رأي ومقالات

الأفارقة .. هل يطلقون رصاصة الرحمة على الجنائية ؟

[JUSTIFY]يقول الرواة إن القادة الأفارقة منشغلون بتبديد ثروات بلدانهم، وبصراعاتهم الداخلية، أكثر من الانتباه إلى ما يحيكه المجتمع الغربي من مؤامرات، بالتعاون مع بعض قادة القارة السوداء لجعلها في الظل، رغم كل ما تمتلكه من ثروات.
ولم تكتف دول الغرب بالاستعمار، بل جعلت نفسها وصياً وحاكماً وجلاداً على أفريقيا، ولكن بعد ان طال التهديد القادة أنفسهم، قرروا، أي قادة أفريقيا عقد قمة تقرر لها الأسبوع الثاني من الشهر المقبل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لاتخاذ موقف مشترك من المحكمة الجنائية الدولية، في أعقاب الخطوات الجدية التي تتخذها دولة كينيا، للانسحاب من الجنائية، بسبب ما اعتبرته اتجاهاً من المحكمة لمحاكمة رئيس كينيا يوهورو كينياتا ونائبه وليام روتو، اللذين انتخبا في مارس الماضي، للاشتباه في دورهما في تنظيم أعمال عنف، أعقبت الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2007م بكينيا، على الرغم من مثول نائب الرئيس الكيني أمام الجنائية.

ومن المقرر ان يناقش اجتماع القمة الأفريقية في أديس أبابا، الشهر المقبل، إعلان انسحاب (34) دولة أفريقية على اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، لم تكن تدرك أن قارتها ستكون المنطقة الأثر تمثيلاً في تشكيل المحكمة الدولية، فمنذ إنشاء المحكمة الجنائية عام 1993م وجهت تهماً، لثلاثين شخصاً بارتكاب جرائم في ثماني دول أفريقية هي الكنغو الديمقراطية، أفريقيا الوسطي، أوغندا، السودان، كينيا، ليبيا، ساحل العاج ومالي، فيما يعتبر الرئيس عمر حسن البشير أول رئيس دولة تلاحقه الجنائية وهو في سدة الحكم.

كما تلاحق الجنائية أربعة مسؤولين سودانيين كبار آخرين، بينهم وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، تتهمهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

وفي ليبيا اتهمت الجنائية سيف الإسلام القذافي، بجرائم حرب.
ويري البعض أن خطوة القادة الأفارقة بالانسحاب من الجنائية غير مستغرب، لاسيما وان القادة الأفارقة انتقدوا في قمتهم الأخيرة المحكمة الجنائية، بمن فيهم الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، الذي عرف بارتباطه القوى بالغرب، ففي مايو الماضي تبنت دول الاتحاد الأفريقي في قمة أديس أبابا قراراً بالإجماع، يقضي بوقف الملاحقة القضائية للحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الكيني ونائبه إلى القضاء الكيني، متهمين المحكمة بأنها تمارس نوعاً من المطاردة العنصرية، وتستهدف الأفارقة بشكل خاص، هذا القرار تم بالإجماع من قبل كل الدول، عدا بوتسوانا التي شذت، وغامبيا، وهي البلد الذي تنتمي إليه المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، والتي تتولي الملاحقات في الملف الكيني.

ويتوقع إن يطلق القادة الأفارقة رصاصة الرحمة على المحكمة الجنائية، إن هم اتفقوا على تنفيذ مقترح الانسحاب.
وربما ينهد على سكانها الدول الغربية، لاسما وان أكبر دول العالم أمريكا وروسيا والصين ليست أعضاء في الجنائية، وعلى المنظمات التي تدعي المناداة بحقوق الإنسان، ويكون الصمت سيد الموقف حينما تكون الدول المنتهك حقوقها مثل فلسطين.
ربما تكون الخرطوم الأكثر ارتياحاً لقرار القادة الأفارقة، حيث إن الموقف الكيني أعاد الذاكرة الأفريقية، لاتهام لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السابق، للرئيس عمر البشير بارتكابه جرائم ضد الإنسانية في دارفور، وطلب حينها، أوكامبو، من المحكمة إصدار الأمر بإلقاء القبض على البشير ووزير الدولة بالداخلية، حينها أحمد هارون، وما سمي بزعيم مليشيا الجنجويد، علي كوشيب، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور، بين الأعوام 2003 2005م.
ومنذ ذلك الوقت يتحدي الرئيس السوداني المحكمة الدولية بجولاته في المحيطين الأفريقي والعربي، ورفض حكومته المعلن لهذا القرار، حيث رأت أن هذه الاتهامات تسئ لعملية السلام في المنطقة، وتري الحكومة السودانية أن الموقف الكيني من المحكمة الجنائية الدولية، يعزز موقفها الذي لا يري في المحكمة إلا جهازاً سياسياً يستهدف النيل من القارة الأفريقية، باعتبار ان جميع القضايا التي تنظر فيها المحكمة هي قضايا أفريقية.

وانتقدت الحكومة نهاية الأسبوع الماضي دعوة المحكمة الجنائية الدولية للولايات المتحدة الأمريكية للقبض على الرئيس البشير، إذا وصل إلى أراضيها لحضور افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع القادم في نيويورك، وقطعت بأن هذه الدعوة تأكيد على تسييس الجنائية، المتحدث الرسمي باسم الخارجية، السفير أبوبكر الصديق، انتقد دعوة الجنائية، وقال لـ(الخرطوم) كان الأولي للجنائية أن تطالب أمريكا بإلغاء الاتفاقيات الثنائية مع الدولة الأخرى، بشأن عدم التعاون مع المحكمة بتسليم الرعايا الأمريكيين.

واعتبر الجنائية بأنها غير عادلة، وقال إن أولوياتها هي القضايا السياسية، واستند على عدم عدالتها بأن المدعي العام للجنائية السابق رفض دعاوي ضد إسرائيل، لانتهاكها حقوق الإنسان وارتكابها جرائم حرب بغزة، وبأن الرئيس الأمريكي السابق رفض محاكمة مواطنيه بالجنائية مما يؤكد ضعف سلطاتها وبأنها مجرد أداة سياسية بعيدة من العدالة القانونية.

منظمة هيومن رايتش ووتش، التي تعتبرها الحكومة من أكثر المنظمات المعادية لها، طلبت من أعضاء مجلس الأمن الدولي والدول الأعضاء في الأمم المتحدة معارضة حضور الرئيس البشير، لاجتماع الجمعية العمومية، باعتباره مطلوباً من قبل العدالة الدولية، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك، حينما قالت في بيان أصدرته الأسبوع الماضي إذا ظهر البشير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيكون تحدياً لجهود مجلس الأمن الدولي، لتعزيز العدالة لجرائم دارفور.

صحيفة الخرطوم
أسمهان فاروق[/JUSTIFY]