تحقيقات وتقارير

الخرطوم.. كمبالا إزالة جفوة الماضي

[JUSTIFY]لم تكن علاقة الخرطوم بجارتها الجنوبية آنذاك كمبالا، بدعاً من الحالة السياسية، التي عاشتها الدولتان إبان حقبة التسعينات أو أواخرها، ولم تختلف تلك الحالة التي عايشتها الخرطوم وجاراتها، المحاذيات لها، لأسباب تتعلق بتلك الحقبة، والظروف التي كان يعيشها السودان من حصار اقتصادي، ومقاطعة إقليمية بسبب التوجه الجديد الذي بات ظاهراً للعيان الدولي والأفريقي والعربي، علي حد سواء، علي خلفية الاتجاه الإسلامي، الذي تبنته الحكومة الجديدة في السودان.
ولكن بمرور الوقت، واختلاف الظروف السياسية في الساحة العربية والأفريقية بدأت العلاقات الخارجية السودانية في التحسن؛ خاصة مع دول الجوار الأفريقي، حتي وصلت مرحلة التكامل العربي مع الجماهيرية العربية الليبية “سابقا”، ودولة ليبيا حالياً، وكذا وصل التحسن مع الجارة الشقيقة مصر، مرحلة متقدمة، تجسدت في اتفاق الحريات الأربع الذي وقعه البلدان، ويشمل “حق الإقامة والتملك والحركة والتجارة”، بالرغم من الشكوى المتواترة من عدم تطبيقها، في تلك الفترة الماضية، وكذا شهدت العلاقات السودانية العربية، تطوراً مضطرداً بائناً، وصل مراحل متقدمة، أيضاً، في مجالات التبادل التجاري، وفتح الحدود وبعض الإعفاءات الجمركية لبعض السلع القادمة من بعض البلدان، للسوق السودانية.

وبالرغم من عبور الحكومة السودانية ودبلوماسيتها، ممثلة في وزارة الخارجية، لكل العقبات التي كانت تقف حجر عثرة في طريق التكامل، وخلق علاقات قوية ومتينة بالرغم من ذلك ظلت العلاقات السودانية اليوغندية، تراوح مكانها، أو بالأحرى لم تزل في مرحلة التوتر خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب دعم الأخيرة لحركات التمرد السودانية، واحتضانها لنشاطاتها المعادية للدولة السودانية، من لدن بدايات التمرد في منتصف خمسينات القرن الماضي، وحتي نشوء الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد الراحل جون قرنق ديمابيور، منتصف الثمانينات، مروراً بحركات التحرر السودانية الموازية لحركة قرنق في المطالب والحقوق، انتهاءً بالحركات الدارفورية والحركة الشعبية، قطاع الشمال، بعد انفصال جنوب السودان وصيرورته دولة كاملة الدسم معترف بها في مضابط الأمم المتحدة.
ويرجح هنا السياسيون والإستراتيجيون بنجاح سياسة الدول الغربية تجاه السودان، بخصوص محاربة الأخير بجيرانه، كما أشارت الكثير من التقارير، والخطط الحربية التي تصب في هذه الخانة.
ومما عمق جراحات العلاقات بين السودان وكمبالا، خلال الفترة الماضية، استضافتها لمؤتمرات حركة قرنق لأكثر من مرة، كما ذكرنا، بل وإن الحركة الشعبية، كانت تجد في دولة الرئيس موسفيني ملاذاً آمناً لها، تقيها لها السند المعنوي لتنفيذ سياسيتها، تجاه الجار الشمالي لها ضمن سياسات المجتمع الدولي، تجاه أفريقيا والشرق الأوسط بشكل عام.
فالزيارات المتكررة لزعماء الحركة الشعبية لتحرير السودان كمبالا، وفتح أبوابها علي مصراعيها جعل حكومة السودان، تضع يوغندا في خانة العدو، حتي وصلت هذه العداوة الي مراحل متقدمة مع قطع العلاقات الرسمية بين الخرطوم وكمبالا.
وبعد طول قطيعة، توصل الرئيسان السوداني المشير عمر البشير ويوري موسيفني، الي تفاهمات نقلتها وسائل الإعلام كافة، حين التقيا علي هامش اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي الأخير، الذي انعقد في أديس أبابا، قبيل عيد الأضحى المنصرم، حيث حملت الأنباء تصريحات المسؤولين عن تعهدات الرئيس موري موسيفني لنظيره البشير، بعدم تقديم الدعم للمعارضة السودانية لاحقاً، وأنه يطمح في خلق علاقات جيدة بين بلاده وجارته الشمالية، السودان، بجانب أن كمبالا سوف تقوم بطرد قيادات الجبهة الثورية من بلاده، وستتخذ حزمة من القرارات الصارمة تجاه قوي الجبهة الثورية، وتحالف المعارضة لإنهاء وجودها في تلك البلاد.

لكن مراقبين، ينظرون بريبة لما تمخض عنه لقاء الرئيسين بأديس، ومن ذلك، أن الناطق الرسمي باسم التحالف هاشم عثمان أحمد، توقع عدم اتخاذ كمبالا قرارات صارمة ضد التحالف، وضد الحركات المسلحة، لكنه لم يستبعد، في تصريحات صحفية، أن تقوم الحكومة اليوغندية بطرد قيادات الجبهة الثورية من المدن اليوغندية الرئيسية، لإنهاء الوجود الطاغي لها، مؤكداً، في ذات الوقت أن كمبالا ظلت الملجأ الآمن لهم، ومحطة لحياكة المؤامرات ضد السودان حسب قوله.

ومن جانبه، فان تحالف دارفور قد حذر الحكومة من مغبة التعامل مع المواقف الجديدة لكمبالا، داعياً الحكومة لأخذ الحيطة والحذر، بل ذهبت تأويلات تحالف دارفور الي أبعد من ذلك، حين أعلنت بأن الحكومة اليوغندية وبهذا الموقف الجديد- تحاول أن تهيئ الساحة لمفاجأة يفجرها الرئيس يوري موسفيني، داخل الأوساط المحلية والإقليمية وذلك باتخاذ خطوات سالبة تجاه السودان.
آخرون يرون أن تعهدات موسفيني بعدم دعم وإيواء المعارضة السودانية، لا تتعدي في ظاهرها نوعاً من الحديث الذي يخرج من “اللسان ولا يتجاوز الآذان” وذلك علي خلفية ما تلعبه يوغندا من دور محوري، في سلسلة التكالب علي السودان، وما تمثله من حلقة تآمرية مقصودة في إطار محاربة السودان بجيرانه، ضمن سياسة الغرب تجاه البلاد.

ولم يستبعد آخرون عدم إمكانية موسفيني من الالتزام بهذه التعهدات، لأنها تأتي ضد “نواميس” المصلحة والصراع الأزلي والأبدي، من دول العالم الأول ضد دول العالم النامي أو الثالث، وأن هذه الأقوال هي للمجاملة السياسية ليس إلا، وأن كمبالا ستظل علي الدوام تشكل السند للحركات المسلحة السودانية لتكتمل حلقات الصراع التآمري ضد السودان.
الأيام، وحدها هي ما ستكشف عن النوايا اليوغندية الحقيقية تجاه السودان، وهي وحدها الكفيلة باختبار جدية تعهدات موسيفيني، ومدي قدرتها في أن تصبح واقعاً يعيشه البلدان ينعكس سلماً وأمناً وتبادلاً للمنافع، وهي أيضاً ستكشف عما إذا كان موسيفيني يقدم تعهداته للبشير، وفي قلبه شئ من حتي.[/JUSTIFY]

أحمد حسين
سودان سفاري
ت.ت

تعليق واحد