رأي ومقالات

الصادق الرزيقي : شورى الوطني .. وصناعة الخبز

[JUSTIFY]قضايا مهمة للغاية، كانت أمام ائتمار مجلس شورى المؤتمر الوطني طوال نهار وليل أمس، وهي تمثل التحدي الأكبر أمام الحزب الحاكم خلال الفترة القادمة وتختبر مصداقيته، إن أراد فعلاً إجراء إصلاح وتغيير شامل في مؤسساته وهياكله وفي مؤسسات الدولة بإجراء تعديلات شاملة تطول الجهاز التنفيذي والسياسي والتشريعي على المستويين الاتحادي والولائي.

ومن خلال التقارير التي قُدمت في اجتماعات الشورى والمداولات المعمقة لأعضاء المجلس، يبدو أن قضية التعديلات والإصلاح ماضية إلى منتهاها المأمول، خاصة أن التململ الداخلي وتداعيات مجموعة الحراك الإصلاحي التي انتهت بفصل قياداته، سرَّعت من دوران ماكينة التغيير داخل الحزب، وليس من مناص دونها.. وليس أدل على ذلك من الهتاف والتكبير أثناء خطاب الرئيس البشير أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الشورى حين أشار إلى تلك التعديلات والتغييرات.

لكن التحدي الحقيقي أن يخطو الحزب الحاكم خطوات جادة وعملية نحو التغيير والتعديل والإصلاح الفعَّال والمطلوب، فالإصلاح سنة ماضية في الحياة يجب أن تكون في حالات التكلس والعجز والوهن والتطاول والتثاقل إلى الأرض، ولا خلاف بين الناس أن الأداء التنفيذي والسياسي بحاجة إلى روح جديدة تجاه الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، خاصة في المجال الاقتصادي والأمني والسياسي وحفظ وصيانة التراب الوطني واستقرار البلاد.

وجاءت تأكيدات قوية قبل انعقاد شورى المؤتمر الوطني، بأن هناك تغييراً يطرق الأبواب قريباً، واستبشر كثير من الناس، فهل سيكون على قدر المتوقع، أم سيكون جزئياً يبقي على وجوه ظلت ماكثة في السلطة منذ مجيء الإنقاذ؟ فلا فائدة إن تمت عملية نقل الوزراء من وزاراتهم إلى وزارات أخرى.. في حركة تنقلات داخلية، فالمطلوب هو صناعة إحساس وشعور حقيقي بالتغيير لدى عامة الناس وتقديم وجوه جديدة، والمؤتمر الوطني يجب ألا يختزل كوادره وعضويته في بضع رجال ظلوا في الواجهة سنوات طويلة، ولا يعطي التعديل القادم نتائجه وقيمته إن جاء متجرداً من رؤية وتصور خلاَّق وبناء في السياسيات والمفاهيم والأفكار التي تقوي عود العمل الوطني وتعمِّق الثقة في توجهات الحكومة وصدقيتها تجاه القضايا الملحة في البلاد.

صناعة الخبز

بينما المؤتمر الوطني يناقش قضايا السياسة وتقلباتها وتطوراتها وتجاذبات أهلها، كانت ولاية الخرطوم في شأن آخر من خلال ورشة نظمتها وزارة المالية الولائية حول تطوير صناعة الخبز، وهي ورشة على قدر كبير من الأهمية لأنها تناقش قضايا المعاش وأهم سلعة في حياتنا المعاصرة، وتكاد الحكمة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» تفقد دلاتها العملية، فالخبز صار هو جوهر حركة المواطن لتوفيره لعائلته لضمان حياتها ونجاتها من العوز والجوع.

وكنا نظن أنها ورشة تناقش قضايا ملَّ الناس سماعها حول أوزان الخبز وأسعاره، وهو حديث مكرور ومعلوم من عقود طويلة، لكن الورشة فتحت الأذهان على حقائق اقتصادية واجتماعية وصحية وسياسية عميقة الغور، فقطاع صناعة الخبز قطاع معقد تتجاذبه عدة جهات، وهي المطاحن وتجار الدقيق واتحادات أصحاب المخابز والدولة والعلماء في مجال التغذية والزراعة وغيرها من الجهات ذات الصلة.. وكل هذه الجهات تمثل مصالح وتجمعات تلتزم بمنفعتها، بينما تحاول ولاية الخرطوم أو الحكومة العمل على توفير الخبز بأية وسيلة ووضعه أمام المواطن المستهلك بسعر مناسب، وإبعاده من مشكلات تجارته واستيراده وغيرها من المتعلقات اللازمة بتوفير القمح والدقيق.

وقُدمت أوراق من اتحاد المخابز وحكومة الولاية وخبراء مختصين في هذا المجال، ودار نقاش طويل ومثمر حول عدة قضايا تتعلق بسياسات الدولة في صناعة الخبز تشمل استيراد القمح والدقيق وطحنه في المطاحن القائمة، وزراعة القمح نفسه في البلاد ومعيقات إنتاجه وأوضاع المخابز وبيئتها وإنتاجها وتسويق الخبز، ثم القضية الأكبر وهي البدائل المقترحة قبل أربعين عاماً لتقليل التكلفة في صناعة الخبز وإنتاج الخبز من الدقيق المخلوط، وكل ما يتعلق بالقمح والذرة والمقارنة بينهما من ناحية القيمة الغذائية والمواصفة والجودة والوفرة.

وتبارى أهل الخبرة والدراية في مناقشة كل هذه القضايا بوضوح وصراحة، وقد إنتابنا نحن الذين جئنا مراقبين ومتابعين شعور عميق بأن هذه القضية بأضلاعها المختلفة تحتاج لحل مركب وليس حلاً واحداً، على مظنة أن سلعة إستراتيجية كالقمح صارت واحدة من أدوات السياسة الدولية، وتوجد مافيا تعمل في مجالها ترفض أية بدائل تقلل من قيمة القمح واستيراده، وتوجد معلومات مذهلة في هذا المجال لهذه المافيا التي تتلاعب وتضغط على أهم سلعة استهلاكية للمواطن، وسنتعرض لهذه القضية في تحقيق صحفي متكامل في أعدادنا القادمة بإذن الله.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]