البيان القرآني في لفظي “زوج”و”امرأة”هل من تباين؟
لقد استعمل البيان القرآني لفظ (زوج) حينما تحدَّث عن آدم وزوجه :[وَقُلْناَ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنةَّ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة َفَتَكونَا مِن الظَّالِمين] البقرة ٣٥ ، وكذلك عندما تحدث عن محمد (صلى الله عليه وسلم ) وأزواجه أمهات المؤمنين ،فقال سبحانه: [النَّبِيُّ أَوْلَى باِلمُؤمِنينَ مِنْ أنْفسِهِمْ وَأَزْوَاجُه أُمَّهَاتُهُمْ] الأحزاب ٦ [وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً] التحريم ٣، كما أستخدم البيان القرآني لفظ (امرأة) في مثل: امرأة العزيز، امرأة نوح، امرأة لوط، امرأة فرعون، امرأة أبي لهب حمَّالة الحطب. فقد يبدو من القريب أن يترادف اللفظان فيقوم أحد اللفظين مقام الآخر، فنقول في زوج آدم مثلا: امرأة آدم، وفي امرأة العزيز: زوج العزيز، وذلك ما يأبه البيان المعجز للقرآن الكريم، لذلك رأينا أن نتدبر السياق الذي استعمل القرآن الكريم من خلاله هاتين الكلمتين فوجدنا أن (كلمة زوج) تأتي حيث تكون الزوجية هي مناط الموقف في حكمة قرآنية أو حكماً وتشريعاً، قال تعالى في آية الزوجية:[وَمِنْ آَياَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنوُا إلِيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة وَرَحْمَة] الروم ٢١ وكذلك عندما تحدث عن عباد الرحمن، قال سبحانه: [وَالَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّناَ هَبْ لَناَ مِنْ أَزْواجِناَ وَذُرِّيَّاتِناَ قُرَّةَ أَعْيُنْ وَاجْعَلْناَ لِلْمُتَّقيِنَ إِمَاماً] الفرقان ٧٤، وكذلك عندما تحدث عن “الأزواج” بالحياة الآخرة قال تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدونْ] البقرة ٢٥ وقال:[ادْخُلُوا الجَنَّةَ أنَتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرونْ] الزخرف ٧٠، فإذا تعطَّلت آية الزوجية من السكن والمودة والرحمة، بخيانة أو تباين في العقيدة أو تعاون على إثم وعدوان، فامرأة لا زوج: [امْرَأَةُ العَزيزُ تُراوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُباً إِنَّا لَنَراهَا فِي ضَلاَلٍ مُبيْن] يوسف ٣٠ وقال: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلذينَ كَفَروا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتاَ تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فََلمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيئْاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّار مَعَ الدَّاخِليِن] التحريم ١٠، امرأة فرعون وقد تعطلت آية الزوجية بينهما، بإيمانها وكفره: [وَضَرَبَ اللُّه مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنوا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ إِذْ قاَلتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّة وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ القَوْمِ الظَّالِمِين] التحريم ١١، وامرأة أبي لهب حمالة الحطب لتعاونها معه على الإثم والعدوان والكفر بالرحمن :[وَاْمرَأَتُهُ حَمَّالَة الحَطَبْ] المسد ٤، كما أن الحكمة الزوجية في الإنسان وسائر الكائنات الحية من حيوان ونبات هي اتصال الحياة بالتكاثر، وفي هذا السياق يكون المقام لكلمة زوج وزوجين وأزواج، ومن ذكر وأنثى، متكررة كثيرا في مواضع متعددة لتفي بهذا الغرض تحقق ذات المعنى ،منها قوله تعالى: [ يَأَيُّهَا الناَّسُ اتَّقوُا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة وَخَلَق مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءْ] النساء ١ فإذا تعطلت حكمة الزوجية في البشر بعقم أو ترمل فامرأة لا زوج، كالآيات في امرأة ابراهيم وامرأة عمران، قال تعالى عن امرأة ابراهيم:[فَأقَبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقاَلَتْ عَجوزٌ عَقيِم] الذاريات ٢٩. وقال تعالى عن امرأة عمران (أرملته) بعد وفاته وهي حاملا: [إِذْ قَالَتْ امْرَأَة عِمْرَانَ رَبِّ إنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فتَقَبَّلْ مِنِّي إنِّكَ أنَتَ السَّمِيعُ العَليِم] آل عمران ٣٥ وتتضح الصورة كاملة في تضرع زكريا واستجابة الله له: [ وَكَانَتْ امْرَأتَي عَاقِرا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياً] مريم ٥ ولما استجاب له ربه وحققت الزوجية حكمتها، كانت الآية: [فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهّبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ] الأنبياء ٩٠، وكذلك حينما تصاب العلاقة بين الزوجين بالفتور ويكون هناك خوف من النشوز والإعراض ويصاب السكن بالقلق وتتعثر صفة المودة والرحمة تكون (امرأة لا زوج) ،،قال تعالى:[وَإِنْ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشوزاً أوْ اِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحاَ بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنْفُسُ الشُّح وَإِنْ تُحْسِنوا وَتَتَقوا فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيراً] النساء ١٢٨، ومن الملفت للنظر استخدام كلمة النساء (جمع امرأة) في أمور الطلاق جميعها، ولم تذكر ولو مرة واحدة كلمة الزوجات (جمع زوج) كذلك في الإيلاء والظهار[لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤوْا فَإِنَّ اللَّه غَفَورٌ رَحيِم، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ اللَّه سَمِيعٌ عَليِم] البقرة ٢٢٦-٢٢٧، أما عند انتهاء العلاقة الزوجية بأمر خارج عن ارادة الزوجين مثل وفاة الزوج الحريص على بقاء الحياة الزوجية حتى وفاته، تكون زوج لا امرأة: [ والذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِن أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُناحَ عَلَيْكُمْ فيِمَا فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِّنَّ باِلمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلونَ خَبيِر] البقرة ٢٣٤ ،،تحدث النص السابق عن التواتر الدقيق في استخدام كتاب الله لألفاظه ومعانيه ، بحيث تظهر الفروق اللفظية في بعض الكلمات مثل : [سنة -عام] و [سبع سنبلات -وسبع سنابل] ليبرز لنا المعنى دقيقا واضحا يتماشى مع واقع الوصف بدقة متناهية لا لبس فيها ،بحيث نعجز جميعا عن الإتيان بمثل هذه الأوصاف الدقيقة ،فلا سبيل لنا إلا التأمل والتدبر في جماليات كلمات الله جل علاه ونستشعر حكمته .
هنادي محمد عبد المجيد[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]
موضوع جدير بالإشادة والقراءة. ما أجمل البيان حينما يختلط بالتبيين. شكرا يا أستاذة في ابراز حلاوة اللفظ القرأني وجمال بلاغته.