رأي ومقالات

الطيب مصطفى : دروس وعبر من كارثة السيول


[JUSTIFY]كانت الجملة الأخيرة من مقال الثلاثاء قبل الماضي الذي كان بعنوان: (عندما تغرق العاصمة في شبر موية)… كانت الجملة تتساءل: (أين نحن من بلاد تهطل فيها الأمطار على مدار العام ولا نجد لتراً من الماء على شوارعها بعد دقائق من توقف هطول الأمطار؟) لكن من جمع أو قل طبع المقال استبدل كلمة (لتراً) بكلمة (كثيراً) مما أحدث خللاً كبيراً في المعنى.
كنتُ أعني ما أقول عندما اخترتُ العنوان المذكور فأمطار الخرطوم مهما كثرت لا تقارن بأمطار رأيناها أيام شبابنا تهطل لأيام متتالية في أوربا وطوال العام ولم تكن شوارع (هلفرسُم) التي تُعتبر مدينة صغيرة في هولندا كشوارع عاصمتنا اليوم ولا أمطارها كأمطارنا وذلك ما جعلني أقول على الدوام إن الفرق الحضاري بيننا وبين أوربا لا يقل عن 200 عام أو قرنين من الزمان!!
نحن بعيدون حضاريّاً عن عالم متقدِّم تخطَّانا وتجاوزنا كثيراً في كل شيء ونحتاج إلى تغيير شامل في منظومة القِيم التي تحكم حياتنا وسلوكنا بما في ذلك قِيم وأخلاقيَّات العمل والانضباط وأهمّ من ذلك مبادئ الحكم الراشد التي تسيِّر دولاب العمل في الدولة اتكاءً واستناداً على المؤسسية الراسخة.

هل تراها هي نفس الهواجس والهموم التي جعلت رجلاً في وزن بروف علي مزروعي ذلك الأكاديمي ذو الأصول التنزانيّة يقول بل ينادي بعودة الاستعمار حين عقد المقارنة بحال روديسيا البيضاء قبل أن تتحرر ويحكمها روبرت موغابي ويُحيلها بعد أن تغيَّر اسمها إلى زيمبابوي إلى دولة متخلفة وجنوب إفريقيا قديماً أيام قاهريها البيض مقارنة بأيامها بعد ذلك؟! وهل هي نفس الهواجس التي دفعت د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم لاستجلاب بيت خبرة سويدي لكي ينصحه بما ينبغي له أن يفعل لمواجهة الكارثة الأخيرة؟. لا والله وحاشا وكلا فقد كانت قِيمُنا هي السائدة على العالم أجمع أيام الأندلس حين كانت منارة للعلم في أوروبا وكان الأوربيون يغطُّون في نوم عميق ويرتكسون في حمأة التخلف والجهل ويبتعثون أبناءهم ليدرسوا في الأندلس وينهلوا من علمها وحضارتها وثقافتها.

إنها ردَّة حضاريَّة جعلت المسلمين يتخلَّفون وغيرهم ممَّن ورث حضارتهم يتقدَّم وينهض ومن عجب أنَّ عام سقوط الأندلس كان هو عام اكتشاف أمريكا (1492)!!.
أعود لأقول إنه عندما كنتُ أهمُّ بكتابة مقال اليوم دخل عليَّ من حدَّثني عن قصة شقيقَين تخرَّجا حديثاً من كليَّة الهندسة ساقهما قدرُهما إلى حيث لقِيا مصرعَهما ومعهما خالهما حيث مات الثلاثة غرقاً في بركة… نفس الحادث أو حوادث مشابهة تكررت في مناطق كثيرة في شتى أنحاء السودان… بركة في حفرة من كمائن الطوب المنتشرة حول العاصمة فكم من الحفر مُلئت بمياه الأمطار والسيول مات أو أُصيب من جرائها الكثيرون؟!
صحيفة «الرأي العام» أوردت في صفحتها الأولى نبأ غرق ثلاث شقيقات في حفرة بطيبة البلال تتراوح أعمارهنَّ بين العامين والستة أعوام حيث ابتلعتهنَّ حفرة عميقة بعد انهيار منزل الوالد الذي كنَّ يرافقنَه في رحلة البحث عن مأوى فتخطاهنَّ بعدة خطوات سمع بعدها استغاثة طفلاته قبل أن يسلمنَ أرواحهنَّ في تلك الحفرة المليئة بمياه الأمطار.
ضربت بهاتين القصتين مثلاً أعبِّر به عن كوارث كثيرة حلَّت بأُسر سودانيَّة فقدت أعزاءها كما فقدت آلاف الأُسر مساكنها مما رأينا نماذج مؤلمة له في مناطق كثيرة من السودان بما في ذلك العاصمة الخرطوم التي تضرَّرت هذا العام كما لم تتضرَّر منذ فيضانات وسيول عام 1988م.

انفعالاً بما دهى الخرطوم أقام منبر السلام العادل ندوة في داره بالمنشية لمناقشة المشكلة المزمنة والمتجدِّدة تحدَّث فيها علماء أفذاذ هم د. شرف الدين بانقا الوزير السابق وأحمد البشير عبد الله رئيس اتحاد المقاولين ود. حسن عمر عبد الرحمن رئيس المجلس الهندسي وعبد الله عباس حبيب مدير الدار الاستشاريَّة لتطوير الخرطوم.
صدِّقوني إن قلت لكم إنَّهم أحاطوا بالموضوع ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا أحصَوها .. د. شرف الدين وأحمد البشير عبد الله تعرَّضا للمشكلة من جوانبها الثلاثة السيول والفيضانات والأمطار وقدَّما من المقترحات ما يمكن أن يقضي على المشكلة مستقبلاً لكن ما لفت نظري بحق التعقيب الذي قدَّمه كلٌّ من د. حسن عمر وعبد الله عباس.
د. حسن عمر ذلك العالم المتواضع قدَّم معلومات مُدهشة شعرتُ بحسرة أنَّ بعض العلماء بتواضعهم يجنُون على أمتهم بسبب كتمانهم كثيراً مما يعلمون بالرغم من أنَّ القرآن الكريم يحرِّض بل ويحذِّر من كتمان العلم النافع.. حسن عمر كما ذكرت خلال تعقيبي كان أول الشهادة السودانيَّة في نهاية ستينات القرن الماضي وظلَّ متفوقاً طوال عمره كأكاديمي بجامعة الخرطوم وكناشط في العمل العام في مجال الهندسة والمعمار ثم في مجال الطباعة التي اكتسب فيها خبرات هائلة.
قال حسن عمر إن مدينة نيو أورليانز الأمريكيَّة كانت تحتاج إلى مبلغ خمسين مليون دولار لإقامة سدود تحميها وبسبب بعض الخلافات السياسيَّة رفضت الحكومة الفيدراليَّة التصديق بالمبلغ فكان عاقبة ذلك أن حلَّت بالمدينة كارثة جراء السيول تجاوزت الثمانين مليار دولار!!.
د. حسن عمر أراد بذلك المثال وبأمثلة أخرى غيره التدليل على أن تلكؤ المسؤولين أو رفضهم للحلول الصحيحة للمشكلات كثيراً ما ينتج عنه كوارث ساحقة ماحقة تكلِّف عشرات أضعاف ما كان يمكن أن يذلِّل المشكلة ويوفِّر العلاج الناجع والرخيص.
أواصل…[/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. للاسف ورغم لاعرف شئ عن الندوة وماقدم فيها الا ان شريف الدين بانقا تولى المسئولية فى فترة وله نصيب من المشكلة.
    وبخصوص الحل للمشكلة فى ظل الوضع الراهن يتعلق باستعمالات الاراضى والولاية هى السبب الاساسى حيث طبية سطح العاصمة السودانية والمناطق ماحولها يفرض نظام الصرف السطحى بالانحدار او بعمل قنوات كبيرة مفتوحة تمكن من تصريف مياه الامطار الى المجارى الطبيعية وهنالك خطر عكسى بدخول مياه النيل عند الفيضان العالى وكل الحلول تفرض تغيير استخدام الاراضى بالنزع لانشاء نظم تصريف فعالة لمراعاة البيئة والحل صعب على ارض الواقع فالشوارع ضيقة والانحدارات طفيفة لاتمكن من التخلص من الامطار والبئة العمرانية متخلفة جدا لكى تمكن من صرف الامطار
    لاظن ان بيت الخبرة السويدى سوف يحقق اى جديد لابد من اعادة تخطيط العاصمة السودانية وتوسيع الشوارع الرئيسية ودراسة نظام مناسب اقتصاديا مع الحد الاعلى من الاستفادة لن يكون من وجهة نظرى حل نهائى للمشكلة بل حلول تخفف فقط وسوف يكون انجاز ضخم

  2. الاستاذ الطيب الموضوع ليس عواطف جياشة وندوات ونفير والمهندسين الافاضل لو تم ذكر كم تكلفة درء السيول والامطار في الخرطوم وكم تلكفة ترحيل الذين يسكون في مجاري السيول الحكومة ولا موطن يستطيع توفير هذه مبالغ وتلك المشكة منذ سيول 1988م كم دراسة وكم ندوة ونتيجة صفر (وكارثة كارثة حتى في جدة ولا بريطانيا)

  3. أخي
    دعهم في ضلالهم يعمهون ….ولا تذكرهم بالفاروق عمر الذي حشي على نفسه عثرة بغلة بالعراق .وخشي على آل بيته أن يتولى أحدهم أمور الرعية ، وقال قولته الشهيرة : يكفي آل عمر أن يقف عمر أمام الله ويسأله عن تقصير في حق رعيته

    دعهم يحملون أوزار تلك الأرواح التي أفضت إلى ربها

  4. الطيب مصطفي ،، انت يا زول من زمن السيول ،، خلاص خليت مصر؟؟؟ يا زول ولااااااا يهمك السيول الحمد لله شباب نفير قامو بالواجب و زيادة ،، لو عاوز ترجع للشأن المصري اخد راحتك تب ،، العفو في العافية