رأي ومقالات

وجوه فى القصر

[JUSTIFY]كل ما يقال عن موقف التفاوض مع قطاع الشمال فى ظل الظروف الحالية من قبل الأجهزة الرسمية منذ انفجار أزمة أبو كرشولا وحتى الآن لا يعدو كونه رأياً، لكن الحكومة لم يصدر عنها بشكل رسمي ما يفيد أنها لن تعود الى مائدة التفاوض إلا بعد تحرير الأرض، سوى تحريف للكلم عن موضعه قامت به بعض الصحف إثر تصريحات أدلى بها النائب الأول للرئيس، فى أم روابة صبيحة الأحداث، ذكر فيها أن الوقت ليس للكلام وإنما للعمل فظنه البعض يعني وقف التفاوض الى ما بعد تحرير أبو كرشولا .

هذا التأويل نسج البعض على منواله ما يفيد بأن كل شيء مرهون بالتحرير حتى التغيير الذى من المنتظر أن تهب رياحه على الدولة والحزب الحاكم بعد تصريحات نائب الرئيس الحاج آدم التى أدلى بها فى مخاطبته لأمانة الشباب بالحزب الحاكم فى وقت سابق من هذا الشهر. إلا أن بعض المحللين يرون أن الحديث إبن لحظته وقد فرضته المناسبة لما فيه من إشارة الى إفساح المجال أمام الشباب . فى اللقاء الذى جمعه مع قيادات العمل الإعلامي قال السيد على عثمان محمد طه (نعم للمحاسبة، نعم لتغيير المواقع ولكن ذلك يجب أن يحدث عقب تجاوز الظروف الحالية حتى لا ننصرف عن المعارك الأساسية الى معارك جانبية).

وقامت بعض الجهات بتصوير المعارك التى عناها النائب الأول بأنها معركة تحرير أبو كرشولا مما يعني أن التغيير مرهون بها، وهذا التفسير للخبر يخص تلك الجهات التى تضع رغباها مقام الحقائق ولا يشير بالضرورة الى توجه الدولة. ومع ذلك فإن الموقف على جبهات القتال لا بد أن يلقي بظلاله داخل البيت الحكومي الذى ظهرت فيه بعض التصدعات فى الآونة الأخيرة فمن ناحية وجدت الحكومة فى تجدد المعارك والتي لم تسع إليها فرصة لاستيعاب نشاط الشباب (السائحون) ولفت أنظارهم بعيداً عن باحة القصر الجمهوري كما أنها ساهمت بتقديم أجندة وتأخير أجندة أخرى مع تلميحات بأدوار مرتقبة للشباب فى التغيير القادم والذي لا شك انه سوف ينطبع بالتقدم والتراجع فى الميدان من حيث الإحلال والإبدال للأفراد والسياسيات لما للتعبئة من أثر فى ذلك، وعليه فإن طول زمن المعركة سوف يخلق أجواء ليست فى صالح المعتدلين فى الدولة والحزب ومن المتوقع ظهور وجوه فى القصر تأخذ على الإنقاذ الى جانب الفساد تراخيها فى تطبيق الشريعة مستشهدة بما حدث من مظاهر سالبة فى الشارع العام ومحلات المساج والشقق المفروشة.. ألخ، أو ربما يفتح الحديث عن التغيير داخل الإنقاذ و داخل التيار الإسلامي الباب أمام وحدة الحركة الإسلامية من جديد خاصة وأن هنالك عناصر في تيار المؤتمر الشعبي لا زالت تستهويها فكرة الجهاد ويتوقون الى أن تجمعهم متحركات مع أخوان الأمس.

لكن يبقي السؤال هو هل تعود الإنقاذ الى برنامجها الابتدائي الذي قامت بمراجعات مهمة عليه تحت ضغط مختلف الظروف التى لا زالت ماثلة فى الوقت تحتاج الى تقدم فيه مزيداً من التنازلات التى تخفف عنها الضغوط الدولية والإقليمية، كما تحتاج الى اتفاق تفاهمات تنزع فتيل المواجهة المحتملة بأبيي؟ ولن تتقدم خطوة فى هذا الاتجاه وهي محاطة بتيار النقاء الأيدلوجي ممثلاُ فى السائحون المسنودين بمنبر السلام العادل وجبهة الدستور الإسلامي. هذا الى جانب أن الحكومة تحتاج الى مشاركة الآخرين فى عملية صنع الدستور الإسلامي دون الموافقة على فكرة الحكومة القومية والمؤتمر الجامع وإذا وجدت موافقة من البعض على شكل المشاركة التى تراهن عليها أن تخلع بعض المواقع فى الكابينة القيادية لحزب الأمة وزيادة الحقائب الوزارية للحزب الاتحادي الديمقراطي والذي إذا مالت الحكومة ناحية نده التقليدي أكثر مال هو عنها.

ومن ناحية السياسات لا بد من توفير مساحة للحركة تسع تنظيرات الصادق المهدي وتوضيحاته المعروفة على المشروع الابتدائي للإنقاذ وفيما يتعلق بتطبيق الشريعة.
كما يمكن أن تحدث نتيجة عكسية إذا طال انتظار المجاهدين على مشارف أبوكرشولا، وهي تصاعد الخطاب الداعي للحل السياسي داخل الإنقاذ وتقديم تنازلات ضرورية على مائدة التفاوض مما يتطلب تكيفاً حكومياً من حيث السياسات والترتيبات الهيكلية وسيسفر عن ذلك ظهور وجوه معينة في القصر لأن الحكومة في هذه الحال تحتاج أن تبعث برسائل إلى جهات دولية وإقليمية من خلال التغيير ولا يغيب عن ذهن الحكومة أنها قد تجد نفسها مضطرة إلى ذلك وتتحسب له بضبط خطابها الإعلامي بإنهاء حالة التضارب في التصريحات بين مختلف الجهات، وقد أشار وزير الإعلام في وقت سابق إلى تكوين آلية إعلامية موحدة حتى تتعامل الدولة مع مختلف الاحتمالات وفق مقتضي الحال.

إذاً الواقع الميداني سوف يلعب دوراً مهماً في تحديد ما إذا كانت هنالك وجوه قديمة سترحل وتظهر وجوه جديدة مكانها أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تبديل مواقع بين ذات المجموعة المتنفذة منذ أكثر من عقدين من الزمان كما ستحدد حال الميدان أيضاً ما إذا كان التغيير سيكون داخل البيت الإنقاذي والفريق السلفي أم أنه سيطال لاعبين جدد من المعارضة القريبة من السلطة.
لكن السؤال المهم في أمر ذلك التغيير وينتظر أن تجيب عنه الأيام هو هل سيكون باتجاه التحول الديمقراطي أم باتجاه النقاء الإيديولوجي للإنقاذ.
لكن نتيجة المعركة وحدها لا تحسم طبيعة التغيير، فالحكومة يمكن أن تنتصر على قوات الجبهة الثورية وتمضي في طريق الاعتدال إذا حدثت متغيرات دولية وإقليمية فرضت على قطاع الشمال تخفيض سقف مطلوباته مما يجعل الحكومة مجبرة على تخفيف الصبغة الإيديولوجية في داخلها ويمكن أن يحدث العكس إذا اكتشفت أنها تقدم دون إن تأخذ.

فالوعود لتيارات الشباب من نائب الرئيس لا يمكن التعويل عليها في تحديد طابع التغيير لأنها لا تعد التلميح الذي فرضته المناسبة وحديث النائب الأول مع قيادات الإعلام عن التغيير والمحاسبة يمكن أن يبقي الباب موارباً حتى في حال تحميله غير ما يحتمل.
كما يحتمل. كما لا تحسم طبيعة ذلك التغيير الأخبار المتواترة عن احتمال ظهور شخصيات عسكرية ومدنية في التشكيلة الحكومية الجديدة لأن تلك الأخبار كلها رشحت ولم تصدر عن الحكومة والمبني للمعلوم منها منسوب إلى مصادر من الصف الثاني أول إلي جهات غير تنفيذية في الدولة ويتم تضخيمها إعلامياً من قبل جهات لا زالت تطالب رئيس الجمهورية بأن يرد لقادة الانقلابية الأخيرة شاراتهم ورتبهم العسكرية حتى يكتمل العفو الرئاسي عنهم مما يجعل العملية برمتها لا تعدو أن تكون أحلاماً للبعض داخل مشد سياسي مفتوح على كل الاحتمالات ولا يوجد احتمال واحد تدعمه حقائق ثابتة ويمكن التحقق منها.

صحيفة الخرطوم
قرشي عوض[/JUSTIFY]

تعليق واحد