المؤتمر الوطني والمعارضة.. محاولات للتقارب أم تخدير سياسي؟!
وتشترط قوى الإجماع الوطني التي تضم أحزاب المعارضة في ممارسة كل حزب سياسي ينضوي تحت لوائها أن يلتزم ببرنامج الحد الأدنى وفق المتفق عليه، ويشمل قومية الحل ومشاركة الجميع ووضع الترتيبات الانتقالية للمرحلة المقبلة، كما لا تمانع قوى المعارضة لقاء قيادات المؤتمر الوطني بذلك الخصوص.
وقال مصدر حضر اللقاء لـ(المجهر) إن ابتسامة الرضا ارتسمت على وجوه الحاضرين عندما قام “الباشا” من أبناء قبيلة المسيرية خطيباً في الشيخ “الترابي” يطلب منه أن يعفو عن إخوانه في المؤتمر الوطني ورئيسه بعد أن طالت سنوات الخلاف بين فريق الإسلاميين المغلوب على أمره في إصلاح حال السودان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وينبه مقرر هيئة شورى المؤتمر الشعبي المحامي “بارود صندل” خلال حديثه لـ(المجهر) أمس الجمعة عبر الهاتف، إلى أنه ليس هنالك ما يمنع من لقاء الشيخ والرئيس بعد أن سبق لهما والتقيا في عدة مناسبات اجتماعية ما لفت أنظار المراقبين إلى إمكانية تغير الأحوال السياسية في السودان من خلال إحداث تغيير في مواقف الحكومة والمعارضة، ويضيف “صندل”: (يمكن أن يلتقي الشيخ والرئيس لقاء حزب بحزب، لكن لا أعتقد أن أي اتفاق ثنائي بينهما يمكن له أن يحل مشاكل السودان.. نحن نتحدث عن البلد وليس عن وحدة جماعة اختلفت).
وأشار “بارود” إلى أن المؤتمر الوطني استجاب لبعض الشروط التي وضعتها قيادة المؤتمر الشعبي في اجتماعاتها السابقة من خلال إطلاق سراح المعتقلين والمحكومين، وقال: (هنالك شروط يمكن تجاوزها لحل الأزمة الماثلة).
وفي تطور لافت، زار وزير المالية “علي محمود” ومساعد الرئيس “عبد الرحمن الصادق المهدي” الشيخ “الترابي” في منزله، للنقاش معه حول حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تعتزم الحكومة الإعلان عنها ومن ضمنها رفع الدعم عن المحروقات، وعلى الرغم من معارضة المؤتمر الشعبي والأحزاب السياسية لخطوة الحكومة، لكن الزيارة من مسؤولين حكوميين للأحزاب في حد ذاتها مؤشر إلى تغير العلاقة السياسية بين الطرفين.
ويقول أمين أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني “ياسر يوسف” لـ(المجهر) في قاعة الصداقة إبان انعقاد المؤتمر السادس للاتحاد الوطني للشباب السوداني، وهو يبدو على عجلة من أمره: (أفتكر أن لقاءات الرئيس مع القوى السياسية تأتي ضمن برنامج كبير جداً يتبناه الأخ الرئيس لتحقيق حالة التوافق والإجماع الوطني، وفي تقديري الشخصي حتى الآن أستطيع القول إن هذه اللقاءات هيأت المسرح السياسي لقابلات الأيام والأحداث بشكل جيد جداً). ويعترض “ياسر” على ما تقوله المعارضة بأن المؤتمر الوطني غير جاد في الحل ويراوغ باللقاءات السياسية مع رموز الأحزاب.
لكن “بارود صندل” يشدد بالقول: (من المفترض أن يكون المؤتمر الوطني حريصاً على اللقاء الجامع، ومن تجاربنا السابقة معه أن الوطني لا يمكن أن يدعو إلى لقاء جامع وحل شامل لحل أزمة السودان لأنهم لم يصلوا لهذه المرحلة).
وكان الوزير بالمجلس الأعلى للاستثمار “مصطفى عثمان إسماعيل” قد قال لـ(المجهر) عقب لقاء رئيس الجمهورية “عمر البشير” مع رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” في منزله بأم درمان: (اللقاء يعدّ واحداً من اللقاءات المهمة التي سيعقدها الرئيس مع القوى السياسية، سواء منفردة أو مجتمعة، من أجل المصلحة الوطنية والعبور بالبلاد إلى الاستقرار والسلام والتنمية). وذلك بعد أن قال “الصادق المهدي” إنه اتفق مع “البشير” على أن (قضايا الحكم والدستور شأن قومي، لن يكون فيها عزل لأي حزب أو فصيل أو جهة).
كما بحث رئيس الجمهورية مع رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل “محمد عثمان الميرغني” تعزيز الشراكة السياسية بين الحزبين، وقضايا وهموم الوطن والإصلاح السياسي والاقتصادي وتعزيز الصف الوطني.
لكن المسؤول عن دائرة الاتصال السياسي بحزب الأمة القوميأحد قيادات تحالف المعارضة “عبد الجليل الباشا” يرى أن المؤتمر الوطني غير جاد في لقاءاته السياسية مع الأحزاب، وقال لـ(المجهر) أمس الجمعة عبر الهاتف: (اعتقد أن المؤتمر الوطني غير جاد ويسعى بهذه اللقاءات إلى خلق نوع من التخدير السياسي ليخرج من الأزمة)، وهو يرى أن تشخيص الأزمة واضح والعلاج واضح.
ويضيف الباشا: (إذا كان المؤتمر الوطني يتكلم عن الحل الشامل الذي يناقش كل القضايا بمشاركة كل أهل السودان، فعليه أن يتخذ قرارات جدية.. النهج القومي له استحقاقات معروفة.. والتحول الديمقراطي له استحقاقات معروفة وبناء الثقة بين الأطراف له إجراءات معروفة).
وبخصوص اللقاءات التي يجريها المؤتمر الوطني مع رموز الأحزاب السياسية يقول “الباشا”: (أعتقد أن اللقاءات ما بين الرئيس ورموز الأحزاب بداية، ولكن المشوار أمام المؤتمر الوطني طويل جداً).
ووضعت (المجهر) أمام “الباشا” تساؤلات بخصوص ما يراه البعض بشريات بقرب حدوث انفراج سياسي ما بين المعارضة والحكومة من خلال التحولات التي بدأت تظهر في الأفق، لكن “الباشا” سارع بالرد: (البشريات تبنى على حقائق ولا تبنى على الافتراضات، الحكومة تواجه أزمات كبيرة.. احتقان سياسي، وعزلة خارجية وداخلية، وأزمة اقتصادية، وضغوط من المجتمع الدولي.. والمخرج يكون بالحل الشامل والترتيبات الانتقالية، ولا اعتقد حتى هذه اللحظة أن هنالك خطوات جادة من قبل المؤتمر الوطني.. لا يمكن أن يكون الظل مستقيماً والعود أعوج.. وهذه الأزمة سياسية ولا يكون الحل في بيئة شمولية).
ويرى “عبد الجليل الباشا” أن الحل الشامل يكون بدعوة المؤتمر الوطني لكل القوى السياسية والحركات المسلحة إلى لقاء جامع للحوار حول الترتيبات الانتقالية، ويضيف بالقول: (أما إذا كان المؤتمر الوطني يريد أن يحافظ على السلطة من خلال لقاءات صورية وديكورية فهذا لن ينفع.. عليه أن يقوم بخطوات جادة).[/JUSTIFY]
طلال إسماعيل
صحيفة المجهر السياسي