الطيب مصطفى : جبال النوبة بين عبد الباقي قَرْفَة وعبد العزيز الحلو (1 ــ 2)
اكتشف تلفون كوكو أنَّ الشيوعيين باقان وعرمان وعبد العزيز الحلو ويوسف كوة وغيرهم يحملون مشروعاً لا يمتُّ إلى قضيَّة جبال النوبة بصلة فقد علم قرنق وأولادُه قوة شكيمة أبناء جبال النوبة وقدراتهم القتاليَّة العالية فخاض بهم معركة الجنوب من خلال مشروعه العنصري القائم على مفهوم أن يحكم الجنوب كل السُّودان أو أن ينفصل تماماً عن السُّودان كخيار ثانٍ.
أسلوب برع فيه قرنق وعلّم عليه أتباعَه مستغلاً غفلة وجهل كل من تعامل معهم من (المغفلين النافعين) فكان التجمُّع الوطني الديمقراطي الذي منح قرنق الشرعيَّة السياسيَّة ليخوض المعركة في شرق السودان ويحتل بغطاء من الميرغني همشكوريب ويطفئ نار القرآن الكريم في منطقة نفوذ الميرغني والطريقة الختميَّة.. كان الميرغني رئيساً ديكوريّاً للتجمُّع الوطني الديمقراطي الذي مكّن قرنق القائد العسكري للتجمُّع من أن يعيث فساداً في الشمال متجاوزاً الجنوب حيث نشأت القضيَّة لأول مرة جنوبيَّة خالصة منذ تمرُّد توريت ومروراً بحركة أنيانيا ون وأنيانيا تو واتفاقيَّة أديس أبابا عام 1972 بين الرئيس نميري وجوزيف لاقو لكن قرنق في تمرده الأخير أراد أن يُحيل القضيَّة إلى مشروع قومي وحدوي يُمكِّن الجنوب من حكم السُّودان وفق رؤية فكريَّة عنصريَّة تقوم على أنقاض الإسلام أو أن ينفصل به إذا فشل في تحقيق مشروعه.
لذلك ما إن لاحت لقرنق فرصة التفاوض لتحقيق حلمه عبر اتفاقيَّة نيفاشا حتى استغلَّها في انتهازيَّة معلومة عنه ركب من خلالها حمار التجمُّع الوطني الديمقراطي حتى أوصله باب نيفاشا ثم ربط الحمار خارج قاعة التفاوض ودخل ليحصد ثمار تلك الاتفاقية المشؤومة منفرداً.
ذات الشيء تكرَّر خلال الفترة الانتقاليَّة حين تمكَّن أولاد قرنق باقان وعرمان بعد مصرع قرنق من استغلال بعض وجوه وأحزاب التجمُّع الوطني القديم وخاضوا بهم معاركهم ورموهم في سلة المهملات بدون أن يمنحوهم شيئاً من كعكة السلطة أو ثمار ما خادعوهم من أجله سِيَّما وأنَّ بعض أطراف التجمُّع الجديد كانوا من مساندي مشروع قرنق وأعني تحديداً الشيوعيين من أمثال أبوعيسى وغيره من المزروعين في أحشاء الحركة من قديم (الواثق كمير ومحمد يوسف أحمد المصطفى وياسر جعفر وغيرهم).
هو نفس السيناريو الذي تكرر مع أبناء جبال النوبة الذين اكتشف قائدُهم الفذ تلفون كوكو مؤامرة التحالف بين قرنق والعلمانيين من الشيوعيين واليساريين بصورة عامَّة فكان أن كادوا له حتى أدخلوه غيابة السجن بضع سنين.
قضيَّة تلفون كوكو هي نفس القضيَّة التي ثار من أجلها مؤخراً اللواء قرفة الذي اكتشف بعد تأخير طويل أنَّ الحلو وعرمان وغيرهم من الشيوعيين والعنصريين لا يزالون يتاجرون بدماء أبناء النوبة الذين فقدوا عشرات الآلاف من المقاتلين الأشاوس في قضيَّة لم يؤمنوا بها في يوم من الأيام إنما ظلوا يشكون التهميش ويطلبون العدل في وطنهم الكبير.
لم يُقاتلوا من أجل الجنوب إنما من أجل قضيَّة جبال النوبة التي لا نختلف معهم البتَّة في أنَّها تحتاج إلى تمييز إيجابي يُنقدها من حالة الفقر وانعدام الخدمات لكن هل كان الحلو يُقاتل في سبيل قضيَّة النوبة حين رافق داوود بولاد إلى دارفور تنفيذاً لأوامر قرنق وهل كان يقاتل في سبيل النوبة حين دمَّر ولا يزال المنشآت والبنى التحتيَّة في جنوب كردفان؟؟ هل كان يُقاتل في سبيل النوبة وهو يقتل ويخرِّب في أب كرشولا وينقل المعركة إلى أم روابة ويقول إنَّ هدفه الخرطوم؟! هل كان يُقاتل في سبيل أبناء النوبة حين وقَّع ميثاق الجبهة الثوريَّة لإعادة هيكلة الدولة السودانيَّة ثم وثيقة الفجر الجديد التي لا تعني أبناء النوبة في شيء؟! هل كان منتمياً للنوبة حين أسلم قيادَه لياسر عرمان الذي لا يمتُّ إلى النوبة بصلة إلا في حواء وآدم وجعله يفاوض بالنيابة عن النوبة ومنطقتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق في سبيل مشروعه القومي الذي لا يعني أبناء النوبة ولا يعبِّر عن قضيتهم العادلة؟![/JUSTIFY]
الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة