رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : خفض «العملة» بين العيب والضرورة

[JUSTIFY]ترى هل أشكل الأمر على بعض وسائل الإعلام حينما نشرت خبراً عن اتجاه بنك السودان المركزي لاتخاذ إجراءات لخفض سعر الجنيه السوداني قبل أن ينفي الناطق الرسمي باسمه ومساعد المحافظ الدكتور أزهري الطيب الفكي، وفي الوقت الذي أفاد فيه البنك المركزي لدولة جنوب السودان بأنه خفض سعر صرف الجنيه بنسبة ثلاثين في المائة أمام الدولار؟!
إن الناطق الرسمي باسم البنك المركزي يقول إن الخبر عار من الصحة وأن المعلومات الصحيحة يمكن أن تستمد من الموقع الإلكتروني للبنك.. وغير الخبر الذي نفاه والذي يحدد نسبة خفض سعر الجنيه إلى ثلاثين بالمائة، فإن هناك من يهمس بأن خفض سعره لم يُعلن عنه أي أن الموقع الإلكتروني لا يفيد بأية معلومة وأن هناك معلومات قد تكون في وضع سري. وبالطبع فإن خفض سعر الصرف يعتبر شيئاً سالباً ومضراً بالأوضاع المعيشية، وهو أمر غير مرضٍ عنه، ويؤثر في نفسية المواطن الفقير الذي ظل في صباح كل يوم جديد يقرر مقاطعة سلعة من السلع المعروضة في السوق على طريقة «أنت السماء بدأت لنا واستعصمت بالبعد عنا» كما كتب إدريس جماع وغنى سيد خليفة. إن هذه الرائعة التي تدفقت من خيال الشاعر الرائع تصلح لتصوير حال المواطن الفقير مع غلاء الأسعار بشكل أدق مما عناه بها ناظمها:

مناي أنت وفرحتي..
ومنى الفؤاد إذا تمنّى..
أنت السماء بدت لنا..
واستعصمت بالبعد عنا..

إن الخسارة العاطفية أو الصدمة الغرامية ليست قضية مهمة وملحة مثل تفاقم الضائقة المعيشية فلتذهب صاحبة الغرور إلى غير رجعة فمثلها كثر، لكن لا استغناء عن الطعام والشراب، ولذلك لا يسر خبر يتحدّث عن خفض العملة الوطنية.
لكن هل تخفيضها أحياناً تقتضيه المصلحة العامة أم يكون فقط مربوطاً بمصالح خاصة تحت ستار المصلحة العامة؟! إن ما استدعى هذا السؤال هو ما أشرنا إليه في مقدمة هذه السطور، فقد نقلت الأخبار من دولة جنوب السودان أن محافظ البنك المركزي هناك كونيلو كوريوم قال في مؤتمر صحفي مساء أمس الأول إن البنك رأى ضرورة خفض سعر الجنيه ليساعد في التوافق التدريجي بين أسعار الصرف المحلية مع نظيراتها في دول ومجتمع شرق إفريقيا إضافة إلى تحسين احتياطي النقد الأجنبي للاستيراد والأغراض الأخرى.

إذن يمكن أن يكون تخفيض العملة ضرورة اقتصادية، مع أن خفضها عيب اقتصادي ومشكلة اقتصادية قاسية على الناس. مفارقة عجيبة في دنيا الاقتصاد، وحينما فكر الاتحاد الأوروبي في إصدار عملة «اليورو» لم تتجاوب بريطانيا صاحبة العملة الأرفع «الجنيه الإسترليني» بحماس تجاوب الدولة الأوربية الأخرى، ولم تقل إن تواضعها النقدي سيسهل من حركة التجارة والمعاملات المالية مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بل بدت وكأنها أوجست في نفسها خيفة من أي أثر سالب محتمل على عملتها بعد صدور العملة الإقليمية الاتحادية. لكن دولة جنوب السودان تدهشنا وهي تخفض سعر صرف عملتها من ثلاثة جنيهات تقريباً إلى أربعة جنيهات أمام الدولار.. أوليس هذا الإجراء من شأنه رفع الأسعار والإسهام في تفاقم حالة الغلاء كنتيجة طبيعية لخفض العملة وأي عملة؟! هنا الأمر فيه فلسفة اقتصادية لكن العبرة بالنتائج، فهل ستزيد أسعار الضروريات في الجنوب «بعد تخفيض العملة المحلية بنسبة الثلاثين بالمائة التي هي نسبة التخفيض ثم لاحقاً ستنخفض أسعار السلع إلى نسبة ستين بالمائة لتكون هذه الفلسفة الاقتصادية حققت في نهاية المطاف تخفيضاً لأسعار السلع ورفعاً لقيمة العملة الوطنية كلاهما بنسبة ثلاثين بالمائة فيصبح سعر الصرف للجنيه «اثنين جنيه تقريباً».. ويصبح سعر اللتر من الوقود بسبعة جنيهات تقريباً؟! لا بد أن يكون هذا الثمار لفلسفة تخفيض العملة الجنوبية.. ولا يُعقل أن تكون جوبا قد آثرت على نفسها ولو كان بالمواطنين الجنوبيين خصاصة اقتصادية وتريد أن تخسر كضريبة دبلوماسية تدفعها لتحسين العلاقات مع السودان. فقد استنتج بعض المراقبين قائلاً إن خطوة تخفيض عملة الجنوب لتسهيل حركة التجارة والمعاملات المالية بين السودان وجنوب السودان بعد التطورات الإيجابية الأخيرة ثم إن خطوة البنك المركزي لجنوب السودان في اتجاه تخفيض العملة يكون دليلاً لصالح نفي بنك السودان المركزي على لسان دكتور أزهري الطيب على أن النفي مصدوق فيه، والملاحظة واضحة.. هذا إذا كانت جوبا تقصد بذلك ما استنتجه بعض المراقبين كما ذكرنا.

نلتقي غداً بإذن الله

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]