هنادي محمد عبد المجيد

حرية الزوجات‏

حرية الزوجات‏
أحلى ما في الدنيا هو الحرية ،، الطفل يحلم بأنه يلعب في حرية ،، البنت تحلم بأنها تحب في حرية ،، الرجل يحلم بأنه يعمل في حرية ،، ومع هذا فالحرية وحدها لا تُسعد الإنسان أبداً ،، الحرية والفراغ والشباب والإمكانيات إذا توافرت لإنسان ولم يكن معها هدف تنشغل بتحقيقه ،تتحول إلى محنة وعذاب وملل وتلف عصبي ، الحرية تطالب بدينها بإستمرار ، تطالب بالمسؤولية ،تطالب بعبء تحمله ،وإن لم تجد عبئاً تتحول هي نفسها إلى عبء لا يحتمل ولا يُطاق ،، الجندي البسيط إذا جاءته ليلة القدر ،وقالت له : اذهب أنت مارشال ، أنت قائد حر التصرف في الجيش كله ،من الآن أنت مطلق من كل قيد ومن كل أمر ، من الآن كلمتك هي الأمر ،لا أحد يقرر لك مصيرك ،لا أحد له الحق في أن يُصدر إليك تعليمات ، أنت منذ اللحظة مصدر كل التعليمات ،ومُقرر لكل المصائر ، لو حدث هذا للجندي البسيط ،فإنه سوف يُصاب بالذهول ثم يصاب بالخوف ، ثم يرتعد من هول الموقف ،، إن كل كلمة يقولها يمكن أن تقرر مصير الجيش كله ، ومن يُدريه أنه لن يُخطئ التقدير ، وأنه لن يودي بحياة مليون جندي مثله وهو يخطط المعركة ويصدر الأوامر ،، إن جسامة المسؤولية تشل عقله من الخوف ، وهو سوف يرفض هذه الحرية ،ويرفض هذه الهبة التي تمنحها له ليلة القدر ، ويقدم استقالته ويطالب بالعودة إلى منصبه الصغير كجندي بسيط يتلقى أمراً بالزحف فينفذه بلا تصرف وبلا تفكير ويتقدم تحت وابل النيران ليموت في بساطة ،فهذا أهون ألف مرة من حرية تضعه في مُفترق الطرق ليقرر ويتحمل مسئولية جيس بأسره ،ويواجه مشكلة الإختيار ، والتصرف والتردد والحيرة في كل لحظة ،، إن الحرية بالنسبة لهذا الجندي البسيط هي حالة من التوتر والإنزعاج والقلق لا تحتمل ، لأنه ليس مُسلحاً بالأدوات التي تمكنه من الإفادة من هذه الحرية ، ليست لديه القدرة على حمل المسئولية ،وليست لديه الكفاءة التي يوظف بها امكانياته ،ولا الأهداف التي يخطط من أجلها ،ولا يعرف ماذا يريد ، ولا كيف يتصرف بحريته ،، إن الحرية عنده بلبلة وضيق وخوف وعبئ ثقيل يتمنى الخلاص منه ،، وهذه مشكلة الحرية ،إنها مادة ثمينة جداً ولكنها خطرة ،مثل مادة الراديوم أغلى من الذهب والبلاتين ، ولكنها خطرة مُدمرة مُحرقة تشع إشعاعات قاتلة ،، وهي تستطيع أن تشفي من السرطان ،ولكنها يمكن أن تسبب السرطان إذا لم يعرف الطبيب كيف يستعملها ،، الحرية بدون أهداف وبدون برنامج وبدون غاية تبذل من أجلها ،عبئ ثقيل ،،
الزوجة التي يعفيها زوجها من العمل في البيت ويجلب لها ثلاثة من الخدم وغسالة أوتوماتيكية ومكنسة كهربائية ، ثم يعطيها الحرية في الخروج والعودة على كيفها ثم يعفيها من الحمل حتى لا تشقى بتربية الأطفال ،سوف تقع في ورطة ! لأنها ستواجه ١٢ ساعة بدون أهداف بدون أطفال ، بدون واجبات في البيت ، بدون خطة في ذهنها لملأ هذه الوقت ،،مثل هذه الزوجة إما أن تُصاب بالصرع ، وإما أن تدخل مستشفى الأمراض العقلية ،وإما أن تتصوف ، وإما أن تقود ثورة أو تؤلف حزباً نسائيا ، أو تتردد على بيوت مشبوهة أو تحترف حمل الأثقال ،أو تلعب المصارعة اليابانية أو تؤلف الشعر ، ولكنها لن تكون أبداً زوجة سعيدة ،ولن تكون بمفهوم الزوجات ( قناديل البيوت) إن الرجل الذي يعمد إلى إراحة زوجته بإعفائها من العمل في البيت يوقعها في مشكلة أشق وأقسى من تعب البيت ، هي مشكلة حريتها التي سوف تلجأ إلى حلها بأسوأ الحلول ،، وإذا كان لا بد من إعفاء المرأة من واجبات البيت فعلى رجلها أن يجهز لها دورا اخر تملأ به نهارها ولياليها حتى لا تُسوِّد لياليه بحريتها وقلقها ومللها ! وإذا أراد الزوج أن يمنح زوجته حرية ،فليمنحها هدفاً وليمنحها دوراً تفنى فيه وتوظف فيه حريتها ،وإلا فإنها سوف تدمره وتدمر نفسها بهذه الحرية ،وسوف تتحول إلى إنسانة عاطلة ملولة مشاكسة تقضي نهارها في النوادي عارضة مفاتنها على أولاد الذوات العاطلين أمثالها وتقضي ليلها في السهرات ، ثم تخنق أنفاسه اخر الليل بمطالبها ،، إن الحرية ليست ترفاً ،، إنها ليست هدية يقدمها الزوج لزوجته مثل زجاجة عطر ، إنها لعنة حينما يقدمها ومعها شهادة بالإعفاء من العمل
ومن المسئولية ،،أن يكون بذلك قد قدم مشكلة لزوجته ،ولم يقدم لها هدية ،، وأفضل لها أن تعيش كالجندي البسيط يتلقى الأوامر وينفذها بلا تصرف ،على أن تكون مارشالاً بدون عمل ،وبدون برنامج ، ،الزوجة التي تبحث عن حرية ،ولا تبحث عن عمل لهذه الحرية ،لا تفهم معنى الحرية ،ولا تستحق أن نعطيها هذه الحرية أبداً ،، وحرية الرجل الذي عاش محسوداً عليها دائماً من المرأة لم تكن أبدا حرية غير ذات موضوع ، وإنما كانت هبة يدفع في مقابلها كل شيء ،كان هو دائما الذي يعمل ،هو الذي يكسب وهو الذي يزرع ويصنع ،وهو الذي يفكر ويخترع ويقود ويسوس لم تكن حريته هدية ،وإنما كانت حريته عملاً وانشغالاً ومسئولية ،وسهراً في المصانع والمعامل والمدارس ودواوين الحكومة ،وكفاحاً في ميادين القتال ، وهذا هو المعنى الحقيقي للحرية ،، وهذا هو العذر الوحيد للرجل في حريته التي انفرد بها وامتاز بها على المرأة ،، وإذا كانت الزوجات يطالبن الآن بالحرية ،فليس لهن إلا هذه الحرية ،بمعنى العمل والمشاركة في المسئولية وحمل الأعباء ، أما حرية التسكع في الشوارع والنوادي والرقص والشرب وكشف الساقين وتعرية الصدر والكتفين وحشر الجسم في المُبيِّضات لزغللة العيون وجر قطار من المعجبين ،أما هذه الحرية فليس لها إلا معنى واحد ،هو خراب البيوت ،، وأول من ستشقى بهذه الحرية هي المرأة نفسها ،إنها ستبكي من العذاب إذا كان لها عشيق واحد ،وستبكي من الملل إذا كان لها عشرة عشاق ،، وستبكي من الهوان إن طلقها زوجها وستبكي من الندم إذا تشرد أولادها ،وستبكي من الوحدة حينما تبلغ الخمسين وتترهل وينفض من حولها العشاق وتفتقد دفئ البيت وحنان الأولاد ،، إن الزوج الفطن هو الذي يشغل زوجته في البيت دائما ويضع على كتفيها مسئولية البيت،، إنه بهذا يدخر لها الهدف القريب الذي تنشغل به ،وتغسل به يديها وعقلها وقلبها ،وتوظف حريتها لخير البيت ،ولصالح الحب الوحيد الحقيقي الذي تعيش له ” مارأيك عزيزي القارئ فيما وصل إليه المفكر الدكتور مصطفى محمود من نتيجة هل هو على صواب أم أن لك رأياً أكثر رجاحة ؟

هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. الأستاذ جعفر بن عنتر بن شداد العبسي ،، شخصيا ؟ ،، حياك الله وزارتنا البركة ، كلي امتنان وازدتُ بثنائك شرفاً ،، لك الشكر والتحية على مشاركتك المُقدرة ، وتواضعك الجم ،، أخجلت تواضعنا بثنائك ،، لا حرمنا الله منك .. لك مني كل الود والتقدير والإحترام