جبانة هايصة
في جميع الدول العربية تستطيع ان تنشر إعلانا لأي سلعة تريد الترويج لها من دون رقيب او حسيب، طالما انك لا تستخدم فيها الصور الجنسية الصريحة او تسيء إلى المعتقدات الدينية او تستخف بها.. تستطيع ان تقول في الإعلان انك تملك خلطة من الزنجبيل والبرسيم وزيت الفرامل بالبشاميل، تطلق عليها اسم «ريوس» او «ريفيرس»، مثلا، وتزعم انها تطرح من عمر من يستخدمها عشرين سنة.. استخدمها شهرين وستزول التجاعيد، ويصبح شعرك أسود تماما، أما ظهرك المقوس فإنه يتحول إلى «مسطرة»، وتطالعني في عشرات المطبوعات إعلانات من ذلك القبيل، وكلها تبدأ بالزعم بوجود مستحضر يعالج العجز الجنسي، وبداهة فانه أمر مثير للريبة ان تكون هناك خمس او عشر جهات كل واحدة منها تبيع خلطة خاصة بها تؤدي إلى نفس النتيجة، ومنذ ظهور الفياجرا راجت الإعلانات للمنشطات والمحفزات الجنسية حتى لتحسب أن العجز الجنسي متفش وبائيا بيننا، او انه لا شاغل لنا سوى قدرات الرجال الجنسية، وأمامي الآن بضعة إعلانات من بقالات عشبية تطلق على نفسها مسميات توحي بأنها جهات طبية معترف بها، وتزعم أربعة منها انها تملك «كريم لتبييض البشرة من مرة واحدة».. يعني ابو الجعافر يشتري ذلك الكريم ويمسح به جسمه مرة واحدة فيصبح مثل مايكل جاكسون، أبيض بملامح إفريقية فيضطر إلى إجراء جراحة على الأنف حتى يخفف من تلك الملامح!! وهناك خميرة لتكبير الوجه وتحمير الخدود! أولا لماذا يسعى إنسان عاقل إلى تكبير وجهه؟ فالوجه الكبير يعني الأنف الكبير وأذنين مثل أذني الحمار، ثانيا كم النسبة التي سيكبر بها وجهي اذا استخدمت تلك الخميرة؟ وهل سيكبر رأسي أفقيا أم رأسيا؟ وما المقصود بتحمير الخدود؟ هل المسألة فيها زيت وبصل يوضعان على النار، أم المقصود هو جعل الخدود حمراء؟ وهب ان تلك الخميرة تجعل الخد بالفعل احمر اللون، ما المكسب من وراء ذلك؟ وهل اذا استخدمت انا جعفر عباس السوداني تلك الخميرة ستجعل خدودي حمراء؟ طيب ماذا افعل ببقية وجهي؟ هل أمشي في الشارع وعلى جانبي وجهي الأسود دائرتان من اللهب؟ ثم ان الخدود الحمراء في ما قيل لنا هي علامة الخجل، فهل الخجل صفة جمالية أم خصلة جميلة؟ وهل يعرف مروجو تلك السلعة ان الخجل غير الحياء؟.. وهل سمعت بالبودرة الخاصة بتبييض الأسنان؟ هذه لا بأس بها، فالأسنان البيضاء جميلة ودليل عافية، ولكن تلك البودرة – حسبما يقول الإعلان الخاص بها – تؤدي إلى احمرار اللثة!! احمرار الخدود، وعرفناه! ولكن ان يكون احمرار اللثة ذا قيمة جمالية فهذا دليل إصابة صاحب الإعلان بخلل في الغدد الذوقية!! فاللثة ليست جميلة سواء كانت حمراء او كحلية، وفي معظم الأحوال فإنك لا ترى لثة شخص آخر ما لم يتثاءب او يفتح فمه بطريقة مقززة أثناء الأكل، وعلى حبي للشعر، وعلى كثرة شعر الغزل الذي قرأته، فإنني لم اقرأ سطرا واحدا لشاعر يتغزل بلثة الحبيبة، لأن اللثة عند جميع الناس، تشبه شارعا مسفلتا أهملت السلطات أمره عشرين سنة، لعدم إقامة مسؤول رفيع فيه فامتلأ بالمطبات والحُفر.
والشاهد ان باعة الوهم يسوقون بضاعتهم بلا رقيب او رادع، ويزعمون ان خلطاتهم وخمائرهم تعالج كل شيء، في مناخ يعتقد فيه العوام ان الأعشاب لا تضر حتى إذا لم تكن ذات قيمة دوائية.. وهذا هو «الوهم» بعينه.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
(والشاهد ان باعة الوهم يسوقون بضاعتهم بلا رقيب او رادع، ويزعمون ان خلطاتهم وخمائرهم تعالج كل شيء، في مناخ يعتقد فيه العوام ان الأعشاب لا تضر حتى إذا لم تكن ذات قيمة دوائية.. وهذا هو «الوهم» بعينه)
ما ينقصنا هو الوعي وعدم البحث عن الحقائق !!! مقال أصاب الهدف شكرا” يا أستاذي العزيز تقبل تحياتي .