رأي ومقالات

رأس المال .. جدليّة الربحيَّة والمسئوليَّة الإجتماعيَّة

رأس المال كما تعرفه منهجيات الاقتصاد اصطلاحا هو الأموال في صورتها الثابتة والمنقولة التي تلزم لابتداء نشاط تجاري لأغراض الربحية أو الأعمال الإنسانية.وهو ذات رأس المال الذي قال فيه كارل ماركس في نظرية فائض القيمة (الربح) ما لم يقله مالك في الخمر، وهو ذات رأس المال الذي نهي عن إكتنازه الإسلام دون إنفاق، والإنفاق هو عين المسئولية الإجتماعية.
غير أنّ المشهور عن رأس المال هو البحث الدائم عن مزيد من الأرباح التي تُحتجز لتضخيم رؤوس الأموال هذه.. وتبقي مسألة المسئولية الإجتماعية قابلة للجرح والتعديل.
ولقد راودتني نفسي علي كتابة هذا المقال تحت عنوان (الإستثمار في مصائب الآخرين) الشاهد أنّ الإستثمار الرائج طوال السنوات الأخيرة هو في مصائب الناس فالمرض والبحث عن الخدمات الصحية والطبية صارت دافعاً لفتح العشرات من العيادات الخاصة والمستوصفات والمستشفيات الخاصة التي تشبه الفنادق باعتبار الإقبال المتزايد للناس عليها في غياب الدولة وانسحابها البائن بينونة كبري من أهم أدوارها في حياة الناس وهو توفير الخدمة الصحية للمواطن العادي . ولا أتصور أنّ مصيبة أكبر يمكن أن تقع علي رأس المواطن أكثر من فقدانه للصحة ووقوعه فريسة المرض حينها سيلهث خلف المستثمرين الجدد بحثاً عن الصحة المفقودة ولو بكنز سليمان. ولم يكن الناس يعرفون (الميتة وخراب الديار) علي رؤوس الأشهاد إلا في زمن الإستثمار في مصائب الناس .. يمرض أحدهم يدخلونه المستشفي الخاص فيموت حتف انفه ويدفع ذووه أربعين مليوناً ثم يخرجون يحملون فاجعتهم وجنازتهم.نسأل الله السلامة.
المصيبة الاخري التي يستثمر فيها الأثرياء الجدد هي التعليم فحين يفشل إبنك في مدرسته الحكومية بسبب الإنسحاب الذي مارسته الدولة عن مهمة التعليم وتوفير جودته الأكاديمية في حدها الأدني تجد نفسك مضطراً للمدارس الخاصة التي هي ليست البديل المناسب للمدارس الحكومية غير أنها أوعية للإستثمار الجديد الذي يسعي للربح وليس لتجويد العملية التعليمية ولذلك ليس غريباً أن تجد إحدي هذه الأوعية الإستثمارية تحت لافتة جامعة خاصة أوكلية خاصة وقد أعلنت القبول للكليات الطبية فيها بدرجة خمسين بالمائة دون أية إعتبارات للمقدرات العقلية والمهارات الفطرية.
والإستثمار في مصائب الآخرين فتح الباب علي مصراعيه لتتطاول قوائم الأثرياء دون إنتاج حقيقي يعود ريعه إيجاباً علي هيكيلية الإقتصاد السوداني، وليس محض نشاط هلامي غير منتِج هدفه فقط تعظيم الارباح واستيلاد مسوخ مشوهة من أثرياء زمن الغفلة.
وإلي وقت قريب حينما كانت الدولة تضطلع بمسئولياتها في قطاعي التعليم والصحة وكانت المشافي والمدارس ذاخرة بالخدمات ذات الجودة لم يكن رأس المال يفكر ادني تفكير في الإقتراب من هذين المجالين بل كان ينصرف بعيداً إلي حيث مزارع السمسم والتجارة العمومية وهو نشاط تجاري فاعل جداً، والرأسمالية الوطنية التاريخية في السودان تحظي بالتقدير علي مر السنوات ومشهود لها بالعمل الجاد والإجتهاد في دعم الإنتاج وتشييد صروح إقتصادية ضخمة ولم تكن أموالهم بين ليلة وضحاها أو نتيجة ضربة حظ بل كانت نتاج عمل دؤوب وخطوات وئيدة وسنوات وسنوات حتي صارت أسماؤهم رموزاً في عالم الإقتصاد والإستثمار في السودان، ويتذكر الناس هنا الشيخ مصطفي الأمين الذي خرج من قريته وفي جيبه ريال مجيدي واحد فقط وعلي ظهر حماره أسس رويداً رويداً حتي امتلك أضخم المجموعات الصناعية التي صدَّرتْ الزيوت إلي ألمانيا.
والمسئولية الإجتماعية هنا مفهوم يقوم علي تشجيع النظر في مصالح المجتمع ، وهو إلتزام أخلاقي أولاً قبل أن يكون إلتزام قانوني أو كما ينبغي ان يكون في سبيل اتخاذ المزيد من الخطوات لتحسين نوعية الحياة للعاملين واسرهم فضلا عن المجتمع المحلي والمجتمع ككل باقتطاع جزء من عائدات الأرباح التي تجنيها هذه الأوعية الإستثمارية وهي أرباح عالية في مقابل قدر يسير جداً من المخاطرة. وهنالك مبدأ يعرفه كل طالب إقتصاد في سنته الأولي وهو مبدأ High risk – High return: ومعناه خطورة عالية تعطي نتيجة عالية أو إيراد عالي. فعائدات المخاطرة للنشاط الإقتصادي المعين هي الأرباح أو الخسائر التي تجنيها بممارستك لذلك النشاط المعني . لكن في مثل أنشطة الإستثمار في مصائب الناس فليست هنالك مخاطر عالية من النشاط إنما فقط عائدات عالية جداً مقابل أقل مجهود وبلا مخاطرة (اللعب في المضمون) وهذا من سمات الأنشطة الهلامية غير المنتجة والتي تهتم فقط باكتناز الأموال كيفما اتفق دون أن يكون لها إسهامها الفاعل في الإقتصاد ودون أن تسمح بتوزيعات مالية لصالح المجتمع وبالكاد تجد لديها مكاتب منزوية يقبع فيها باحثون إجتماعيون أو موظفو علاقات عامة وما بين (أمشي وتعال) ينفحونك في تلك المشافي الخاصة ببضع ملاليم لا تسمن ولا تغني من جوع بعد سلخ جلد النملة أو بتخفيض لا يُذكر في رسوم إبنك الدراسية ذات الملايين (المتلتله). أما خدمات مجتمعية بما يوفي المسئولية الإجتماعية حقها فذلك مثل بيضة الرُخ.
ربما أجد نفسي في حل من الإسترسال والدخول في سفسطة أكاديمية يملها القارئ مثل وفورات الحجم وعائدات المخاطرة وغيرها من مفاهيم الإقتصاد التي عند التأمُّل فيها لا تزيدك كمراقب والحال هكذا إلا يقيناً باستسهال كنز الاموال عند هؤلاء المستثمرين والأثرياء الجدد بالدخول في أنشطة مضمونة النتائج لكنها غير مجدية للمجتمع بل مجدية لشخص أو بضعة أشخاص يدمنون الجلوس خلف (الكندشه) بينما يحصدون أرباحهم من مصائب الآخرين ولا تكاد تجد فائدة مجتمعية ذات قيمة أقول ذات قيمة للمجتمع يبذلها أصحاب رؤس الاموال هؤلاء حتي وإن فعلوا تجدها فرقعة إعلامية لا ترتقي للخدمة التي ينبغي تقديمها كخدمة مجتمعية من باب المسئولية الإجتماعية.
وقديماً قالوا إنّ ربحاً مناسباً يجعل رأس المال جريئاً، وعشرة في المئة تدفعه لأن يعمل في أي مجال، وعشرين في المئة تزيد اندفاعه، وخمسين في المئة تجعله طائشاً متهوراً، ومئة في المئة تجعله يدوس بالأقدام كل القوانين البشرية.
وجرأة رأس المال التي نراها بلا كوابح في زمان الفوضي والإنتهازية هي تماماً في هوجتها مثل الثور في مستودع الخزف حتي تهاوت معها أخلاقيات كثير من الناس في رحلة البحث عن مزيد من المال حيثما اتفق وكيفما اتفق.

%D9%81%D9%8A %D8%B1%D8%AB%D8%A7%D8%A1 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%86 %D8%A8%D9%8A%D9%86 %D8%AF%D9%83%D8%A7%D9%86 %D8%AA%D9%90%D8%B1%D9%92%D9%81%D9%90%D8%B3 %D9%88%D8%AC%D9%8E%D9%80%D8%A8%D9%92%D8%B1%D9%90%D9%8A %D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A 1—%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85 %D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D9%82%D8%B3%D9%85 %D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87 %D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85 220 بقلم/ محمد قسم الله محمد إبراهيم
[email]khaldania@yahoo.com[/email]

‫2 تعليقات

  1. مقال موفق جدا لامست عصب الضرس ياعزيزى ولكن المشكلة تكمن فى من تغذي بهذا الدم المصموص عنوةكثير من ارتدت عليه دعوات المقهورين والمظلمين فجمع بين شهرة المال وسوء الاخلاق فى الزوجة والعيال والمرض العضال