أسرار الشعور
تزوج مرتين ، ولم تدُم تلك الزيجات طويلا ، ومردُّ ذلك أنه لم يكن متفرغا لأن يكون زوجا بدوام كامل ، فقد كان متزوجا بشغفه العلمي الذي كان يملأ أوقاته جلها ،ووجد المتعة واللذة في أبحاثه أكثر مما كان يجدها مع زوجتيه اللتان فضلتا الإنفصال على أن تعيشا نصف حياة زوجية أو قل شبه حياة زوجية ،،ثم كتب مقاله عن (أسرار الشعور) لأنه جرَّب وأدرك سرَّ تلك المشاعر ونقل إلينا التجربة بإتقان منقطع النظير ، تعالوا نستمع لتجربة المفكر العبقري الدكتور مصطفى محمود مع الشعور حيث يقول:” أنت لا تحس بالفانلة على جسمك إلا في اللحظة التي تخلعها ،أما في الساعات الطويلة بين اللحظتين ،وهي على جسمك فأنت لا تحس بها ،، إنها على جسمك ،تلامس جلدك وتلتف حول صدرك وظهرك وذراعيك ولكنك لا تحس بها ولا تشعر بوجودها ،والمرأة بالمثل تحس بها وأنت تشرع في الزواج منها في فترة التعارف والخطوبة وكتب الكتاب وشهر العسل ،فإذا لبستها تماما كالفانيلة وأحاطت بصدرك وظهرك وذراعيك فقدت الشعور بوجودها ،وأصبحت مثل قطعة أثاث في البيت تدخل كل يوم لتجدها في مكانها ،مثل المنظر الذي تطل عليه من نافذتك يثيرك للمرة الأولى ثم يصبح عاديا ثم تنساه تماما، وتظل المرأة منسية كالفانلة ،حتى تأتي اللحظة التي يدب فيها الخلاف بينك وبينها ويتأرجح الزواج على هاوية الطلاق وتبدأ في خلعها كما تخلع فانلتك ،، وفي تلك اللحظة تعود للشعور بها بعنف ويرتجف قلبك من خشية فراقها ،إن الزواج الذي يسمونه الزواج السعيد ،الزواج الذي يدوم فيه الوداد وتنتظم فيه العلاقة بين الزوجين في سياق رتيب هادئ يفتر فيه شعور كل واحد بالآخر وينطفئ الوهج من قلب الإثنين ،،ماالسر؟ السِّر في كيمياء الأعصاب ،، إن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة تحس بلحظات الإنتقال ولا تحس بالإستمرار ،، حينما تفتح الشباك فجأة تسمع دوشة الشارع تملأ أذنيك ،ثم تخف الدوشة شيئا فشيء حينما يستمر صخبها في أذنك وحينما تركب الأسانسير تشعر به في لحظة تركه ،وفي لحظة توقفه،، أما في الدقيقة الطويلة بين اللحظتين فأنت لا تشعر به لأن حركته تكون مستمرة ،، وحينما تنظر للشمس لأول مرة تغشى عينيك ولكنك حينما تتعود عليها تبحلق فيها دون أن تتأثر ،،وحينما تدخل السجن تفقد وزنك في الشهور الأولى، لأنك تحس بالفارق بين هواء الحرية وهواء الزنزانة ،ثم تتعود على الزنزانة فتفقد إحساسك بضيقها ،وتبدأ تأكل بشهية وتسمن ،إن الدوام قاتل الشعور،، لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الإحساس بالمنبهات التي تدوم ،، نحن مصنوعون من الفناء،، ولا ندرك الأشياء إلا في لحظة فنائها ،، نشعر بثروتنا حينما تفر من أيدينا،، ونشعر بصحتنا حينما نخسرها،، ونشعر بحبنا حينما نفقده ،، فإذا دام شيء في أيدينا فإننا نفقد الإحساس به ،،كيف تحافظ الزوجة على زوجها وتجعل حبه يدوم؟ لا توجد إلا وسيلة واحدة ،أن تتغيَّر وتتحول كل يوم إلى إمرأة جديدة، ولا تعطي نفسها لزوجها للنهاية ،تهرب من يده في اللحظة التي يظن أنه استحوذ عليها، وتنام كالكتكوت في حضنه في اللحظة التي يظن أنه فقدها، وتفاجئه بألوان من العاطفة والإقبال والإدبار لا يتوقعها،، وتحيط نفسها بجو متغير وتبدل ديكور البيت وتفصيله، وألوان الطعام وتقديمها،، على الزوجة أن تكون غانية لتحتفظ بقلب زوجها شابا مشتعلا ،وعلى الزوج أن يكون فنانا ليحتفظ بحب زوجته ملتهبا متجددا ،، عليه أن يكون جديدا في لبسه وفي كلامه وفي غزله ،،وأن يغير النكتة التي يقولها آخر الليل ،،والطريقة التي يقضي بها إجازة الأسبوع،، ويحتفظ بمفاجأة غير متوقعة ليفاجئ بها زوجته كل لحظة ،وزمان كانت الزوجة تتطوع بالرضا بالزوج على أنه قسمة ونصيب تحبه كما تحب أمر الله ،،وكان الزوج يتزوج ليعيش وكان الزواج ينجح لأنه مدعم بإرادة إلاهية أقوى من الحب وأقوى من السعادة وأقوى من كل شيء،، كانت الزوجة تحب زوجها طيبا وتحبه مجرما ،وتحبه مريضا ،وتحبه صحيحا ،وكان حبها في الحقيقة تدينا وعقيدة أكثر منه حبا ،، أما الآن فالزوجة تقرأ الصحف وتدخل السينما وتسمع الإذاعة وتطلب من زوجها غراميات متواصلة من نوع غراميات روك هدسون ،، ولينجح الزواج لا بد أن يكون الزوج بهلوانا، والزوجة بهلوانة، ليضع الإثنان الشطة في فطيرة الحب كل يوم ،، وبالطبع الزواج الآن ألذ من زمان ،، لكنه متعب ويغور بمشاكله ،،وأنا أُفَضِّل زواجا أستريح فيه على زواج أتشقلب فيه كل يوم لأحرِّك أعصاب زوجتي وأحافظ على حبها ،،وأجدد شهيتها نحوي ،، أُفضِّل أن تُحبَّني زوجتي في تديُّن ،، فأكون ربها ورجلها وبيتها وحياتها ،ويدوم حبنا لأنه عقيدة وإيمان قبل أن يكون حبا ،، لكن فين أيام زمان ، هذه أحلام ،، ليس أمامنا غير زغزغة أعصاب زوجاتنا وتقديم المشهيات العاطفية من كل لون ،لنحتفظ بهن ،وليحتفظن بنا ” هكذا حكم العالم المفكر الدكتور مصطفى محمود على العاطفة بين الأزواج فكيف ترونها أنتم بينكم وبين أنفسكم ؟
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]
الأخت الفاضلة هنادي، موضوعك في الصميم ولقد ابرزت فيه جوانب هامة تمسّ الزيجات المختلفة لا سيما الزيجات التقليديّة. لكنني أعتب عليك يا أختاه في وضع اللوم والثقل كله على المرأة فللرجل نصيب الأسد في أن يجعل من زوجته سعيدة وليست كقطعة أثاث كغيرها من أثاثات المنزل.
– ما هي المواضيع التي يتحدث فيها الأزواج، عدا الأولاد والمعيشة؟
– متى يخرج الرجل مع زوجه إلى حفل ساهر أو سينما أو ضريح أو حضرة؟
– متى يقدم لها وردة عندما يأتي من العمل؟
– كيف يحبّها ويقدرها بعيدا عن الروتين وضجر الأولاد؟
من أهم الأشياء التي ترفع من نسبة الحبّ – ملكة المرأة في تقرير مصيرها في العمل والخروج من الحبس اليومي إلى عالم آخر – مثال العلم والمعرفة واالتقدم الشخصي لها.
تحياتي
م.ب.