جعفر عباس

هل الجاني «الرفيق» أم نحن (١)

هل الجاني «الرفيق» أم نحن (١)
[JUSTIFY] قرأت مقالا للأستاذ فهمي هويدي مؤخرا كلامه فحواه أن اللغة العربية في منطقة الخليج بدأت تتراجع وتتنازل حتى على مستوى المحكي (الدارجي/ العامي) منها أمام الألسن الأجنبية، ولا شك أن عامية الخليج تخالطها عجمة ولكن ليس بدرجة تجعلها «ظاهرة»، وليس بأكثر مما هو حادث في أقاليم الوطن العربي الأخرى، وبوصفي خليجيا بالتجنس والتكلس (بفعل الرطوبة)، فإنني استطيع أن أقول ان الكثيرين يحسبون العامية الهجين التي يتخاطب بها أهل الخليج مع العمالة الآسيوية، اللسان العامي الأصلي لهم، وخاصة أن تلك العامية طاغية بحكم أن أعداد الآسيويين في كثير من الدول الخليجية تفوق أعداد العرب العاربة والمستنفعة (الذين ينتمون إلى العرب مؤقتا للحصول على وظائف مثل أبي الجعافر!). وعانيت في بداية عهدي بالخليج الأمرّين عند تعاملي مع سائقي سيارات الأجرة الآسيويين، يقف الواحد منهم قبالتك ويمد رأسه ويسألك: بازار جاييقا؟ أأنت ذاهب إلى السوق؟ فتجيب بنعم فيصيح فيك: جلدي بابا، أي أسرع، (طبعا تمكنت من فهم تلك المفردات وصرت «فصيحا» فيها بمرور الزمن، وتحضرني الآن مقاطع من المعلقة الهندية، التي تناقلتها الإيميلات في التسعينيات، وفي هذا العمل الشعري الملحمي الذي سأورد منه مقاطع قصيرة منه يحكي عامل هندي معاناته مع الكفيل وظروف العمل: انا أسمي كومار أتيق.. أخو انت وللا صديق.. هندي انا وللا رفيق.. بلد انا هندي عريق (تستخدم كلمة رفيق للنداء على الآسيويين في منطقة الخليج ولا يعني هذا انهم بعثيون او شيوعيون).. بابا انا شيبة كبير.. ماما انا مريض كثير.. أخو انا كلو صغير.. عشرة سنة شغل هنا.. ما في شوف أهلي أنا.. اتنين سنة ما في فلوس.. كفيل يقول بعدين نشوف.. والله حرام لازم فلوس.. مسلم أنا ما في هندوس.. لازم أنا في روح بلد.. سوي زواج جيبو ولد.. كفيل يقول: هادا بلد.. ما في زواج مافي ولد.. كفيل أنا كرشة متين.. يمكن أكل إلهام شاهين (البيت الأخير مساهمة مني).

ولدينا في السودان لغة عربية مكسرة، تعتبر لغة الآسيويين في الخليج مقارنة بها فصيحة جاهلية، فقبائل جنوب السودان (التي تنتمي حاليا الى دولة مستقلة!!) مثلا قامت بفبركة لغة عامية محكية قوامها العامية العربية كأداة للتخاطب في ما بينها وأسمتها «عربي جوبا» على اسم كبرى مدن جنوب السودان. والأمر الذي لا شك فيه ان تلك اللغة العربية الهريس اسهمت كثيرا في خلخلة الحاجز النفسي والثقافي بين أهل الشمال والجنوب، ولكن الساسة – لا سامحهم الله – فرقوا بينهم، يأتيك ابن الجنوب ويقول لك: أنا أكوك، وعليك أن تتلقاه بالأحضان وتقول له أنا ايضا «أخوك». وأهلي النوبيون في شمال السودان، بعد أن اخضعوا للتطهير العرقي واللغوي أصبحوا أقل عجمة، وعلى عهد الرحلة الابتدائية بالمدرسة كان جدي لأمي يدرسنا العلوم الدينية، وكان جدّي ذاك حريصا على سلامة مخارج الحروف العربية، وينبهنا إلى أن اللحن في قراءة القرآن يقود إلى مزالق وإلى حافة الشرك احيانا، واذكر انه عند تدريسنا للسيرة النبوية جاء دورنا في ترديد نشيد «طلع البدر علينا»، وعليك أن تتخيل كيف أدى النشيد صغار يحولون العين إلى همزة: تلأ البدر علينا من سنيات الوداء.. ولم يتمالك الرجل أعصابه: الله لا يوفقكم يا عجم يا بجم.. والله لن أدرسكم سطرا من القرآن حتى تستقيم ألسنتكم. وهكذا جمد الدروس الدينية وشرع في تلقيننا أصول القراءة، وياما تبهدلنا مع حروف الضاد والصاد والقاف والغين: اسمك يا ولد؟ تاه مستفى أبد القني (طه مصطفى عبد الغني)، ولكن جهوده أتت بالنتائج المرجوة إلى حد ما… وللحديث صلة.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

‫2 تعليقات

  1. بحكم أنني خليجي أعاني كثيرا” من التخاطب مع الآسيويين حيثُ أنهم لا يفهمون إلا اللهجة المكسرة أما أنا فأرفض الحديث إلا بالعربية الأصيلة !!! بل يصل الأمر إذا لم يفهم علي بالعربي أحُادثه باللغة الإنجليزية .. وذلك غيرة على لغتي من أن تندثر كما إندثرت قيمنا العربية الأصيلة و وحدتنا !!! ويا خوفي أن تأتي الأيام وأن نكون مضطرين للحديث مع الآسيويين بلغتهم بعد أن تندثر لغتنا أمام مدهم الجامح .. تحياتي لك أستاذي العزيز و شكرا” .

  2. الاخ ابو الجعافر اولا لك كل التحايا بالنسبة اهل عربى جوبا فانهم ليسوا عربا ولا مستعربا لذالك لاعتب عليهم والان وقد ذبوا بجباهم ومعها هجليجنا ولا عتعب على الناطقين بالضاد واما عن اهلنا بالشمالية فهم اصلا ليست لهم علاقة بالعرب لا جغرافيا ولا لونا ولا لسانا وتعلمو ا من لغة الضاد ما تعلموا لتعليم القران وحبهم لصاحب القران كما فعل الاستاذ الذى ذكرت قصته وهن بذالك يشكروا ولا عتب عليهم واما اهل الخليج واهل لغة الضاد عامة فمقصرين نحو لغتهم ايما تقصير بل تفريط وهم مسئولون عن تغول الاعجمية عليها وفرض بابو لغته عليهم والمفروض العكس هو الصحيح واذكر ان صديقا مثل صاحبك الاستاذ متعصب للعربية اتى الى الخليج وعندما يجدنا نتكلم مع الهنود بلهجتهم كان يعاتبنا ويزعل ويقول علموهم العربية وهم المجبورون وبعد سنين تحول الى كاجو وكنا نضحك عليه واذكر ان الاديب الراحل عبد الله الطيب الذى لم تبرزه الاعلام ولم تعطيه مكانته قال فى محاضرة له هنا فى الدوحة فى التسعينيات عندما سئل اى اللهجات المحلية فى العالم العربى اقرب الى الفصحى قال اللهجة السودانية هى الاقرب الى الفصحى لانها تحتوى على كلمات فصحى مثل الكراع والزول وغيرها من المفردات رغم ان السودانيين لا ينطقون بعض حروف العربية نطقا صحيحا كما الحال لغيرهم مع حروف اخرى ولكنهم يعتبروننا شاذين واما عند سئل عن المسئول عن تدهر الفصحى اجاب الاعلام ومنها الصحافة وذكر نموزجا ومثالا ذكر منها صحيفة الشرق الارسط اللندنية