رأي ومقالات

الطيب مصطفى : الخضر وإلزاميَّة التعليم في غياب أهل الشأن!!

[JUSTIFY]لا يُنكر إلا جاحد أنَّ حكومة ولاية الخرطوم تحت واليها الهمام د. عبد الرحمن الخضر قد حقَّقت طفرة تنمويَّة هائلة بخاصَّة في مجال البنيات التحتيَّة من طرق وجسور ومن خدمات تعليميَّة وصحيَّة مما فاقم من الفجوة (الحضاريَّة) بين العاصمة والولايات الأخرى وقد أفرز ذلك مشكلة كبرى على مستوى الدولة السودانيَّة لو علمت الحكومة الاتحاديَّة أبعادَها السياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة لأولتها اهتماماً أكبر ومنحتها ما تستحق من عناية وهذا حديث يطول.
على أنَّ ما دعاني لكتابة هذا المقال ذلك التصريح الغريب الذي أصدره الخضر بأنهم قد كلَّفوا وزير التربية بإعداد مسودة لقانون يعاقب أيَّ ولي أمر لا يقدِّم طفلَه للمدرسة على أن تلتزم الولاية والمحليَّة بإيجاد مقعد للطالب وجدَّد الوالي رفض حكومته التام لفرض أي رسوم على طلاب المدارس الحكوميَّة ووجَّه المعتمدين بالالتزام بالمنشور الذي يمنع تحصيل الرسوم وطالب الوالي وزير التربية بتجديد المنشور!!

عزيزي الخضر.. هل تعلم أنَّنا دعَونا وزير التربية د. معتصم عبد الرحيم ومحمد الشيخ مدني رئيس المجلس التشريعي بولاية الخرطوم والوزير السابق للتربية لاجتماع جمعيَّة عموميَّة في مدرسة الطيب سعيد الحكوميَّة (أساس) في حي الواحة بكوبر بمناسبة تفوُّق المدرسة التي ظلَّت تُحرز المركز الأول على مستوى ولاية الخرطوم بين حوالى ألفي مدرسة ابتدائيَّة وطرحنا على الآباء والأمهات الذين ملأوا حوش المدرسة الموازنة لعام كامل حتى تحافظ المدرسة على مستواها وتفوقها وهل تعلم أنَّ قرار مساهمة الآباء في تغطية الموازنة اتُّخذ من قِبل الجمعيَّة العموميَّة في حضور وزيري التربية الحالي والسابق اللذين لم يعترضا لأنهما يعلمان أنَّ وزارة التربية والمحليَّات لا توفِّر احتياجات العمليَّة التعليميَّة التي يمكن أن تحقِّق تفوقاً للمدارس وتعليماً وتربية للتلاميذ؟!

عزيزي الخضر هل تظنُّ أنَّ المدارس لا تحتاج إلى المقاعد والمعلمين والكتب؟!
ماذا عن الكهرباء التي لا تتكفَّل المحليات بها وتُباع للمدارس بأسعار الاستثمار؟! ماذا عن إصحاح بيئة المدرسة من صيانة وحمَّامات وعمَّال نظافة بل ومنشآت تضطر المجالس التربويَّة إلى إقامتها؟! من يسدِّد هذه الفواتير التي لا تُسهم الدولة في أيٍّ منها؟! كم هي موازنة التعليم في السُّودان مقارنة بكثيرٍ من دول العالم الثالث؟!
كم بالله عليكم يتقاضى معلِّم مرحلة الأساس الذي أصبح يلهث خلف الدروس الخصوصيَّة في بيوت تلاميذه حتى يحصل على شيء يحقِّق له الكفاف من الرزق؟!
هل تعلم أنَّ مدرسة الطيِّب سعيد التي احتلَّت المركزَين الأول والثاني على مستوى الولاية في نهرَي البنات والأولاد وأتشرَّف برئاسة أحد مجلسيها.. هل تعلم أنَّ مكافأة المعلِّم التي استطعنا أن ندفعها لهؤلاء الجنود المجهولين الذين حققوا تفوُّق هذا العام والأعوام السابقة كانت (500) جنيه وذلك حتى نحفِّزهم لمواصلة التفوُّق في الأعوام التالية؟!
الجانب الآخر الأكثر إثارة وغرابة في حديث الوالي الخضر هو قانون معاقبة أولياء الأمور الذين لا يقدِّمون تلاميذَهم للتعليم!!
يا سبحان الله!! والله العظيم دهشت لهذا الحديث وهذا التوجُّه الغريب!!

السيد الوالي يُلزم الآباء بأن يدفعوا أبناءهم للمدارس وإلا فإنهم سيواجهون عقوبات لم يكشف عنها وربما تشمل سجن الأب سنةً أو شهرًا جراء عدم قيامه بذلك الواجب بما يحرم الأبناء من والديهم تعويضاً لهم عن فقدان التعليم!!
ليت الخضر علم أنَّ هناك ربما ملايين الأُسر أو قُل عشرات أو مئات من الأسر لا تجد ما يسدُّ رمقَها بوجبتين اثنتين في اليوم وأنَّ هذا يحدث جراء البطالة التي يعاني منها الآباء وأنَّ الكثير من الأُسر تضطرُّ إلى تشغيل أبنائها في سن التعليم لكي يزاولوا أعمالاً هامشيَّة ولو ذهبت إلى سوق حلة كوكو مثلاً ستجد نماذج من هؤلاء الصبية الذين يمتطون مركبات الكارو أو يبيعون الخضروات أو المياه.. أقول ذلك بالرغم من أنَّ معتمد شرق النيل د. عمار يستحقُّ أن يُقدَّم كنموذج يُحتذى لجميع المعتمدين من حيث القدرات والحماسة.
هل يجوز للحكومة أن تُفهم الآباء والأُسر أنَّهم مقصِّرون في حق أطفالهم وأنَّها أرحم بهؤلاء الأطفال من آبائهم وأمهاتهم اللائي ولدنهم؟! الذي أجبر هؤلاء الآباء على الإبقاء على أولادهم في بيوتهم أو إخراجهم من المدارس هو أن أعداداً هائلة من هؤلاء الآباء لا يستطيعون توفير قوت أبنائهم… إنه الشديد القوي أيها الوالي.

اضطر اليوم لأن أقول بأني أرعى أو أرأس أربعة مجالس تربوية أو مجالس آباء لثلاث مدارس ثانويَّة حكوميَّة ومدرسة أساس حكوميَّة هذا علاوة على مهمَّة أخرى متعلِّقة بالتعليم في منطقة كوبر ولذلك فأنا أعلم الكثير عن احتياجات المدارس وليس الأمر بالبساطة التي تجعل الخضر يُطلق مثل هذه التصريحات التي أرجو ألا يكون هدفها مجرَّد الاستهلاك السياسي.
أعجب أن تُتخذ القرارات من منصَّات الخطابة السياسيَّة بعيداً عن أهل الشأن.. من حقكم أن تأمروا بألّا يُطرد تلميذ من المدرسة بسبب عجزه أو عجز والده عن سداد الرسوم لكن ليس من حقكم أن تتدخلوا في العلاقة بين الآباء ومجالسهم فهذه المجالس تحمل عنكم عبء توفير ما لا تستطيعون توفيره من احتياجات وتُزيل عنكم حرج استصدار قرارات من الجمعيَّات العموميَّة لسدّ النقص في موازنات المدارس كما أنَّها تعمل ابتغاء الأجر من الله وخدمةً لوطنها ولشعبها ولمجتمعاتها المحليَّة فإن كنتم زاهدين فيها وفي خدماتها المجانيَّة فأرجو أن تستصدروا قراراً بالاستغناء عن المجالس التربويَّة أو أن تستشيروها بدلاً من اضطهادها وتجاهل دورها المحوري الذي تزايد بعد أن رفعت وزارةُ التربية يدَها عن كثيرٍ من احتياجات التعليم، وصدِّقني أيها الوالي الكريم إن أنجح المدارس هي تلك التي لديها مجالس تربويَّة متميِّزة نشطة وفاعلة ولو طُبِّق قراركم فإن هذا سيزيد من الفجوة الهائلة بين المدارس الحكوميَّة التي تعاني وبين المدارس الخاصَّة التي تمنح المعلمين أضعاف ما يحصل عليه معلم المدارس الحكومية بل والتي تفرض الملايين على الآباء لتُقيم بأموالهم مؤسسات تعليميَّة تكافئ المتفوِّقين بالعربات!!

جاري شبه الأمي ذو الخمسة أطفال تعطَّل عن العمل فاضطر إلى إرسال زوجته وأطفالها إلى بيت أهل أمهم وأخرج اثنين من أطفاله من المدارس ودفع بأحدهم ليعمل صبي حدادة يحصل على عشرة جنيهات في اليوم.. وجدنا له عملاً كسائق فاستأجر منزلاً وعليه أن يدفع الكهرباء والماء ويعيش أطفاله بعد أن أحضرهم إلى بيتهم المستأجَر.. كيف بالله عليكم يذهب أطفالُه في الصباح وهم جوعى إلى المدرسة بلا مصروف إفطار.. كيف يواظبون ويجتهدون ويتفوقون بظروف معيشية قاسية.. قال لي إن ابنه صبي الحدادة رفض المدرسة فراجعته وأقنعته و…

أيها الوالي تحسُّسوا أحوال مواطنيكم فلستم أرفق بأطفالهم منهم حتى تعاقبوهم وخفِّفوا عنهم أعباء المعيشة بدلاً من القرارات الفوقيَّة وقبل هذا وذاك أرجو أن تقاوموا قرارات أعلم أنها ستكون قاصمة الظهر على المواطن الغلبان وأعني بها رفع الدعم عن المحروقات الذي أراه يسير نحونا بقوة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بالله عليكم هل ولاية الخرطوم في وطن واحد يضم الشمالية وغرب دارفور وجنوب كردفان وهي التي تفكِّر في تطبيق قرارات تعاقب الآباء على عدم تعليم أطفالهم بينما ولايات أخرى في هذا السُّودان توشك أن تعاقب مَن يُزعجها ويُرهقها بتعليم أبنائه؟! لماذا لا يهاجر كل السودان إلى الخرطوم أو قُل لماذا يبقى غني واحد خارج الخرطوم؟!
أقول مخاطبًا الأخ الوالي الذي أشهد بأنه يتمتع بقدرات وخبرات كبيرة .. أرجو أن تجلس إلى الأستاذ الخبير التربوي محمد الشيخ مدني وتستشيره ليعطيك محاضرة أو محاضرات عن التعليم وعن رأيه فيما تعتزم القيام به فهلاّ سألتم أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون!![/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة