جعفر عباس

غازي بلاسيبو

غازي بلاسيبو
أحتفظ في مكتبي بنحو ستة كتب للأستاذ الحبيب الرهيب الراحل الدكتور غازي القصيبي، وكلما أحسست بالملل، او عكنني أمر ما، سحبت كتابا وفتحته كيفما اتفق، فأقرأ منه بضعة اسطر او صفحات، ويدخل علي أحدهم فيجدني أفضفض من الضحك، فيسأل الله ان يشفيني، حتى أعمال القصيبي الكبيرة من شاكلة «شقة الحرية»، و«العصفورية»، و«حياة في الإدارة»، أعيد قراءتها بين الحين والآخر، بادئا بصفحة 78 او 29 بحسب التساهيل، فلكل ما يكتبه القصيبي تأثير «البلاسيبو» على ابو الجعافر، لأنني افترض انه سيروّح ويسرّي عني، و«البلاسيبو» هو قرص دوائي وهمي يكون عادة عجينة مصنوعة من السكر وبعض المواد غير المضرة بصحة الانسان، ويتم اللجوء إلى البلاسيبو عند اختبار عقار طبي جديد فيتم تقسيم المرضى المستحقين لذلك الدواء إلى مجموعتين (مثلا)، وتعطى مجموعة الدواء الجديد بينما تعطى الأخرى البلاسيبو من دون ان يعلم بذلك أفراد المجموعتين وبعدها يتم تقصي تأثير الدواء مقارنة بالبلاسيبو، وقد ثبت في حالات كثيرة ان البلاسيبو أكثر نجاعة حتى من أدوية مجربة ومجازة ومصدق بها، لأن مجرد الاحساس بأنهم تناولوا الدواء المطلوب يجعل البعض يسترد عافيته.
ولم يخيب القصيبي قط ظني، فما قرأت له سطرا إلا وانفشخ فمي بابتسامة أو انفجرت ضاحكا، بل استغل الرجل إعجابي به، وصار يفرض ذوقه الشعري عليّ، مستغلا حبنا المشترك لأبي الطيب المتنبي، فقد صرت مؤخرا ألجأ إلى كتب القصيبي كلما أردت الحصول على شاهد شعري مجنون او عاقل، بل عرّفني القصيبي بشعراء قدماء و«جدداء» لم أسمع بهم من قبل، وكلما قرأت للقصيبي اكتشفت فيه ضلعا كان خفيا، فالرجل الذي هالت حفيده ضخامة جسمه حتى صاح فيه: جدو انت دبة انت «فات»، متعدد الزوايا والأضلاع والطبقات الأدبية والفكرية والسياسية، ويتولى التنسيق بينها عفريت ظل يلازمه منذ ايام طفولته وصباه في منطقة المبرز بالهفوف بالمنطقة الشرقية بالسعودية، ولكن اكثر ما يعجبني فيه هو ما لا يراه فيه الكثيرون: شجاعته وجسارته وصراحته الحادة، ومبلغ علمي فإن هاتين الخصلتين عادتا عليه بغير قليل من الخصومات..وعلى طول سنوات عيشي في منطقة الخليج لم أسمع سوى القصيبي يعلن بكل فخر واعتزاز (مع الاعتذار لمن خيب ظنهم) بأنه ليس «قبيليا» بالدرجة التي حسبوها (رغم أنه في الواقع سليل بيت عريق النسب). وكم منا يدرك مغزى ان يتسمى بابو يارا؟ ومن غير القصيبي يصدر على نفقته كتابين او ثلاثة، والغاية من وراء ذلك تسليط الضوء على شعراء ومبدعين اختاروا العزلة او حرموا من الأضواء بفعل فاعل!..وبعد وقبل كل هذا فإن ما شدني إلى القصيبي منذ ان اكتشفته، هو حس الدعابة الرفيع والراقي، الذي يتمتع به، ولو قيض لي ان أجمع وأنشر فقط ما قاله في صديقه الوزير البحريني الراحل يوسف الشيراوي من «مهاترات» رائعة بديعة لأصبح لي شأن وأي شأن في عالم النشر،.. وكل بضعة ايام أفتح الورقة الأولى من كتاب القصيبي «في رأيي المتواضع»، وأقرأ عليها الإهداء: إلى يوسف الشيراوي، الصديق الذي لم يعرف عنه رأي متواضع واحد،.. وأضحك كأنني اقرأ ذلك للمرة الأولى، ثم أقرأ افتراءاته على الشيراوي خلال مؤتمر لوزراء الصناعة في البحرين عندما أصر الشيراوي «بغير وجه حق» على ان يرأس الجلسة، وقال لوزير عربي اعترض على ذلك: اسمع يا غشيم.. اننا في الخليج بحارة وبدوان ولا نؤمن بالبروتوكول بين الإخوان ثم أنشد: تعودت الرئاسة طول عمري/ فكيف من الرئاسة تحرموني/ بقانون سخيف سطرته/ برقراطية عميا العيون/ سأرأسكم رضيتم ام أبيتم/ فهيا نبتدي لا تعطلوني!!

جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد

  1. رحم الله د. القصيبي ، وفي جامعة الخرطوم /قسم اللغة العربية بكلية الآداب رسالة دكتوراه لطالب فلسطيني عن غازي القصيبي الأديب ، والرسالة قدمت على أساس ماجستير ورفعت بعد ذلك .أحسبنا في السودان نحبه