يظل السؤال مطروحاً.. هل تعرضت حكومتنا لهذه الضغوط الأمريكية
عندما تناولت منذ أيام موضوع (تعطيل مشروعات زراعة القمح .. وما إذا كانت مؤامرة داخلية أم ضغوط خارجية ..؟؟) تناولت هذا الموضوع من منطلق أن هذا السؤال يظل يتردد على مستويات مختلفة وسيظل يتردد إلى أن نضع أيدينا على الحقيقة .. فإن كان مؤامرة داخلية فينبغي لنا أن نكشف عن تلك الجهات التي تعمل على تجويعنا وإستنزاف بلادنا التي حباها الله بكل أسباب الحياة وجعل لنا فيها معايش كثيرة.
ومضينا على هذا الحلم الكبير
الشاهد أننا ومنذ السبعينيات من القرن الماضي ونحن نسمع ونردد أن (السودان سلة غذاء العالم) ومضينا على هذا الحلم الكبير ، أنفسنا تهفو لمستقبل قريب يجعل منا بلداً تمتد إليه كل أيادي العالم ليس لإغاثتنا إنما للقطف من محصولاتنا وثمارنا و غذائنا المتوفر والمتدفق والمنساب و المتزايد.
فجاءت إلينا المنظمات الإغاثية طيبها وخبيثها
لكن الأيدي الخفية بدلت حلمنا وأطاحت بآمالنا ، فما مرت بنا إلا سنوات قلائل ووجدنا أنفسنا نمد أيدينا وقد حصدت المجاعة مئات الآلاف من أبناء هذا الوطن جوعاً ، وأصابنا الجفاف والتصحر ، فجاءت إلينا المنظمات الإغاثية طيبها وخبيثها وفعلت فينا الأفاعيل ، ولا زالت الآثار النفسية والإجتماعية تظللنا من تلك المجاعة وإنعكست تلك الآثار على التركيبة الإجتماعية والسكانية وحتى ملامح الوطن جغرافياً شهدت تغيراً رهيباً وشهدت البلاد العديد من التغيرات التي كانت تستحق الدراسة والتحليل.
سيحدث تغيير جذريا في هيكل الإقتصاد القومي
ثم جاءت الإنقاذ وكانت أولى شعاراتها نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع فتلقى الناس هذا الشعار بحماس بالغ وإستبشر الناس خيراً حيث علموا بأن بلادنا حقيقة في أمس الحاجة لقيادة تمضي في هذا الطريق بإعتباره الطريق الذي نملكه بكل أدواته .. ومع هذا الإستبشار ظهر البترول أو النفط .. ومع ظهوره وضعت الخطط و الإستراتيجيات على أساس وجود البترول و ديمومته وبإعتبار أنه سيحدث تغييراً جذرياً في هيكل الإقتصاد القومي ليحقق أكبر قدر من الرفاهية للبلاد والعباد.
لعنة البترول
لكن الشاهد أنه مع ظهور البترول أصابتنا لعنته فوقعنا في الدعة والسكون والركون .. وبدلاً من أن توجه عائداته في النهوض بالزراعة وتطوير المشاريع الزراعية وإقامة مشروعات جديدة وتطوير وتحديث الصناعات المرتبطة بإنتاجنا الزراعي وثروتنا الحيوانية .. بدلاً عن كل ذلك ذهبت عائدات البترول فيما يضر ولا ينفع .. إلى جانبه إهمالنا لمشروعاتنا الزراعية والحيوانية .
مصيبة النتاج لكل ذلك
النتاج لكل ذلك كانت المصيبة أن صرنا بلا عائدات بترول وبلا مشاريع تنقذنا من جور الزمان وأهواله .. وأنه لمحزن جداً أن نجد بلداً كالسودان يتمتع بإمكانات طبيعية من صنع الرحمن الرحيم وقدرات وعقول تعتبر في مجالات الزراعة والبيطرة والإنتاج الحيواني نادرة الوجود على مستوى الوطن العربي والقارة الأفريقية.
أمر غير طبيعي
حدثني أحد الزراعيين العرب وهو رجل حاصل على درجة الدكتوراة في الزراعة .. حدثني متألماً بأنه ما طرق باباً في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني في أية دولة في العالم إلا ووجد عالماً سوداني الجنسية يقف من خلفه وقد شهدت لهم أعظم الجامعات ومعاهد الأبحاث بقدراتهم العلمية وأبحاثهم العالمية وعبر لي في حديثه عن حزنه الشديد عن إدراج السودان ضمن الدول الفقيرة وهو أمر غير طبيعي على حد قوله .. ثم ذكر لي أن مشروع الجزيرة في السودان يعتبر من أهم وأشهر المشروعات الزراعية على مستوى العالم.
السؤال الحائر
ولكن في تقديري وبعيداً عن كل العواطف والمشاعر الوطنية يبقى السؤال الحائر والذي يحتاج إلى العديد من المؤتمرات والجلسات .. لماذا وصلنا إلى ما نحن فيه .. ؟؟ وكيف سمحنا بذلك ..؟؟!! .. ومن الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من شح وضعف وتخريب في اعز ما نملك ؟؟!! ..
نوقف وبأسرع وقت عملية التدهور
وحتى نجد الإجابة على كل هذه التساؤلات ينبغي لنا أن نوقف وبأسرع وقت عملية التدهور التي تشهدها كافة مشاريعنا الزراعية والصناعية ومشروعات الإنتاج الحيواني .. ولكي نوقف هذا التدهور يجب علينا تسخير كل إمكانياتنا وجهودنا لعودة كافة ابناء الوطن المتخصصين في هذه المجالات وان نفسح الطريق ونخلي مقاعدنا لمجموعات العلماء المتخصصين، فمن غير الممكن ان تدار وزارة الزراعة ولأكثر من عشرين عاماً بوزراء غير متخصصين منذ ان غادرها البروفيسور العالم قنيف.
حالة تشبه تماماً الغيبوبة
نحن الان في حالة تشبه تماماً الغيبوبة وهذه الحالة تستدعي أن تلعب فيها الدولة دوراً هاماً لإخراج المواطن السوداني من حالة الإنهزام والحسرة التي يعيشها وأن تعمل جاهدة بالتصالح مع هذا المواطن ، وأن تعيد إليه كرامته وعزته أولاً وأن نوقف عملية الإلتفاف والدوران حول الذات ولننظر حولنا ونعمل تفكيرنا في سبيل النهوض بهذا الوطن ونعيد الحياة للأرض التي هجرناها وفيها معاشنا.
ندفع بإرادة الإنسان السوداني في إتجاه الأمام
ولنستنهض الهمم وندفع بإرادة الإنسان السوداني في إتجاه الأمام ونسمو بها فوق القمم وبذلك نتخطى الضغوط التي تأتينا من الخارج ، لأن دولاً كبرى كثيرة تريد لنا أن نعيش حالة الإنهزام والحسرة وأن تسلبنا إرادتنا التي هي أعز ما نملك ، وقد وقفت علي الكثير من الروايات التي تؤكد أن الضغوط الخارجية إذا ما إستجابت لها قيادات الدول تجعل منها قيادات ضعيفة ومنهزمة لاحول لها ولا قوة لتمضي غيرمحزون ولا مأسوف على ذهابها.
الأمريكان يزعلوا مني
ومن هذه الروايات ان مسؤولاً سودانياً كبيراً إلتقى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك خلال برنامج زيارته للشقيقة جمهورية مصر العربية ، وعرض المسئول السوداني على الرئيس مبارك مشروعا يستوعب الألوف من الفلاحين المصريين لزراعة القمح في الولاية الشمالية ، فرد عليه الرئيس مبارك .. ( لا أأأأأأ.. ما أقدرش الأمريكان يزعلوا مني).
شركة مصرية سودانية ليبية لزراعة القمح
وفي ذات الإتجاه مضى يوسف والي إبان توليه وزارة الزراعة بمصر حيث أسس شركة مصرية سودانية ليبية تحت مظلة دراسة لزراعة حوالي (مليون فدان) (قمح) في مثلث حلفا بالقرب من بحيرة ناصر على أن تقوم الحكومة الليبية بتمويل المشروع ويعمل السودان على توفير الأرض وتقوم مصر بتوفير الأيدي العاملة (الفلاحين) لزراعة هذه المليون فدان.
الكارت الأمريكي الأحمر أمام المشروع
وما مرت على إجازة المشروع سوى أشهر قلائل إلا وفوجيء الجميع بأن السيد يوسف والي وبعد زيارة خاطفة للولايات المتحدة الأمريكية قد رفعت الكارت الأحمر أمام المشروع وأبلغته برفضها وبعدم موافقتها على زراعة القمح ، مع الموافقة فقط على زراعة أية منتجات أخرى.
كتبت شهادة وفاة بالختم الأحمر
وهكذا رفضت الحكومة الليبية ــ إبان حقبة القذافي ــ تمويل المشروع وكتبت شهادة وفاة بالختم الأحمر للمشروع برمته.
ما هذا الذي نراه ونسمعه؟!
بالله عليكم ما هذا الذي نراه ونسمعه .. ؟؟!! .. أليس هذا هو العجب العجاب بعينه .. ؟؟!!.
وهكذا يظل السؤال مطروحاً
وهكذا يظل السؤال مطروحاً.. هل تعرضت حكومتنا لهذه الضغوط الأمريكية .. ؟؟!! .. وإن كانت الإجابة بلا .. فلماذا تعطلت عمليات التوسع في زراعة القمح ..؟؟ .. وإن كانت الإجابة بنعم فلماذا هدمت أعظم مشاريعنا الزاعية التي كانت تمدنا بالبدائل .. فليس بالقمح وحده يحيا الإنسان.
توجد (بدائل) للقمح .. (مجربة) و(ناجحة)
أقول ليس بالقمح وحده يحيا الإنسان ، ذلك لأنه توجد (بدائل) للقمح .. وبدائل (مجربة) ، و(ناجحة) ، وأثبتت نجاحها .. وللدليل على ذلك هاكم هذه الواقعة الحقيقية ، وقد كنت شاهد عيان عليها.
صناعة خبز من الذرة البيضاء
في أواخر السبعينيات أو بداية الثمانينيات أجريت حواراً تلفزيونياً مع دكتورة سودانية متخصصة على ما أعتقد في برنامج التغذية .. وكان هذا الحوار عقب تحقيق تلفزيوني قمت به لكشف الأسباب وراء شح رغيف الخبز .. هذه السيدة الدكتورة تدعى (ست النفر) إن لم تخني الذاكرة حيث وقفت على تجربتها العلمية في صناعة خبز من محصول (العيش) الأبيض (الذرة البيضاء) مع بعض الإضافات .. فكانت النتيجة خبزاً يحمل في الصفات من حيث الجودة شكلاً ومضموناً.
مضت كأن لم تكن
ماذا حدث بعد ذلك؟? .. فبدلاً من أن تتبنى الدولة هذه الفكرة العلمية الناجحة مضت كأن لم تكن .. فأين هذه السيدة اليوم .. وأين تجربتها العلمية الناجحة التي من شأنها أن تقلب القمح رأساً على عقب ..؟؟
سياسة المملكة الحكيمة
لكن أكثر ما أسعدني أن المملكة العربية السعودية بدأت بزراعة القمح منذ عدة سنوات .. وبالرغم من أن تكلفة جوال القمح تساوي أضعافاً مضاعفة لجوال القمح المستورد .. إلا أن سياسة المملكة الحكيمة مضت قدماً نحو توسيع زراعة القمح.
لا نريد أن نبني مفاعلاً نووياً
نحن لا نريد أن نبني مفاعلاً نووياً ولا نسعى لتصنيع قنبلة ذرية أو هايدوروجينية ولا نسعى لدمار العالم .. كل ما نريده نحن أن نحيا كراماً ونمد أيدينا للآخرين كرماً بما ننتج .
يظل الملف مفتوحا
وهكذا يظل ملف زراعة القمح مفتوحاً حتى نقف على حقائق الضغوط الخارجية والمؤامرات الداخلية.
قراءة : الفاتح محمود عوض: صحيفة أخبار اليوم
[/JUSTIFY]