جعفر عباس

أب بلا قلب!

أب بلا قلب!
كان من عادتي أن أدخل على صغاري دائما وأنا أحمل لهم شيئا يحبونه، وحتى بعد أن كبروا أحرص بين الحين والآخر أن أدخل عليهم وأنا أحمل بعض الممنوعات (كي لا يشطح بك الخيال أعني على سبيل المثال المشروبات الغازية والآيسكريم والبيرغر) ومع هذا كنت وما زلت أتعمد رفض العديد من مطالبهم، لا لشيء سوى ان يعرفوا انه لا يمكن ان تكون طلباتهم كافة مستجابة، مما يعرضني للاتهام بأنني «قيحة» أي بخيل، بل إن ابنتي مروة كانت في طفولتها كلما رفضت لها طلبا تسأل عن سبب الرفض، ومن باب «قفل الحجة» كنت أقول لها: ما عندي فلوس، وكان لذلك الرد عواقب نفسية ومعنوية وخيمة، لأنها كانت تلتفت نحو أمها وتسألها: ليه ما تزوجتِ واحد غني؟ وهكذا صرت أبرر رفضي شراء ما تطلبه مروة بأن البنك «مقفول»، فصارت بدورها تقول: في صناديق في الحيطان بتدي فلوس (تقصد أجهزة ايه تي ام/ الصراف الآلي)، وأقنعتها بأن الذين يأخذون نقودا من صناديق الحيطان حرامية.. عايزة بابا يكون حرامي ويدخل السجن؟
ولك أن تتخيل مدى سعادتي عندما قرأت على عيالي حكاية الأمريكي مارتي براون: عندما يريد مارتي أن يهنئ شخصا ما بمناسبة سعيدة، فإنه يستخدم بطاقة أتته من شخص آخر، ويقوم بشطب ما عليها من كلام، وكتابة عبارات التهنئة الخاصة به، وبالنسبة إلى «البامبرز» فإنه يشطف ويجفف البامبرز المشبع بالفضلات البشرية، لإعادة استخدامه، ويصرف لزوجته وبناته الثلاث الكبار لفة ورق تواليت واحدة في الاسبوع، يعني اذا اصيبت احداهن بإسهال فعليها ان تقترض من الأخريات، او تلجأ الى بيت الجيران، ويسمح مارتي لزوجته بمكالمة هاتفية واحدة في الشهر مع امها مدة خمس دقائق فقط، ويظل واقفا جوارها وهي تتكلم ممسكا بساعة توقيت (ستوب ووتش) وما أن تنقضي الدقائق الخمس حتى ينزع السماعة من يدها ويغلق الخط، ويتم اعداد شوربة الطماطم في بيته بخلط عبوات الكتشاب في الماء الساخن، ويقوم مارتي بسرقة اكياس الكتشاب الصغيرة من مطاعم الوجبات السريعة حيث تكون في متناول الجميع.. وتحكي كاثي زوجة مارتي انه قدم لها عند الزواج دبلة جميلة صفراء ولكن سرعان ما اكتشفت انها مصنوعة من النحاس، وفي شهر العسل اقام معها في مقطورة يملكها اخوه قرب مقلب القمامة في المدينة، ورغم ان بيت العائلة مزود بمكيفات هواء ومراوح فإن مارتي قام بتعطيلها، بل لا يسمح للعائلة باضاءة اكثر من مصباح كهربائي واحد في البيت مساء!
والغريب في الامر ان مارتي ليس معسرا بل احواله المادية متيسرة ولديه رصيد مصرفي طيب، ولا شك عندي في ان عياله ينتظرون موته بفارغ الصبر كي يعيشوا كالآخرين. وفي احدى مدن السودان كان احد كبار التجار على درجة عالية من البخل، وكانت الملابس التي يرتديها ابشع من تلك التي يرتديها القذافي وشعبولا، وبعد اصابته بداء السكر تلوث جرح في احدى قدميه، لانه لم يكن على استعداد لشراء الانسولين لجعل السكر تحت السيطرة، وبعد تدهور حال القدم المصابة استدعى الطبيب اكبر اولاد الرجل وقال له بنبرة حزينة: اذا لم تتحسن حالة ابيك خلال 48 ساعة فقد نضطر الى بتر قدمه، فقال له الابن: اذا لم تتحسن حالته خلال 48 ساعة فابتره هو نفسه بالكامل! صف هذا الولد بما تشاء من اوصاف، ولكنك لا تستطيع ان تنكر ان بخل والده هو الذي جرده من اي عاطفة تجاهه، فصار يمني نفسه بعيشة هنية بعد وفاته!

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

‫3 تعليقات

  1. هذه حقيقة ماثلة في جميع المجتمعات ، وأي ابن يحق له التصرف بهذه الطريقة إن كان الوالد لا يحسن إليه ،، وقالوا بر ابنك كي ابنك يبرك والإنفاق
    بسخاء نوع من أنواع البر .

  2. وهو فعلاهنالك اباء ماعندهم قلوب وقلوبهم مصنوعه من الحجاره الناشفه التي لاتطلع الماء,واحتمال كبير ديل من الجيل القديم الذي اتحرم من الحنان والعيشه اللينه جيل صابونه الاسمنت وقل اللعب او الهديا من ملابس وغيروا مع انهم كانوا يتشاركوا في كل شئ من الشبب الي الملابس لعدم الوجودلكن بعضهم الان ناشف مع اولاده احتمال دا باب فاقد الشئ لايعطيه والناس ديل لو مانشروا العقد حقتهم علي حبل الغسيل ونفضوا الغبار ونسوا الماضي ماهاينفعوا. واحتمال اخر يكون الجيل القديم افضل من جيل اليومات دي الجيل الذي وجد كل شئ واصبح في شكلوا اقرب لتخنث لاتعرف تفرق ولد ولابنت جريا وراء تقليد الغرب والاباء والامهات مشغولين بي باب ما اجبرنا علي المر الاء الامر منه وماذا يفيد الشاة بعد ذبحها وبقي الحال علي ماهو عليه ؟اما سياسه البخل الشديد اكد وراءها حكمه وقصد وقدر ما حاولنا نبطق هذه النظريه بقي صعب علينا الااذا اجبرتك الظروف عليها وفي النهايه غير ماتذيدك مرض اكيد ما هاتؤدي للامام عشان كدا احسن نرجع الي باب الكرم والاسراف اصلوا الحياه دااااااا باقي فيهاااااااااكم؟؟

  3. عمت مساءا” أستاذي العزيز جعفر عباس .. وبعد.. فقد شدتني مقالتك اليوم وهذه الوقائع التي ذكرتها موجودة منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا .. والسبب في وجهة نظري أن بعض الميسورين الذين تعبوا في حياتهم الأولية وكافحكوا وبنوا أنفسهم من الصفر!! لا يريدوا لأبنائهم أن يتمتعوا ويستلذوا في أموالهم بلا تعب ولا جهد .. ودعني أذكر لك قصة حدثت لشخص أعرفه تمام المعرفة !! فقد كنت أعرف شخصا” رحمه الله ميسورا” ويملك أرصدة ضخمة في البنوك لكن أقرب الناس إليه لا يعلمون عن ثروته شيئا”!!! فقد كان يعتقد أهله أنه شخص بالعامية (كحيان) مفلس لا يملك شيئا” .. لكن حينما توفي طلب البنك من الورثة المجيء للبنك لإنهاء بعض الإجراءات .. وقد تسلل الخوف إلى قلوبهم خوفا” من أن يكون مديون بمبلغ كبير !! لكنما حينما ذهبوا إلى البنك وكانت الطامة المفجعة والخبر الذي لم ولن يتوقعوه!!!! وإذا بهم أبناء لشخص يملك حوالي 20 مليون دولار … هذا عدا عن العقارات والمباني وغيرها إلخ … فنصيحتي لكل أب (متع أهلك حتى يذكروك بالخير) دام قلمك نابضا” أستاذي العزيز ..