديد، بإيقاف كل القيادات السياسية، ومن ضمنها الزعيم الإسلامي الكبير الدكتور حسن الترابي، ولم يستطع يومها أحد أن يتخيّل أن يكون الترابي السجين صاحب أي دخل في الانقلاب، حتى أولئك الذين يعرفون الميول الإسلامية للضباط، لم يتخيلوا أن يسجن الإسلاميون شيخهم، أو يسجن شيخهم نفسه، ولكن الترابي الذي فعلها، قال لهم بعد أعوام، إن ما قام به كان تمويهًا للحفاظ على السلطة في مهدها، وقال إنّه قال للرئيس عشية الانقلاب: «اذهب إلى القصر رئيسًا وسأهب للسجن حبيسًا».
لذلك حينما جاءت المفاصلة وانشق الإسلاميون في السودان في نهاية الألفية، قال الصادق المهدي رئيس الوزراء الأسبق الملدوغ من الجحر القديم: «أخشى أن يخرج علينا الترابي بعد عشرية أخرى ليقول قلت له اذهب إلى القصر زعيما للمعارضة وسأذهب إلى المنشية حبيسًا».
حملنا هذا الحديث بكليته، وذهبنا إلى «الترابي الصغير» أو إلى التلميذ النجيب، المحبوب عبد السلام، المقرّب للترابي والقيادي بحزبه، والمسؤول الفكري الأول في الحركة الإسلامية السودانية، وبدأنا معه من الحرف الأول قائلين: كيف افترق الإسلاميون في السودان، ولماذا؟ هل هو رد فعل طبيعي، لاصطدام مثالية الفكرة بوعورة التطبيق؟ فأجاب: «الانشقاق كان نتيجة لمسار طويل جنحت فيه الحركة الإسلامية نحو العملي على حساب الروحي والفكري فسادها عناصر الأجهزة الخاصة للمعلومات والأمن كما كان مناخها أكثر ملاءمة للسياسيين التقليديين من المفكرين رغم أن قائد الحركة في الأساس مفكر، أما الأسباب المباشرة فهي الديكتاتورية التي استمرأت الحكم وكرهت الحرية والشورى الواسعة ولو أحسنت الحركة السودانية قراءة الواقع لترددت في عمل الانقلاب ولو كان ضرورة لإنقاذ الوطن فكان ينبغي المسارعة إلى بسط الحريات قبل أن يتمكن العسكر ويكرهوا العودة إلى ثكناتهم». وهنا يبدو المحبوب ذكيًا وهو يغرق في تفصيل جلباب الخلاف ليتسع للفكرة، وهو كالذي يكفكف دمعه غير عابئ بأن تخسر الحركة وتكسب الفكرة.
سألته «المجلة» عن حديثٍ قديم للترابي، يتمنّى فيه أن تصبح المعارضة على قيادة الصف الإسلامي والحكومة إسلامية، فقال: «الترابي كان يقصد أن يبسط إخوته السابقون الحرية وكان يميل إلى وحدة الصف الإسلامي بمعنى دمج الأحزاب الإسلامية في حزب واحد وكتب بذلك للميرغني والصادق ولكن كانت أزمة الثقة قد تطاولت وتركم عليها إرث طويل أو في سيناريو آخر أن يكون جزء من الحركة يحكم بالشورى والعدل وحزب آخر منها يعارض بقوة ولكن بمسؤولية ورشد».
لا يغيب على القارئ، أن كثيرين يرون البشير إسلاميا حاكمًا والترابي زعيمًا للمعارضة، وهنا يجب أن نفرق بين التكتيك الذي تمليه الخطوط التنظيمية، وبين التكتيك الذي تسوقه صيرورة العقل الجمعي، كردة الفعل اللاإرادية، فليس من الضروري أن يُدق إعلان واضح أن هناك اتفاقا تفصيليا، بين أفراد الإسلاميين على أن المفاصلة مفتعلة، ولكن لا يستبعد أحد القادة السياسيين سيناريو يفترض فيه أن يكون زعيم الإسلاميين تركها تحدث إنقاذا لفكرته، كما صنعها يومًا إنقاذا لدولته.
رجعنا بالمحبوب وإليه، لينقل لنا رؤيته «الجميلة» للانفصال، وفيها تجسيد لفوائد الانفصال عند الإسلاميين، وتجسد محاولة جادة للحفاظ على البريق على الرغم مما انسكب، يقول المحبوب «في بداية المفاصلة كانت هنالك دعوة قوية للحرية لم يشهد تاريخ الحركة لها مثيلا وانتبه كثير من أعضائها لأول مرة أن لها رؤية وبرنامجا وليس فقط التمكين والقوة فبدأوا يقرأون وسجل كثير منهم في الجامعات ولكن الأمر يحتاج لتغيير أكثر جذريه وهو ما يعجز عنه من سماهم الترابي بجيل التأسيس بحكم سنن الله الطبيعية والاجتماعية فعادت عناصر الخاص من جديد لتتمدد خاصة أنهم كما يقول فيبر أدمنوا العمل التنظيمي ولا يعرفون كيف ينشدون عملا آخر يفيدهم ويكفي الحركة سلبياتهم في تقديري الشخصي أن هذه الدورة من التجديد الحركي الإسلامي انتهت وهنالك أمل في جيل جديد اهتمامه الأساسي بالأفكار لكنه محاصر في بيئة عامة متردية وبيئة خاصة خانقة». فسألناه هل تقصد السودان فحسب فقال: «أقصد أن هذه الدورة من التجديد الإسلامي انتهت ليس في السودان فقط ولكن في مصر وتونس والمغرب والجزائر ودائما ما أقول لنفسي أفلا تبصرون».
عند البصيرة، سألناه، إن كانت تجربة البشير والترابي فشلت، فهل لتجربة بديع ومرسي أن تنجح، وصرحنا بالسؤال هل قلتموها لإخوان مصر؟ ألا ترى أنهم سيقعون في ذات المكان؟ فقال «نعم قلنا لهم لكن هذا حديث آخر يطول. خلاصة الرأي لهم جميعا ما انتهت إليه تجربتنا هنا وما أعلنه المؤتمر الشعبي أنه حتى إذا قدر الله لنا يوما وفزنا بأغلب مقاعد البرلمان فالوزارة يتولاها السوداني الأصلح لها بمعنى أفضل من يكون وزير مالية يتولى ولو كان شيوعيا أو حزب أمة أو مستقلا. ومنذ فوز حماس قلنا لهم اكتفوا بالدور التشريعي والرقابي ودعوا الوزارة للمستقلين إذا رأيتم أن فتح قد أفسدت الحياة السياسية ولا تريدون خيبة أمل الناخبين لأن الوضع مع إسرائيل معقد كذلك كان رأي الإخوان في مصر في الأول أن لا مرشح للرئاسة والوزارة مشاركة لا مغالبة ولكن الرأسمالية التحكمية في الجماعة ارتدت عن القرار. قلنا لهم لماذا تريدون أن تحكموا المصريين وأنتم لا تستطيعون حتى مجاراة المؤسسة الإعلامية التي رسخت قبل تأسيس جماعتكم في العشرينات وفي تونس هذه حركة ظاهرها تقدمي وباطنها تقليدي انظر كيف تنازل شيخها عن كل المناصب العامة ولكن الجماعة أرادت أن تجامله فوضعت صهره وزير خارجية مما يعني أنها فكرت بذات العقلية العربية كلما مات جنبلاط جاء جنبلاط». وأضاف: «صديقنا رفيق عبد السلام مؤهل لأشياء كثيرة جدا ليس من بينها وزارة الخارجية بمعنى كيف تقود عربة في مدينة مثل لندن والقاهرة وأنت لا تملك رخصة قيادة».
منشق سوداني: تاريخ وأدلة وتداعياتخالد أبو أحمد، أحد الكوادر الإسلامية السودانية، التي انشقت عن الجماعة، وتحوّلت إلى النقيض، وظلت تفيض بالندم والأسى، سألناه فلم يذهب بعيدًا عما قاله المليجي، فبدأ بالقول: «نعم هناك خلافات حقيقية ولها تاريخ وأدلة وتداعيات» فقلنا له ماذا عن التقارب الأخير فقال «الحديث مؤخرا عن تقارب بين النظام والمؤتمر الشعبي هو من باب التعويض عن الأذى الذي لحق بالذين تم إبعادهم عن الحكم، لكن الانشقاقات حقيقية خاصة إذا تحدثنا عن حالة د. غازي صلاح الدين وغيره ومن قبله الكثير من القيادات اللامعة».
يشير أبو أحمد إلى حالة الاحتقان التي تشهدها الحركة الإسلامية الحكومية الآن، ويمثل طرفها المتمرد الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، ويمكن الإشارة إلى أن الإسلاميين اتهموا خلال الأشهر السابقة بأنهم دبروا انقلابًا بزعامة صلاح عبد الله قوش والقائد ود إبراهيم، وبعد تفجر أزمة العتباني بأيام قام البشير بالعفو عن الإسلاميين المتهمين في المحاولة، ما حدا بالسياسيين في الخرطوم أن يضموها للانشقاقات داخل الحركة الإسلامية التي تهدف بشكل أو بآخر لشغل الرأي العام.
يواصل أبو أحمد ليقول: «بالنسبة لمصر أعتقد أن الإسلاميين في حالة اضطراب شديد لأنهم لم يتوقعوا ما حدث لهم لذلك قريبًا سيأتي عليهم نهار تتخلخل العلاقة بين الرئيس مرسي والمرشد والمؤسسات التنظيمية لأن حكم مصر أبعد عن تصوراتهم المسبقة».
ومضى يقول: «نعم مرسي يمكن أن يتخلى عن المرشد بكل سهولة لأن المرشد ليست له سلطة الدولة تماما كما حدث في علاقة البشير مع الترابي، وسيقنع مرسي الإخوان المسلمين بعدم التقييد بقرارات المرشد من أجل البقاء في الحكم». يواصل أبو أحمد وهو محكوم بالتجربة السودانية: «مرسي وضح من خلال الرسائل التي أرسلها لحكومة الكيان الإسرائيلي أنه خرج عن المرشد لأن الرسالة ولغتها تقول إنه اجتهد فيها لوحده ولا يمكن أن تكون هذه لغة المرشد الذي عرف في تاريخ الإخوان المسلمين بالتقيد بنهج البنا»، حاولنا تذكير الأستاذ خالد أن الإخوان كانوا مشتركين في النظام السابق عبر البرلمان، فقال: «نعم كانوا في البرلمان لكن لم يكونوا في الجهاز التنفيذي للدولة وهذا هو مربط الفرس، إدارة دولة مثل مصر لا يمكن أن يستوعبها خيال وفكر الإخوان المسلمين لأبعادها السياسية والاستراتيجية التي تتطلب وجود تحالفات مع المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أو خيار الوقوف في الجانب الآخر مع الحلف الإيراني، وفي كل الحالات المسألة صعبة للغاية بالنسبة للإخوان المسلمين وهذا ما يتسبب حقيقة في الخلافات الكبيرة والعميقة بين المفكرين والسياسيين» يواصل أبو أحمد شارحًا المفارقة بين الفكر التنظيري والفكر الذي يخضع لتحليلات المجتمع الدولي ليقول «بالطبع النظام الحاكم في السودان لم يستوعب هذه المسألة فأصبح يطلب ود المجتمع الدولي وتارة يقف في الصف الآخر مما عقد الأزمات التي تعيشها البلاد».
اليمن.. لا نشر للغسيل في العلن
يقول الباحث والكاتب اليمني نبيل البكيري: «أعتقد في الحالة اليمنية الأمر مختلف قليلا، صحيح هناك تباين بين تيارين مقاصدي سياسي وديني متشدد ولكن رغم البون الشاسع بين تفكير الطرفين فإن الحاصل هناك انسجام عجيب على مدى أزيد من أربعة عقود في مسيرة هذه الحركة بين جناحيها الليبرالي والراديكالي» ويواصل ليقول: «على مدى العشرين سنة الماضية حصلت حالة فردية من الخروج عن الحركة، ولكن المفاجأة هي عودة جل تلك الشخصيات التي كانت قد تموضعت ضمن نظام علي عبد الله صالح، وانشقت عنه وعادت إلى السير ضمن الخط العام لسياسة الحركة الإسلامية.
المغرب.. الدعوي والتنظيمي.. وفراغ السلطةيقول إدريس لكريني: «الحركة الإسلامية بالمغرب لها سياقاتها التاريخية والسياسية المختلفة تماما عن تيارات المشرق، والسياق السياسي المرتبط بالصلاحيات الدستورية الدينية للملك وبمنع تأسيس أي حزب يقوم على أساس ديني أو عرقي». ويواصل في التأصيل لتاريخ الحركة في المغرب وهو تاريخ حديث ما زال يحتفظ بالبكارة الإسلامية، رغم تجربته. يقول لكريني: «تاريخ حركة الشبيبة الإسلامية باعتبارها الحركة الأم التي تفرعت عنها مختلف التيارات الإسلامية المغربية المعاصرة وشهدت منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي انشقاقات وانسحابات بفعل الظروف المرتبطة بالصراع مع السلطة ومع بعض التيارات اليسارية في أعقاب اغتيال الزعيم اليساري المغربي عمر بنجلون سنة 1975.. بما خلق نوعا من الارتباك في صفوفها.. وهكذا قام زعيم جماعة الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع ببلورة بناء تنظيمي جديد يقوم على ما سمي بتنظيم الخطوط أو المجموعات بوضع أمير على رأس كل مجموعة تنسق مع الشيخ بشكل مباشر».
يضيف لكريني: «في هذه المرحلة سيتم تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية المغربية سنة 1981 بمبادرة من عبد الإله بنكيران، ثم جماعة العدل والإحسان سنة 1980 وظهور حزب العدالة والتنمية سنة 1997».
الحركات الإسلامية التي لم تلج بعد العمل السياسي والمشاركة السياسية لأسباب موضوعية أو ذاتية ما زالت تخلط في أدائها بين عملها كحركة دعوية وحركة سياسية ويبدو أن وفاة مرشد جماعة العدل والإحسان مؤخرا قد خلف نقاشا بصدد تطوير الأداء والهياكل، أما حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة حاليا فهو يقدم نفسه كأي حزب سياسي آخر وذلك انسجاما مع مقتضيات الدستور كما أنه يستند إلى حركة دعوية هي التوحيد والإصلاح مع الحرص على نوع من التمايز الوظيفي في أدائهما.
وفي هذا الإطار تبقى الساحة المغربية هادئة نسبيا، وليست لديها مساحة واسعة للمناورة، كالحالة التركية أو السودانية.
الدكتور أعلية العلاني، المتخصص في دراسة الحركات الإسلامية التونسية، سألناه عن الحالة التونسية خاصة بعد موقف رئيس الحكومة السابق الجبالي، فقال: «هي ليست انشقاقات بالمعنى التنظيمي ولكنها اختلافات حادة من المرجح أن تنتهي بانشقاق بعد الانتخابات خاصة إذا سجلت النهضة نسبة ضعيفة في الانتخابات ويُتوقع أن تخسر النهضة نحو نصف الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة إذ أعطتها عمليات سبر الآراء الأخيرة نسبة بين 20 و25 في المائة»، فاستفهمناه إن كان لها أثر فكري؟ فقال: «أعتقد أن لها أثرا فكريا، فأكثر المحللين يتوقعون أن لا يطول عمر الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي عن بضع سنوات قليلة، حتى في الدول الحليفة لهم فأنا حللت ضيفا على الأتراك الحكوميين وأحسست أنهم بدأوا يغيرون موقفهم تدريجيا من الإخوان وينتقدونهم بشكل أكبر مما كان في السابق.
على الرغم من حديث العلاني، فإننا نرى أن المناورة في الحالة التونسية تبدو أكبر، ويمكن تطبيقها، وهو ما حدث تقريبًا بانشقاق ابن الحركة الإسلامية التونسية الهاشمي الحامدي.
القيادي الإخواني السابق ومؤلف كتاب «سر المعبد» ثروت الخرباوي، يصرّ على تأريخ خلافه مع الجماعة، قال للزميلة «الشرق الأوسط» (26 مارس/ آذار 2013) إن جماعة الإخوان المسلمين لا تحترم القانون على الإطلاق ومن حق أي إنسان أن يشك في جماعة لا تريد أن تفصح عن ميزانيتها ومن ثم هي التي تضع نفسها موضع الشك». ويواصل: «الجماعة انحرفت عن طريقها الصحيح وكتبت هذا في كتابي الأول عن الإخوان والذي كان قبل الثورة بعام تقريبا وكان الخلاف حول سياسات وأفكار وقد رصدت طبيعة هذا الخلاف في كتابي (قلب الإخوان)».
يتوافق الخرباوي مع المليجي في نقده للجماعة، ويقول: «إنّ الجماعة ليس فيها كفاءات، ولكن فيها فقط تنوع في التخصصات من دون أن توجد أي كفاءة في أي تخصص من تلك التخصصات، فهي جماعة فاشية لا تبدع، وبالتالي تأكل نفسها من الداخل فهي تقوم على السمع والطاعة ولا تصلح أن تكون مؤسسة تدير دولة وهي بطبيعتها ستضمحل وتنتهي وتجربة الدكتور مرسي كرئيس لمصر ستكون الختام لـ«الإخوان» والدكتور مرسي يضع تتر النهاية على جماعة الإخوان المسلمين».
الخرباوي يمثّل حالةً من الغضب، والحنق، وعلى الرغم من التجربة التنظيمية المتواضعة فإنّه استطاع أن يكشف الكثير من الأسرار والخبايا، ولم يعد يبشر بأي إصلاح داخلي، بخلاف ما يبدو من المليجي.
الدكتور كمال الهلباوي القيادي الإخواني والمتحدث السابق باسم الجماعة في الخارج، أحد ضحايا الحرب بين التنظيم الدولي والجماعة الأم، كما كان يتمّ تصويرها، وصل إلى قناعة بأن الجماعة تضر ذاتها بما تمارسه من رعونة، فانشق عنها في انشقاق لا يمكن وصفه إلا بأنه توسيع لمواعين الفكرة، ومحاولة تخليص لها من شوائب الجماعة، يقول: «إن الإخوان استعدوا الناس عليهم وخاضوا السياسة وتعجلوا الثمار رغم أن البنا حذر من هذا كثيرا في رسائله ولا شك أن تلك الخطوة أضرت الدعوة والدليل على ذلك أن المرشد وقيادات الإخوان الآن لا يستطيعون الخروج في الشارع ومواجهة المصريين بسبب سوء موقفهم وأخطائهم الكثيرة كما أن سمتهم التردد في المواقف وهو ما رأيناه واضحا في أداء الرئيس مرسي لأنه متردد مثلهم كما أن من أكبر أخطاء الإخوان أنهم تركوا الميدان من أجل البرلمان وهو خطأ استراتيجي بل إنهم اتهموا الثوار في شارع محمد محمود بأنهم بلطجية وهذا غير مقبول».
الكتاتني.. كشف أسرار
مسؤول ملف طلاب الثانوي بالجماعة، ونجل شقيق الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، انشق عن الجماعة بعد أحداث الاتحادية، انبرى يكشف ما سماه «المراحل التنظيمية السبع لفكر الجماعة» في السيطرة على العالم، وقال إن «المنافسة على الرئاسة جاءت في إطار خطة التمكين، والدفع بمرسي تحديدا لأنه مطيع وبيسمع الكلام، وملتزم بخط (الجماعة) ولا يحيد عنه أبدا، وكان هو الاختيار الأفضل لـ(الجماعة)، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كان حلا مطروحا قبل أن ينشق عن (الجماعة)، لكنه كان معروفا بأنه مجادل، (وكان ممكن يمشي على سطر ويسيب سطر من كلام المرشد لهذا لم يقع عليه الاختيار». وقال: «مكتب الإرشاد هو الذي يحكم، ومرسي هو مسؤول (الجماعة) في الرئاسة، فـ(الجماعة) لديها ملفات كبيرة جدا، وملف الرئاسة مجرد ملف صغير، وحزب الحرية والعدالة مجرد ملف صغير، وغيرها من كل ما يسيطر عليه الإخوان اليوم، فهناك ملفات كبرى مثل الملف الدعوي، والملف التربوي، والملف الإعلامي وغيرها، وكل ملف له نظام وأسلوب في إدارته».
ولكنه هو الآخر منشق بأشواق قديمة، فيقول: «لو كان حسن البنا على قيد الحياة لاعتصم في الميدان مع الثوار». وقال: «حازم إخواني قديم، ووالده الشيخ صلاح كان أحد قياداتها، لكن ما يفعله حازم مرْضي عنه لأنه ضمن تكتيك سياسي بارع يستخدم أبو إسماعيل لتحقيق أهداف معينة دون أن يظهر الإخوان في الصورة».
وهو قريب لما نظّر له المليجي، من استخدام الإخوان للآخرين.
التنظيم الدولي ظلّ حاضرًا في كل تفاصيل الانشقاقات، هو أحد الأسلحة، وأحد الدفوعات، وعلى الأقل هو عامل رئيس، فالسمة العامة للحركات الإسلامية، أنها على إغراقها في المحليات، إلا أنّها تستند بشكل واضح على البعد الدولي والعلاقة مع الحركات الإسلامية الدولية والشخصيات المهمة، فتتسابق الحركات المنشقة عن بعضها، في كسب رضا القرضاوي مثلا وزيارة إسطنبول وحضور فعاليات الجماعة، وغيرها.
التنظيم الدولي، في إحدى مراحله، كان أنموذجًا للانشقاق المنسّق، والمرتب، الذي يحقق أهدافًا، فالتنظيم كان في مرحلة تأسيسه (مرحلة مشهور) يمثل الاستفادة من خبرة الإخوان الدولية، وهروبا من الأوضاع الداخلية، وحاول البعض تصوير انتهائه على أنه انقضاء لمسببات وجوده.
تقول رواية حسام تمام، أنه وعقب خروج مصطفى مشهور من السجن مع بقية قيادات الجماعة عام 1973 قام بجمع خيوط كل التّنظِيمات الإخوانية المنتشرة في العالم، وفي الأول من سبتمبر (أيلول) 1981، وقبل أيام من قرارات 5 سبتمبر الشّهيرة التي اعتَقَل بموجبها الرئيسُ الراحل أنور السَّادات السياسيين والنُّشطاء (بلغ عددهم 1530)، كان مصطفي مشهور يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو بنفسه من حملات الاعتقال، وأعلن في 29 يوليو (تموز) سنة 1982 تأسيس التّنظِيم الدّولي للإخوان المسلمين وأعلن لائحته الرسميّة التي عُرِفَت بالنِّظام العام للإخوان المسلمين، وتوسّع في ضم تنظيمات إسلامية أخرى مثل الجماعة الإسلامية في باكستان والحزب الإسلامي (باس) في ماليزيا وحزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في تركيا، واستمرّ ينمِّي نِظامه حتى أصبح أقوى من الجماعة الأم في مصر، وكان هذا في صالحه الشّخصي، عاد مشهور إلى مصر بعد أيام من وفاة المرشد الثالث للجماعة «عمر التلمساني» كان قد أتم بناء التّنظِيم الدولي للإخوان كاملا وأحكم عليه قبضته الحديدية، بعد أن تولّى مشهور الإرشاد، لم يعد للتنظيم الدّولي مبرر واضح للبقاء، ولم يرد الأخير ومعه الهضيبي، خلق مصدر للقرار خارج التّنظِيم، وهنا يرى أن التّنظِيم بدأ بالذوبان. يواصل تمام فيقول إن التّنظِيم تأثّر بتغيرات دوليّة أهمها الموقف السَّلبي من حرب الخليج الثَّانية، وعلى المستوى الدّاخلي، كان إعلان محمد المأمون الهضيبي مرشدا للجماعة يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، خصمًا على التّنظِيم الدُّولي، الذي صار عبئا على الجماعة من الناحية السِّياسِية والأمنية، وأضراره فاقت نفعه، فضعف التّنظِيم بحسب حسام تمام.
وهنا يبدو حسام تمام متفائلا في فرضية تلاشي التّنظِيم الدّولي، فالتنسيق الذي كشفته سنوات لاحقة لكتابه، أكدت أن مستوى دقيقًا من التّنظِيم، والتشابك، لا زال يربط الإخوان بحلقات تنظيميّة محكمة، ربما انتهى الجِسم الذي كان يتتبعه تمام، وربما يكون انتقل إلى فضاء تنظيمي أدق من أن يُتابَع، لأنّ نتيجة التأثير المُشَاهدَة مُتمَثّلة في الفعاليات العالميّة، والتّداخلات، وغيرها، لا تزال شاخصة للعيان.
إخوان الخليج.. عباءة التنظيم حين تضيق بالمنتفخينالكاتب والباحث السعودي فهد الشقيران رأى أن الانشقاقات في الخليج لم تكن جذرية بل كانت تصدّعات ناقمة من جهة، أو انصياعا لظرف سياسي معين، ويضرب مثلا بالنقمة التي مارسها المنظّر الإسلامي الكويتي عبد الله النفيسي الذي رأى أنه: «لم يمتلك رؤيةً متماسكة أو موحدة في معظم أفكاره، من آرائه في السياسة الكويتية، إلى تقلب موقفه من إيران وقفزه من رأيه بتسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي في السبعينات إلى رأي حاد تجاه إيران يكرره كل أسبوع مرة أو مرتين في وسائل الإعلام من دون كلل أو ملل وبيده كتابه المفضّل (حلف المصالح المشتركة) من تأليف تريتا بارزي. وحين يسأل عن نقّاده لا يريد أن يعرفهم، وإذا سألته عن الناقد السعودي علي العميم تحديدا يبدي لك جهله بهذا الاسم تماما. العميم كتب: (سيرة غير تبجيلية) في عبد الله النفيسي ونشرت على حلقاتٍ في مجلة (المجلة) ومن ثم طبعها ضمن كتاب، وبآخر المطاف طبع نقد العميم للنفيسي بكتابٍ مستقل. النفيسي رجل يهرب من تاريخه، فهو ابن لحظته، حين تستمع إليه وكأنه لم يكن ابن الانقلابات الجذرية الغريبة، منذ انضمامه مع حركة جهيمان العتيبي وإلى هيامه بإيران وصولا إلى تهييجه ضد (المد الصفوي).
النفيسي الذي ألّف كتابه (الإخوان المسلمون.. التجربة والخطأ) سنة 1989 لم يكن ينتقد الجماعة أو المنهج وإنما يتناول التجربة والخطأ، يناقش الأخطاء على المنهج، ويسائل التجربة على المأمول، يعبّر عن خيبته هو من الإخوان المسلمين غير أنه لم يغادرهم». ويضيف الشقيران: «النفيسي درجة زئبقية من الإسلاميين، وآراؤه التي يبدو للبعض أنها مؤسسةً لنظرٍ جديد في العمل الإسلامي ليست إلا تلبيةً لعظمة الذات التي يشعر بها، فهو رجل متوقد لا يتبع إلا نفسه، يتقلّب تبعا لسياسته هو تجاه الأنظمة، من تبجيل قطر إلى العودة لحضن السعودية كما في لقائه الأخير على قناة (mbc1) والذي ركّز فيه على ضرورة (نسيان المشكلات مع أنظمة الخليج) والبدء في صد العدوان القادم من إيران، إيران ذاتها التي كان النفيسي هائما بها وبظواهرها منذ أن غاص بأطروحته التي اختبرها في العراق بضيافة السيد محسن الحكيم الذي أتاح له رؤية ما شاء من الوثائق ليكتب في 1972 أطروحته (دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث)». وختم الشقيران: «النفيسي ليس منشقا وإنما ميّز نفسه لأن عباءة أي جماعة لا يمكنها أن تملأ انتفاخه الذاتي والذي يتضح في لقاءاته الإعلامية حيث يتحدث عن (تهاويل) بعضها صحيح وبعضها مبالغة، وعلى رأسها النظرية التي تبهر المذيعين الذين يلتقون به عادةً وأعني بها (أم القرى) لمحمد جواد لاريجاني».
المفكرون ينشقون..الإسلاميون التقدميون تجربة نادرة في تاريخ الحركات الإسلامية، وهي «فريدة» في حركة التجديد الإسلامي في القرن العشرين، من حيث الإضافة الفكرية، ويقول حسام تمام عنها إنها كانت فاشلة ومتعثرة تنظيميًا، بيد أنها تمثّل النموذج الوحيد في الحركات الإسلاموية الذي حاول التجديد خارج الأصول والقواعد الثابتة للفكر والفقه الإسلامي. ونسب إليها تيار اليسار الإسلامي وقال إنّه ظهر في بعض البلدان العربية كامتداد لتجربة الإسلاميين التقدميين بتونس.
رواد هذه الحركات يخرجون عن الطوق الإخواني، التنظيمي، فهم يحاولون إثبات جدوى ممارسة الحرية في إطار ملائم، وخروج يكون مصحوبا لا بالوفاء للفكرة القديمة الإخوانية المنسوبة سواء لحسن البنا أو سيد قطب، إنما يستصحب بالتطوير والتفكير في تقييدها، وغالبًا ما يفتقد المفكرون الذين يبدأون مثل هذه المشاريع إلى العلاقات العامة الملائمة، فيتحولون إلى شخصيات أقرب ما تكون إلى المستقلين، ولكنهم بماكينة إخوانية كاملة الدسم.
يصح لنا أن نقول في مجمل الحديث، ونحن نلملم الأطراف، لنضع الختام، إنّ حركات الإسلام السياسي تنشق ذاتيًا، وإن عقلها الجمعي يستخدم الانشقاق أحيانا كغطاء أو تكتيك للهروب من مرحلة إلى مرحلة، والانشقاقات التكتيكية، ثارت في حالات كثيرة، مثل الترابي البشير، الجبالي الغنوشي، أبو الفتوح والجماعة، الهلباوي والجماعة، وحتى في إخوان الخليج انشقاق النفيسي، وجاسم سلطان، ووضعية السويدان، كلها انشقاقات قد تكون مدبرة، هدفت لتحقيق التالي:
1 ـ تكوين مواعين استيعاب، وخداع الجمهور، وفك احتقان الشارع، بأن يتزعم الطرف المنشق الجماهير الحانقة، ويخفف الاحتقان.
2 ـ تشتيت القوى الأمنية، وتذويب خيوط المتابعة، وهي من أساليب العمل التنظيمي الإخواني، إخفاء مراكز القرار الحقيقية.
3 ـ خلق رمزية فضفاضة، لمبادئ البنا، بأن ينتسب لها كل المختلفين، فالهلباوي يقول إن الإخوان ظلموا مبادئ البنا، وكذلك يقول بديع، وهي دعاية مجانية للبنا.
يقول المحبوب عبد السلام في كتابه «دائرة الضوء وخطوط الظلام»: «الأجيال التي كابدت من الناس لم تكن تدري لماذا كابدت، والشهداء ماتوا لغير ما هدف واضح، وبعضنا لا زال يجاهد لأنه يعتقد أن القضية لا تزال قائمة، ما يحدث هو مسرحية من تأليف شيطان هازئ ساخر وما يحدث هو عين الحقيقة وصميم الجبلة البشرية عندما يستغرقها عنفوان السلطان وسكرته سنوات وسنوات بغير علم قادر وجهاد ظاهر.. شعرة معاوية تنقطع ويتحول الابتلاء إلى لعنة، وذات الذين نشأوا تحت أعيننا سنوات بُعثوا لاعتقالنا. لحظتها هي لحظة الحيرة العظمى التي تنتاب الناس الكبار من المفكرين والمبدعين فيكون الشيء ونقيضه حاضرا في ذات الوقت في مخالفة مأساوية لبدائيه المنطق.. (فجهلي كلاجهلي وعلمي كلاعلمي) أبو نواس. (عما نسيت وكدت لا أنسى وشك في اليقين) بدر شاكر السياب. (لماذا جئت إلى أرضي تنهب وتخرب.. الدخيل هو الذي قال ذلك لصاحب الأرض وصاحب الأرض طأطأ رأسه ولم يقل شيئا) الطيب صالح».
[/JUSTIFY]بقلم : عمر البشير الترابي
سلام عليكم
الامة تنقسم 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. والناس بطيبعتهم مختلفون، والأخوان المسلمون حزب نشأ بمساعدة التعليم الحديث بعد توفر العوامل السياسية بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة الإسلامية، فهم تيار سلطوي تسنم الدعوة الإسلامية لسبيل أغراض معينة انحصرت بطول الزمن في الأشخاص، فما زادت عن كونها نوع من الطائفية التي كرست لها الفلسفة قديما والاستعمار النصراني حديثا.