جعفر عباس

كاذب رغم أنفك (2)

كاذب رغم أنفك (2)
ظلت الأجهزة الأمنية الأمريكية تستخدم جهاز الكشف عن الكذب المعروف بالبوليغراف منذ 90 سنة، ولكن مجلس البحوث التابع للأكاديمية الأمريكية للعلوم أصدر قبل سنوات تقريرا يفيد بأن ذلك الجهاز «كذاب» لأنه يدّعي قدرات لا يمتلكها، وكان ذلك بعد تجارب أثبتت ان الانسان اذا كان يعرف انه سيخضع لاختبار الكذب على البوليغراف وأعد أجوبته الكاذبة بحيث تكون حسنة السبك ورددها لنفسه (أي عمل بروفة) حتى اطمأن إلى أن أكاذيبه تلك «حقائق»، فإنه يكذب بقلب جامد ولا تصدر عنه أي إشارات يستطيع الجهاز التقاطها ليثبت انه كاذب.. ولي صديق يكذب على مدار الساعة كذبات من مختلف الأوزان: من وزن الذبابة إلى وزن الدبابة.. يسافر في إجازة إلى قبرص ويكلمك من هناك ليقول لك همسا: أنا في إسرائيل في مهمة رسمية سرية.. وتقول له: ولكن رقم الهاتف ورمز فتح الخط يؤكد انك في قبرص!.. لا يرمش صاحبي ولا يتأتئ بل يرد عليك بقلب جامد «المخابرات الاسرائيلية الموساد قامت بتمرير المكالمة عبر قبرص حتى لا ينكشف أمري».. ذات مرة قال لي بعد إحدى سفراته «المريبة» ان أحد أعمامه توفي وترك له مبلغا ضخما، وإنه سافر كي يحول المبلغ إلى حسابه في بنك محلي فطلبت منه على الفور «صدقة»: انت عارف أخوك مزنوق وأكون شاكرا لو أعطيتني الف ريال هبة ومنحة.. ولأن الكذب عنده حرفة فقد غاب عني نحو ساعة، ولا أعرف ما إذا كان قد ذهب إلى الصراف الآلي أو للاستدانة من شخص ما، وعاد وأعطاني الف ريال قائلا: هذا نصيبك من ورثة عمي.. تستأهل أكثر من هذا بس ما عندك طموح!! وأخذت المبلغ منه، فكاد يغمى عليه فقد كان يحسب ان «عزة النفس» ستمنعني من أخذه.. ولكني ندمت لأنني لم أطلب منه مبلغا كبيرا!! ولو جاء الأمريكان والشيشان والأفغان بكل أجهزتهم لكشف الكذب واستجوبوا صاحبي هذا على مدى سنوات ما سجلوا عليه كذبة واحدة رغم ان كل من يجالسه خمس دقائق يعرف انه كذاب محترف.. يعطس فتقول له: يرحمك الله!! فيرد: أنا مش ميت.. ولا تستطيع ان تقول له إن طلب الرحمة للأحياء واجب، ولكن كل ما يعنيه في الأمر هو نفي أنه عطس،.. يا عزيزي انت قلت: إتش.. والرذاذ الذي صدر عن فمك مازال على وجهي، ولكنه يفاجئك بأنه فقعها ضحكة عندما تذكر المصارع الأمريكي تريبل إتش فنطق باسمه بصوت مرتفع فحسبته أنت عطسة.. وهذا ما يجعله محبوبا من الجميع.
الجديد في عالم الكشف عن الكذب في الولايات المتحدة جهاز «نو لاي إم آر آي» طورته شركة اسمها سيفوس.. نو لاي تعني «لا كذب» أما «إم آر آي» فهو الجهاز الطبي المعروف باسم الرنين المغناطيسي.. والجديد في امر هذا الجهاز انه يقوم بالتنقيب في مواقع معينة في المخ لتحديد ما إذا كان الشخص المستجوب صادقا ام كاذبا.. ومن خضع للتصوير بذلك الجهاز يعرف هول التجربة، فالجهاز عبارة عن مغناطيس ضخم، ويتم تقييد حركتك بأربطة ثم وضع سدادت على أذنك وتجد نفسك فجأة محشورا في قبر معدني.. لأن جسمك كله يدخل في تجويف ضيق، ورغم السدادات تسمع بوضوح آلاف المطارق تنهال على الجهاز وكأن هناك من يحاول ان يكسره وأنت بداخله بلا حيلة.. ولو حشروك في ذلك الجهاز ستعترف بأنك مؤسس تنظيم القاعدة وليس أسامة بن لادن، وبأن سيف الإسلام القذافي مقيم في بيتك، وبأن لديك أدلة على أن الشيخ حسن نصر الله شيوعي وليس شيعيا!

جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد

  1. أستاذي العزيز تحية طيبة وبعد ..
    من أراد أن يكذب فسيكذب سواء كان محترفا”, أو لا .. لكن المهم في هذه القصة أن تكون صادقا” مع نفسك ومع الآخرين .. فمهما بلغت إحترافية الشخص في الكذب والنصب والإحتيال !!! فستجد ما تمسكه به من خيوط الكذب ؟؟ وكما قيل في المثل (الكذب حبله قصير) و كما يقولون عن الصدق في القول والصراحة والوضوح (الصراحة راحة) أي أنك حينما تصدق فلا ترتاب لأنك لن تغير أقوالك في شيء ما دمت صادقا!!!!! .. وأذكر أحد الأصدقاء كان مشهورا” في الكذب لدرجة أنه نافس (مسيلمة الكذاب) في الكذب!! .. وكذب علي في قصة ورأيته في أحد المجالس مرة” وقد سرد على الأشخاص نفس القصة التي سردها علي لكن بتغيير الأحداث كليا” مما أثبت لدي أنه (مهرطق) أي نصاب و كاذب .. ولم أتردد في فضحه وبيان كذبه !!! حينما سألته ألم تقل يا فلان كذا وكذا؟ فأي رواية هي الصحيحة ؟ أم كلا القصتين كذب ؟ أم أنك مجرد (مهرطق) ولا تعي ما تقول ؟ ومن بعد هذه القصة أصبح صاحبنا يتحاشى الحديث معي أو إن شئت قل : الكذب علي!! .. دام قلمك نابضا” أستاذي العزيز .