بابكر بدري في جنيف «1»
[JUSTIFY]
أهلنا يقولون «الرفيق قبال الطريق» وأنا أعتدت دوماً أن أرافق الأخيار في الحل والتسفار.. وأكون دوماً أو كما أعتقد محظوظة في هذا الانتقاء أو المصادفة إن كان الباعث ممتداً من عند دواخلي أو ما تمليه طيبة الآخرين ونقاوة سريرتهم.. ظروف للعمل تقودني لعبور المسافات والمساحات سهولاً وودياناً صحارى.. بحاراً.. أنهاراً ولوحات من طبيعة الله الفاطر.. ضجة المطارات الهادئة.. الأبواب «القيتس» لا تدعوك إلى التساؤل أو البحث عن العبور من خطو لآخر.. الكل يتسارع بنبض زمانه ومواقيت إقلاعه وهبوطه بشارات ضوئية دالة.. والزاد حقائب تتدافع على وقع عجلاتها الرباعية أو الثنائية لا يهم ما دامت تتقدم خطوة مسنودة الدفع.. أعبر مطار بلادي الحبيبة وألج إلى جوف الطائرة وارتفع كمن اقتلع اقتلاعاً من سطح منخفض إلى ارتفاع أعلى على عجل.. الرأس مثخن بكثير هموم وأفكار لا تود أن تبارح المكان الداخلي في متاهات الدماغ.. وهنا في المقعد الثامن والثلاثين على تراتيب الهجائية «جيم» أتموضع يحفني الرفاق بكثير احترام وتقدير.. أتحسس حقيبة يدي فأجد أنني قد استبقت الزاد بهذا الرفيق.. كتاب حفي بالمجالسة والمؤانسة أو كما قال كاتبه «التاريخ يكتب الحوادث منه العادية للفكاهة وغير العادية من الحقائق للاقتداء بها حسناً وقبيحاً».. إنه رفيقي الخاص في هذه الرحلة رائد تعليم المرأة السودانية «الشيخ.. المعلم.. بابكر بدري».. بدأت ألتهم وأهضم ما سطر في الجزء الأول من كتابه.. لعلي أتعرف على هذا الرجل الذي فتح لنا «القيتس» وعبر بنا إلى المطارات والشواطيء الآمنة نحن نسوة السودان الصابرات.. فما بدأت في تسلسل سرده للجزء الأول من «تاريخ حياتي».. إلا وتداعت أمامي بدفق جامح مداومات المواصلة لا ينتزعني من ثنائية احتفائي به إلا بمن يمدني بذلك القراح ويذهب الظمأ.. لأعود مرة أخرى ويتلقاني البدري بهذه الحكمة «أصدق التاريخ ما كتب في زمانه وصدق فيه كاتبه وصدق معاصروه فيما روى».. وتلاحقني دوماً مقولة «إننا أمة شفاهية تعيش حوادث زمانها ولا تعمد إلى تسطيرها».. فكم كان هذا «البابكر» سابقاً لعصره عندما كتب مذكراته هذه.. والتي يمكن أن تصبح مادة توثيقية لفيلم يحكي عن البعد الاجتماعي لفترة «المهدي» بما حوى من تفاصيل وأسرار لم تدون في التاريخ الرسمي «الجامد».. فقد استطاع الشيخ أن يقدم الكثير من التفاصيل التي تعين المهتمين بهذا الجانب من تاريخ الحياة السودانية الاجتماعية أو كما قال مقدم كتابه الأستاذ «محمد فريد أبو حديد».. «… تطلعنا وتساءلنا لعلنا نلمح ما كان يختلج في صدورهم من المشاعر وما كان يدور في عقولهم من الآراء لكنا كنا في أكثر الأحوال نرجع من تطلعنا وتساؤلنا بصور غير واضحة ونضطر إلى جمع أخبارهم من هنا ومن هناك بغية الاهتداء إلى الحقائق التي كانت تنطوي في حياتهم الزاخرة».. لكن الشيخ رحمة الله عليه.. يوفر علينا الكثير من المشقة وكثيراً من التساؤل ويجنبنا كثيراً من مواطن الخطأ في التفسير والتأويل.. لأنه خلف لنا صورة واضحة من تاريخ حياته في هذه المذكرات التي يحتويها هذا الكتاب.. وهي صورة تشتمل على شخصه كما تشتمل على وصف صادق لكل ما كان يحيط به..».آخر الكلام:
وما زالت الطائرة في الأجواء في رحلة تمتد من الخرطوم إلى امستردام إلى جنيف.. والرفيق الشيخ بابكر بدري.. يمارس سطوته على مساحة القراءة والاطلاع في مدونة خواطري الخاصة.. لعلي أثبر غور هذا الرجل القومي.
[/JUSTIFY]
[LEFT]مع محبتي للجميع..[/LEFT]سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]