تحقيقات وتقارير

السلوك التربوي في نظر المختصين

[JUSTIFY]حسب النص في المنهج التربوي القصصي القديم، وهو نص بليغ وطريف، لذلك بقي عالقاً في الأذهان حقباً من الزمان.. وواضح أن الدجاجة الصغيرة الحمراء «في القصة» قامت بكل العمل لوحدها.. العمل الذي تقاعس دونه أصدقاؤها وقد طالبتهم بالمشاركة من قبل.
لكنهم رفضوا الشيء الذي كلفها بأن تزرع الفول لوحدها وتحصده لوحدها ثم في النهاية تطبخه لوحدها، وحينما تصاعد بخار الفول الشهي من القدرة، حفز ذلك إمعاء الأرنب والبطة وباقي أصدقائها فهرعوا مهرولين في اتجاه «القدرة».. لكن الدجاجة الصغيرة الحمراء حسمت الأمر بقولها «وسآكله وحدي»!!
وقد يكون لنا رأي في موقف الدجاجة الأخير، وذلك بالرغم من معقوليته في ردع الكسل والتقاعس عن معاونة الآخرين، وأحقية الدجاجة في موقفها، إلا أننا سنعلق على هذا الموقف في سياق الفواصل.
{ فثمة حكاية أخرى لدجاجة صغيرة حمراء .. إلا أنها من جنس النوع البشري.. إذن فلنتوجه على الفور بزيارة لأسرة طفلين هما «لؤي» و «مازن» لنعرف قصتهما التي هي على نسق الدجاجة مع اختلاف النهاية.
{ «مازن» يصغر «لؤي» بسنتين تقريباً.. ويصحو مازن فيصلي الصبح حاضراً.. ثم من بعد ذلك ترسله أمه للدكان ليشتري سكراً وشاياً ولبناً وبسكويتاً، وفي هذه الأثناء يغط لؤي «الذي يكبره بسنتين» في نوم عميق.
{ يعود مازن من الدكان ويجد أمه تصلي الصبح فيسبقها للمطبخ.. يضع الكفتيرة على النار.. ويقوم بغسل الكبابي.. حتى إذا اكتمل اعداد وجبة شاي الصباح يجلسان هو وأمه على المائدة ويتناولان الشاي معاً.
{ وحينما تتصاعد رائحة الشاي باللبن «المقنن» الذي يحبه لؤي النائم الكسلان، ويبدو مشهدُه بعد ذلك يتمطى من تحت البطانية ثم يخرج رأسه وبعين مفتحة وأخرى مغمضة يحدق في صينية الشاي، فما كان من مازن إلا أن خاطبة قائلاً:
ـ صح النوم.. قوم.. قوم يا كسلان.. قوم صلي وتعال حصل الشاي ده حااااار..
{واضح هنا أن مازن «الحنين» لا يحب شرب الشاي وحده، وهو لا يقول مثل الدجاجة الصغيرة الحمراء: السكر سكري والشاي شايي.. كما تقول الدجاجة..
{ نحدق في كتاب عالم النفس الدكتور «يوستاس تشسر» «أعرف نفسك».. ونطالع مقاربات تفيد في مثل ذلك، مفادها أن العالم الذي نعيش فيه يحتم علينا بل ويوجب الاحتفاظ بالتوازن بين العقل والجسم، ويتطرق بجرأة شديدة إلى تناول الموروث التربوي السيئ في مثل حالات الذين لا يعون سلوكهم المنبوذ لكنه يقول «إن منهاج النمو والنضج دائم مستمر، وإياك أن تخطئ فتظن أن أولئك الذين يكبرونك في السن قد توقف نموهم فأصبحوا لا يتغيرون ولا يتعلمون.

{ يقول الشاعر:
وداؤك فيك ولا تشعر
وداؤك منك ولا تبصر
وتزعم انك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
{ وهذه قد لا تقودنا إلى تجريم «لؤي» الكسلان مثلاً، أو لا تبجل «مازن» المتحضر الراقي، ولكنا نستدعي سلوك الأم والأب التربوي.. هل فرقا في التربية؟!! أم انهما تقاعسا في عدالة التربية السلوكية جهلاً منهما أم امتثالاً للدارج من الأمثال المثبطة التي تقول «البطن بطرانة» و«الأصابع في اليد الواحدة لا تتشابه»؟!
{ نعم الأصابع في اليد الواحدة لا تتشابه لكنها تتكامل.. كما أن البطن بطرانة، وربما أيضاً انها تخرج مواهب مختلفة.
{ يحكي الدكتور «بول ويني» في كتابه «أطفالنا الموهوبون» قصة طريقة يقول فيها: كان هناك تلميذ
خجول في الفرقة الأولى في إحدى المدارس الابتدائية، وكان خجولاً هياباً يعتزل المناقشات ولا يشارك زملاءه في اللعب، وكان يبدو عليه أنه يخشى ويهاب الآخرين، أما عن عمله المدرسي فلم يرتفع مستواه عن المتوسط، ولم تدل نتائجه في الاختبارات في بداية الأمر على أنه ممتاز.
وكانت مُدرسة الفصل مهتمة اهتماماً واضحاً بظاهرة الخوف عند هذا الطفل، وحاولت أن تكسب ثقته، فكانت تلاحظه عن كثب وبدقة، وتعامله برقة ولطف. وفي النهاية شاهدت ثمرة جهودها.
لقد كان تلاميذ الفصل يناقشون موضوع المزارع والحياة الريفية، واستغرقت المناقشة عدة أسابيع تحدثوا فيها عن الدجاج والبقر والأماكن التي يحفظ فيها البرسيم الجاف. وفي يوم حضر ذلك التلميذ الخجول للمدرسة مبكراً قبل أن يحضر زملاؤه، وتسلل في هدوء إلى غرفة الدراسة متأبطاً صندوقاً صغيراً.
وكانت المدرسة تجلس في مكتبها وحينما دخل عليها التلميذ رفعت رأسها وحيته في حنية، فتعثر التلميذ في البدء وهو يحاول الإجابة .. ثم من بعد ذلك تشجع وفتح لها الصندوق. فكان شيئاً مذهلاً.
لقد لخص ذلك التلميذ كل الدرس السابق عن المزارع والابقار في مجسم صغير قمة في الروعة وابتدع أنموذجاً للمزرعة مما دلل به انه نابغة وله عبقرية مكتومة.
{ وإذا كانت الدجاجة الصغيرة الحمراء تتمتع بهذا النشاط الخلاق فانتجت ذلك الفول الشهي، فما كان لها ان تنقص جهداً «بصحين» فول مدنكل لصديقاتها.. ويا حبذا لو عملت «بوش كارب» حشت فيهو البصل والجبنة والمش والطعمية. فربما يكون ذلك سبباً في إصلاح سلوك الأرنب والبطة على الأقل، فينتجون فولاً وفاصوليا وكبكي.. خصوصاً أن الأمطار هذا العام وفيرة جداً وتحتاج لجهد كل حيوانات الغابة ما عدا الفأر.. والفأر حفار.[/JUSTIFY]

صحيفة الإنتباهة