هنادي محمد عبد المجيد
عن الأشواق الإسلامية
خطف الرهائن وتفجير الطائرات وتلغيم السيارات يحدث تحت لافتات إسلامية ،ونشل الثروات يحدث بإسم مضاربات إسلامية والقناصة على رؤوس العمارات يقتلون الأبرياء في لبنان بشعارات إسلامية ، وكل من يملك لحية وشمروخاً ويحفظ آية يريد أن يغير المجتمع بيده ، أو بالجنازير ليصبغه بالصبغة الإسلامية ،، وفي هذه اللحظة يتبادل الأخوة من شيعة أمل وشيعة إيران اطلاق الرصاص ويقتلون بعضهم بعضاً في اقليم التفاح وهم من نفس الطائفة الشيعية وبدعاوى إسلامية ،، هناك تزييف هائل للشعارات الإسلامية ،وهناك تشويه وتلطيخ للإسلام أحيانا عن جهل ، وأحيانا عن عمد ،، والإنتهازيون من كل لون يطلعون ببضاعتهم المزيفة على الناس كل يوم ،، لقد حولوا الإسلام إلى رصاصة غادرة ،وطوعوا الأحاديث والآيات لتوافق هواهم ،، ولكن الإسلام رحمة وسماحة ومكارم أخلاق ، الإسلام وعي كوني واحتضان للقوانين والسنن الإلاهية وانسياب جميل متناغم مع القدر ،وهو دين العلم والعقل وعقيدة السلام ، وهو أبعد ما يكون عن هذه التشنجات العدوانية ،التي نراها حولنا والتي لا تعكس سوى أحقاد أصحابها ،، وطريق الإسلام للتغيير الإجتماعي صريح وواضح ،فالله في القرآن لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،فالله أسند التغيير لنفسه وجعل دورنا في هذا التغيير أن يغير كل منا ما بنفسه ،إصلاح كل واحد منا لنفسه هو البداية ،وأول الطريق : طبِّق الشريعة على مملكة نفسك أولاً قبل أن تحمل العصا على غيرك ، وهو يقول لعيسى عليه السلام في الحديث القدسي :[ يا عيسى عظ نفسك فإذا اتعظت فعظ الآخرين وإلا فاستح مني] ويقل لمحمد عليه الصلاة والسلام في القرآن :[ لو أنفقت مافي الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ] ما من أحد يقدر على تأيف القلوب ولو كان هذا الواحد محمدا عليه الصلاة والسلام ومعه مال الأرض ،انما هو عمل إلاهي وفضل إلاهي ومِنَّة إلاهية .
نستطيع أن نسعى إلى الوحدة العربية بحسن النوايا ، ولكن الله وحده هو الذي سوف يحققها حينما نصبح أهلا لها ،بما قمنا به من إصلاح أنفسنا ، إصلاح كل منا لنفسه وحملها على شريعة الله هي المرحلة الأولى في طريق التغيير ،فهل أصلحنا من أنفسنا ،لنصبح أهلاً عند الله لأن يغيرنا ؟ وهل ما يجري الآن في بلدنا يدل على أننا أصلحنا من أنفسنا ،، الجواب بالسلب للأسف ،فنحن أبعد ما يكون عن إصلاح أنفسنا ،والغش والكذب و الحقد والطمع وخراب الذمم والنفاق والإنتهازية والفسوق والإنحلال ،هي الأخلاق السائدة والطباع الغالبة على الكبير والصغير ،، والكلام عن زعامة تستطيع أن تغير أحوالنا في أربع وعشرين ساعة وتنشر الفضيلة بقرار وزاري ، كلام فارغ ،والكلام عن جماعة إسلامية تغيرنا بالقهر وبالقمع وبالضرب على الأيدي كلام أكثر سذاجة ،، إن الكرباج ( السوط) لن يصنع سوى الخوف ،والخوف لن يؤدي إلى فضيلة ،وإنما إلى العكس ،إلى النفاق والمدارا ة ، ودور الإسلام إذن ليس الجنازير ولا التأديب بالسياط ،ولكن الدعوة بالتي هي أحسن ،ونشر الأخلاق بالقدوة الحسنة والكلمة الطيبة ،وإحياء الضمائر في الناس ،ليبدأ كل انسان رحلة تأديب نفسه واصلاح نفسه بنفسه ،، لقد ظل النبي عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بالحسنى ثلاث عشرة سنة بلا عُنف وبلا حرب ،، ونحن الآن في هذه المرحلة مرحلة الدعوة ،وإحياء ضمائر الناس ،، إلى متى ؟ الله أعمل ، هذا يتوقف على همتنا وعلى صدق توجهنا ،، فأذا اصبحنا أهلاً للتغيير الشامل ،فإن الله حينئذ سوف يمُدُّنا بالأسباب وبالظروف المواتية والقيادات المستنيرة والحلفاء المخلصين والعون المادي والمدد الروحي ،ولا يستطيع شخص واحد أن يغير التاريخ ، لأن التغيير التاريخي عمل متعدد الأطراف تدخل فيه عوامل لا تُحصى ولا يقدر عليه إلا خالق الزمان والمكان والناس ،الله الذي بيده مقاليد كل شيء ،والذي بيده كل القلوب والإرادات والعناصر ،، وإنما كل دورنا أن نصلح من أنفسنا لنصبح أهلا لهذا التغيير ،وليس في هذا الرأي دعوة إلى كسل ،لأن اصلاح النفس سوف يحتاج الى استنهاض كل الهمم وتحصيل كل الأسباب ،انه الجهاد الأكبر الذي سيحتاج منا إلى العزم كل العزم ، وإلى العلم كل العلم ، وإلى العمل كل العمل ،هذا دور كل منَّا في هذه المرحلة ، وهذا هو كلام الإسلام ،والدرس المستفاد من تاريخه ،والذي يقول غير ذلك يخدع نفسه ويخدعنا ،، هناك أشواق إسلامية في كل بلد ،، وهي ظاهرة حميدة وطيبة ومبشرة ،ولكن هذه الأشواق تحاول أن تقفز على الزمن وتختصر التاريخ وتحقق الدولة الإسلامية بدون أن تمر على المرحلة الأولى الضرورية وهي صناعة الفرد المسلم ، وهي عجلة لا مُجدية ،، إن حملة الرايات الإسلامية ليسوا على مستوى الأزمة ، وليسوا على مستوى المرحلة التاريخية التي يتصدون لها ،وهم إما رافض وإما متزمت وإما سلفي لا يرى للنصوص إلا تفسيراً واحداً ،فإذا طلعت عليه بتفسير آخر اتهمك بالكفر وأعلن عليك الحرب وأكثرهم فهم الأصولية على أنها غلطة وعنف وقتل للمخالفين أيا كانت القضية التي اختلف فيها ،، وغسيل المخ الذي جرى للشباب في ايران مثال قريب ،، وما يفعله حزب الله كل يوم ،وما فعلته جماعات التكفير والهجرة وجماعات الناجون من النار ،والجهاد وغيرها ،، ومثل هذه القيادات المندفعة والمتعصبة والهوجاء لا تؤمن على سفينة الإسلام ،ولا تستطيع الملاحة في البحار الدولية المضطربة لأنها عجزت عن أن تحكم نفسها ،فكيف تحكم أُمماً ومجتمعات ؟ هؤلاء ناس يجب أن يغيروا ما بأنفسهم أولاً ، يجب أن يقتلعوا هذا الغل وهذا الهوى العارم للسلطة وللبطش وللتنكيل قبل أن يصبحوا أهلاً لقيادة شيء أي شيء ،، وصدق الله العظيم أنه لن يغير ما يهؤلاء القوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،، إنها سُنَّة إلاهية وقانون من قوانين حركة التاريخ ،ولهذا أفشلهم الله وأحبط أعمالهم ، والحقبة التي نعيش فيها هي حقبة تخلف ديني وعلمي وإجتماعي وإقتصادي وأخلاقي ، حقبة مراهقة سياسية ومراهقة إسلامية ، والمرحلة المطلوبة هي مرحلة دعوة وتربية وتحصيل علمي ونهضة للعمل وإحتشاد للإنتاج ومجاهدة للأخلاق الذميمة وإحياء للضمائر الميتة ومحاولة لسياسة النفس أولا على قيم الإسلام ، ومن يفعل هذا يكون مسلماً عظيماً وسوف يساهم بفعله في انتشال المركب من القاع ،وهذا دورنا الآن ،أن ننتشل المركب من القاع ،، ويخطئ من يسوق هذه المرحلة نحو إنقلابات فجة وثورات عقيمة وفتن مُضِلَّة ،، ويضر بالإسلام من يزج به في بحار السياسة الملوَّثة ويدفع به إلى دهاليزها المريبة وسراديبها المُظلمة التي يتوه فيها الحليم ، ولن يصل إلى شيء سوى الضياع في السراديب والإنخداع بالأكاذيب ،، لم يأت الأوان بعد يا أخوة ،، وأمامنا ليل طويل من الإمتحان قبل أن يؤذن الفجر ،هذا ًإذا رأى رب الكون أننا نضجنا وأصبحنا أهلاً لأن يطلع علينا شمس عصر جديد ،، لنتعاون أولاً ونضع اليد على اليد لننتشل المركب من القاع ” كان هذا نقداً واضحا للذات ، وهو ما نحتاجه الآن إعادة ومراجعة حساباتنا مع أنفسنا ، وترتيب أوضاعنا من جديد وفق معطيات جديدة تتماشى مع مستجدات العصر ومتغيراته المستمرة
فهلا صدقنا واستقمنا يرحمكم ويرحمنا الله ؟
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]
القراء الأعزاء / لكم مني كل الإحترام والتقدير على تحملكم الأخطاء الإملائية التي حدثت وقد تحدث ، جل من لا يسهو .
ولكم مني كل الود .
هنادي محمد عبد المجيد.