رأي ومقالات
د. هاشم حسين بابكر : سياسة السودان الخارجية سير بلا هدى أو دليل!!
أمريكا التي سببت كل المآسي للسودان، والسبب في ذلك الضعف الذي اتسمت به سياسة السودان الخارجية والتي كرصيفتها الداخلية تسير بلا هدى أو دليل!!
ما الذي يدعو الأخ وزير الخارجية لشكر أمريكا والتي جدد رئيسها العقوبات على شعب السودان وليس على نظام حكمه، والعقوبات المجددة هي تلك التي يفرضها رئيس الجمهورية، أما تلك التي يقرها الكنغرس فلا أمل في رفعها فقد أصبحت إحدى مواد الدستور الأمريكي!!
وحتى يطمئن الأخ وزير الخارجية أذكِّره بالعقوبات التي فُرضت على كوبا منذ ستين عاماً، والتي لم تطلب كوبا رفعها بل جاء الطلب أمريكيًا من خلال الشركات الأمريكية وبعض القوى المتنفذة في أمريكا ولكن عجز الجميع عن رفع العقوبات!!
أمريكا لا تحترم الضعيف المستسلم، بل تستطيب إهانته قدر ما تستطيع، وقد عجبت لطلب وزير الخارجية من أمريكا عدم التدخل في العلاقات بين السودان وجنوب السودان، وهو طلب يدعو للسخرية، فأمريكا هي من وضع حجر الأساس لانفصال الجنوب، والاتفاقية التي وضع سيناريوها في مركز الدراسات الإستراتيجية «CSIS» وهي التي فصلت الجنوب، قد تم فرضها من قبل أمريكا، فأمريكا تريد السودان ممزقاً كما أفغانستان والعراق ومن قبلهما الصومال، ولن تكتفي بفصل الجنوب بل ستواصل عمليات التمزيق للسودان!!
العلاقات الخارجية لأي دولة تُبنى على المصالح الاقتصادية فقط، والمنفعة المتبادلة بين البلدين هي التي تحدد مدى قوة هذه العلاقات، وأمريكا آخر دولة يمكن أن تكون بينها وبين السودان منفعة متبادلة، فأمريكا دائماً هي صاحبة المكاسب من جانب واحد دون أن يستفيد الجانب الآخر استفادة ملموسة!!
حين أعلنت أمريكا وقف الاستيراد من السودان كانت واعية تماماً فاستثنت الصمغ العربي الذي لا تستقيم صناعة المشروبات الغازية بدونه هذا إلى جانب صناعة الأدوية وصناعات سرية أخرى، فأمريكا تعي جيداً ما تريد، وحتى إن حظر السودان تصدير الصمغ العربي إليها فهي تستطيع الحصول عليه من الدول المجاورة التي يتسرب إليها من السودان!!
لا أدري ما الذي يرجوه الأخ وزير الخارجية من أمريكا، هل يرجو أن تكون العلاقات بين السودان وأمريكا علاقات طبيعية؟ ومتى كانت أمريكا طبيعية مع دول العالم الثالث أو الثاني أو حتى الأول، فأمريكا تحمِّل العالم أجمع نتيجة سياساتها الاقتصادية وتجعل العالم، كل العالم، يدفع ثمن خطاياها الاقتصادية، فالأزمة المالية العالمية، هي في الحقيقة أزمة اقتصادية أمريكية خالصة ليس للعالم فيها ضلع ولكن العالم دفع القيمة كاملة حتى إن دولاً صناعية كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان وغيرها عانت من تلك الأزمة ودخلت شعوبها في دائرة الفقر بسبب السياسة الاقتصادية الأمريكية فهل تتمنى أمريكا خيراً للسودان؟!
من الواضح أن السيد وزير الخارجية لا يرى في هذا العالم إلا أمريكا، ولا يرى خلاصاً للسودان من أزماته السياسية والاقتصادية إلا إذا رضيت عنه أمريكا، ورغم العقوبات التي يتم تجديدها سنوياً نجده يشكر أمريكا!!
السودان دولة غنية بالموارد الطبيعية وهو ثاني دولة في العالم بعد روسيا من حيث الموارد، وهذه فرصة كبيرة للنهوض باقتصاد السودان ليقوى كأقوى دولة في العالم، والسودان له موقع جيولولتيكي إستراتيجي حيث يطل على غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي، هذه المناطق تتصارع عليها القوى العالمية لفرض سيطرتها، هذا إضافة إلى أن السودان يشاطئ البحر الأحمر أهم الممرات المائية الإستراتيجية وهو شاطئ يصلح لرسو السفن الكبرى في كثير من الأماكن، وقد أطلق الأمريكان اسم الميناء الفولاذي على ميناء بورتسودان وقوة السودان هنا قوة اقتصادية وليست قوة أخرى، فالسودان يستطيع ربط غرب إفريقيا بمنطقة البحيرات مع القرن الإفريقي والبحر الأحمر كمنفذ لتلك الدول إلى العالم الخارجي خاصة أن عدة دول من دول الجوار ليس لها منفذ بحري!! كما أن السودان يعتبر معبراً لمسلمي غرب إفريقيا للأراضي المقدسة وقد كان كذلك منذ قديم الزمان وقد استخدم المواطنون من غرب إفريقيا السكة حديد حين كانت تعمل بكفاءة لأداء فريضة الحج، وأقرب طريق لهؤلاء الحجاج هو ذلك الطريق الذي يمر عبر السودان!!
إن أثر السودان على كل المناطق التي ذكرت سيكون كبيراً، إذا عمل نظام الحكم على ربط هذه المناطق بالسكة حديد وأنتج الغذاء وأمد به جيرانه الذين هم في أمس الحاجة إليه!!
وقد زار الأخ وزير الخارجية موسكو عدة مرات ولكن لم نحس بأن لهذه الزيارات نتائج ملموسة تصب في تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وروسيا ترغب في هذه العلاقات، وهي تدرك ما يتمتع به السودان من موارد تجعله من أقوى الاقتصاديات في المنطقة والعالم، وقد قام سفير جمهورية روسيا الفيدرالية الذي أنهى عمله بالسودان قبل أسبوع بمجهود ضخم لتقوية هذه العلاقات، ولكنه مجهود من جانب واحد!!
لا أدري ما الذي منع الأخ وزير الخارجية من تقديم دعوة لوزير الخارجية الروسية لزيارة السودان، وزيارة لمسؤول روسي بهذا الحجم لا شك تقلب الموازين وتجعل أمريكا تعيد النظر في علاقاتها مع السودان!!
كم هائل من الوزراء زار روسيا ولم نشهد رداً لهذه الزيارات إلا في حالات نادرة، لماذا لم يقدم وزير الدفاع مثلاً الدعوة لوزير الدفاع الروسي لزيارة السودان رغم أن العقيدة العسكرية السودانية أقرب إلى العقيدة الروسية من أي عقيدة عسكرية أخرى.
نحن نرى الوفود الروسية تأتي إلى السودان دون أن نرى طحيناً وهي وفود متواضعة ووزارة الخارجية من أهم واجباتها أن تعمل على تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول العالم، والسفارات تفتتح ليس للاستقبالات البروتوكولية وحفلات العشاء إنما لتقوم بهذا العمل والنشاط الذي يفيد البلدين اقتصادياً، وما دامت هناك فائدة اقتصادية فإن الدعم السياسي مضمون!!
روسيا تريد أن تنفتح على إفريقيا وبوابتها لهذا الانفتاح هي السودان، وتريد أن تكون موجودة في البحر الأحمر وكذلك يمر هذا الوجود عبر الخرطوم، فما الذي يجعل سياستنا الخارجية تتجاهل كل هذه المعطيات وتهرول تجاه أمريكا التي لن يهدأ لها بال إلا حين ترى السودان ممزقًا إلى عدة دويلات عرقية كما فعلت مع الجنوب؟!!
د. هاشم حسين بابكر